سياسة صحف وآراء

ثوابت نواف سلام

* ابراهيم حيدر

لا ينفصل تكليف نواف سلام تشكيل الحكومة عما جرى في انتخابات الرئاسة التي جاءت بجوزف عون رئيساً للجمهورية. شكل الخارج عامل ضغط وإن كان غير مباشر لاستكمال التغيير من الموقع الأول إلى الرئاسة الثالثة، وهذا كان واضحاً في في تبدل الأسماء حتى اللحظة الأخيرة التي سبقت الاستشارات النيابية التي أجراها الرئيس في قصر بعبدا

لا ينفصل تكليف نواف سلام تشكيل الحكومة عما جرى في انتخابات الرئاسة التي جاءت بجوزف عون رئيساً للجمهورية. شكل الخارج عامل ضغط وإن كان غير مباشر لاستكمال التغيير من الموقع الأول إلى الرئاسة الثالثة، وهذا كان واضحاً في في تبدل الأسماء حتى اللحظة الأخيرة التي سبقت الاستشارات النيابية التي أجراها الرئيس في قصر بعبدا. يعني ذلك أن القوى الداخلية بتشكيلاتها المختلفة لم تكن هي المقرر في اختيار سلام قبل أن يتدخل الراعي الخارجي الذي أشرف على إخراج التوليفة النهائية بتسمية الرئيس المكلف تماماً كما حدث خلال انتخاب رئيس الجمهورية.

ليس مجيء نواف سلام إلا أيضاً برافعة دولية، تم إخراجها داخلياً، وهي عملية تعكس الوصاية التي بات لبنان يسير ضمن أجندتها، بمعزل عن ثوابت الرئيس المكلف ويمثله وهو الديبلوماسي والأكاديمي والقانوني، وما يشكله مع رئيس الجمهورية من تلاقً حول إعادة بناء الدولة وتعزيز سلطة القضاء وتطبيق القرارات الدولية خصوصاً اتفاق وقف النار في الجنوب. التكليف وقبله انتخاب الرئيس يشيران إلى تغيير سياسي كبير في البلاد لم يحدث بهذا العمق منذ نحو عشرين عاماً أي منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، علماً أن الإنجاز الوحيد الذي حصل في تلك السنة تمثل بخروج جيش النظام السوري من لبنان بضغوط دولية أيضاً، على الرغم من نزول اللبنانيين إلى الشارع، انما من دون خروج الوصاية في شكل نهائي أو رفع التدخل في الشؤون اللبنانية.
الواقع أن لبنان دخل في مرحلة جديدة لا يمكن معها العودة إلى الوراء، إذ لم تعد الصفقات والمحاصصة شرطاً لتشكيل الحكومة، أقله على ما جاء في خطاب القسم، وحتى إن عمد الثنائي الشيعي على المقاطعة واعتبار ما حدث انقلاباً، فإنه أقله لدى “حزب الله” لن يتمكن من إعادة عقارب الساعة بعد كارثة الحرب الإسرائيلية وما فرضه اتفاق وقف النار من التزامات وافق عليها الحزب بإشراف الأميركي، وأيضاً بعد التغييرات التي حدثت في المنطقة وسقوط نظام الأسد في سوريا. لكن ذلك لا يعني أن مسار التغيير في لبنان لن يواجه عوائق خصوصاً إذا حسم الرئيسان بعد تشكيل حكومة مستقلة تطبيق العناوين الإصلاحية ما يعني مواجهة مع الكتل والقوى المتجذرة في السلطة والتي لن تسلم أوراقها وستحاول الحفاظ على مكاسبها في وجه التغيير.
اليوم تتاح فرصة لإعادة تنظيم البلاد بعد الانهيارات والحرب، فرئيس الحكومة المكلف يمكنه أن يشكل حالة استثنائية لمواجهة الأزمات وإعادة لملمة البلاد من التشظيات، لكن من دون مزايدة البعض على دوره وموقعه، إذ أن تسميته التي جاءت برعاية دولية هي الرافعة الأساسية لكنها تحتاج إلى التفاف لبناني وحاضنة تواكب العناوين والثوابت التي حددها برباعية الإعمار والإصلاح والـ1701 والطائف، فهو لا يسعى إلى الإقصاء، لكنه قد يواجه محاولات مضادة تحت عنوان “إقصائه عن التغيير”.
لا حاجة لإسقاط تجارب سابقة على صورة سلام غير المتسرّع والثابت في مواقفه المبدئية. هناك مرحلة تتوفر فيها ظروف دولية وإقليمية يمكن من خلالها فتح مسار جديد للبلاد يجب استثماره في إعادة بناء الدولة إلى أقصى الحدود.

*  نشرت في جريدة النهار بتاريخ 16 كانون الاول 2025

Leave a Comment