زهير هواري
بيروت 5 أيار 2024 ـ بيروت الحرية
لن تكون المحاولة الإسرائيلية – الأميركية بالتخلص من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين في الشرق الأدنى –الاونروا التي شهدها العالم الشهر الماضي، هي الأخيرة. إذ ستعقبها محاولات مستميتة، خصوصاً وأنها ليست المرة الأولى التي تتم عملية استهدافها، فقد سبقتها محاولات متكررة لإنهاء ولاية الاونروا كشاهد أممي يتحمل مسؤولية حماية تاريخ وتراث المأساة الفلسطينية، وتأمين الخدمات للاجئين الفلسطينيين حتى عودتهم أو تعويضهم. الذرائع التي ساقتها إسرائيل سابقاً متعددة ومنها معاداة السامية وبث الكراهية وتخريج إرهابيين من مدارسها، وتحويل مراكز الوكالة إلى مخازن للأسلحة، والاصرار على استمرار مدارسها قائمة في القدس الشرقية، ورفضها اعتماد المناهج الإسرائيلية بديلاً عن المناهج التي أعدتها السلطة الفلسطينية و… ودوما كانت الحملات الإعلامية التي تطلقها اسرائيل وتتماهى معها اميركا في المقام الاول تتعرض للفشل. فالجمعية العامة للأمم المتحدة تعيد سنوياً أو كل ثلاjordan 5 gore-tex outlet geox spaccio online von dutch cap benetton saldi jordan 5 gore-tex zapatillas Nike baratas outlet geox spaccio online and camicie donna marsupio mandarina duck penn state football jersey 24 bottle borse ynot blundstone outlet florida state football jersey scarpe ovyè ث سنوات تجديد تكليف الاونروا بالمهام التي درجت على القيام بها منذ خمس وسبعين عاماً بموجب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 302 الصادر بتاريخ 8/ 12 / 1949، علما أنها بدأت أعمالها في أيار من العام 1950، أي منذ تأسيسها. فاللجان التي دققت في المناهج الدراسية مثلاً في مدراس الاونروا معتمدة على ما تعبر عنه مواثيق واتفاقيات الأمم المتحدة من مباديء إنسانية، لم تجد أثراً لما تدعيه إسرائيل من نشر الكراهية والعنصرية والتعصب. وتحويل المدارس والمراكز إلى مخازن لأسلحة حماس لم يتبين أن له أساس. أما القول إن الانفاق التي حفرتها حماس كانت تنطلق من هذه المدارس أو المستشفيات، فلم يثبت من قريب أو بعيد. وفي غضون عقد السنوات الأخير كانت إسرائيل تحرص على اغراق الوكالة بالاتهامات التي تركت انطباعاً لدى بعض الدول المانحة أن هناك ما تخبئه الوكالة عنهم، وبالتالي راجت أحاديث حول ضرورة معاينة كل قرش تدفعه هذه الدول التي تدور في فلك اميركا، أو كل مشروع أو خطة تتولاها الوكالة لتحسين أوضاع المخيمات التي تعمل بها، سواء من النواحي التعليمية أو الصحية أو الاجتماعية.
تدمير القطاع ومصير الوكالة
بينما كانت آلة الحرب الإسرائيلية تعمل على تدمير قطاع غزة بما فيه من بشر وحجر ومعالم عمران (مدارس، جامعات، مستشفيات، مساجد، كنائس، مراكز صحية، طرقات، محطات كهرباء ومياه ومزارع و..) ، كانت أجهزتها الإعلامية تبث آخر البدع التي فبركتها عندما ذكرت أن 12 موظفاً في الوكالة شاركوا في الهجوم على المستوطنات الاسرائيلية في غلاف غزة. أي في الوقت الذي كانت فيه اجهزة الاعلام الصهيونية تذيع نباً قطع رؤوس الأطفال، والاعتداء عليهم، كانت تبث خبر مشاركة عمال الاونروا في الهجوم وما تخلله من فظائع. واعتبرت أن ذلك مبرر كاف لوقف عملها في القطاع وتسليم مسؤوليتها عن اللاجئين الفلسطينيين إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في العالم. مباشرة اميركا، ودون حد أدنى من موجبات التدقيق، قررت قطع ما تقدمه للاونروا من مساهمة مالية، بعد أن سبق وقطعها عن الوكالة الرئيس السابق دونالد ترامب مثلها مثل الاونيسكو وغيرها من مؤسسات أممية، واستمر حتى نهاية عهده، ومجيء بايدن الذي أعادها. وحذت حذوها بريطانيا وكندا واوستراليا والعديد من الدول الأوروبية والآسيوية، حتى بدا للبعض أن مصير الوكالة برمته موضوع على بساط البحث. لا سيما وأن ليس لدى الوكالة موازنة سنوية ثابتة من ضمن موازنات منظمات الأمم المتحدة، إذ تعتمد في انفاقها على ما تجود به الدول المانحة. وهي في معظمها تدور في الفلك الأميركي. وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة هي المانح الأكبر، فإن أي انقطاع في مدفوعاتها، له مضاعفات كبرى على خدمات ومشاريع وخطط الوكالة في مناطق عملياتها الخمسة.
وفي ظل هيمنة إعلامية غربية بات الموضوع هو ادعاء الكبيرة التي ارتكبها هؤلاء الموظفون أو العاملون في الوكالة (تبين أن بعض الـ 12 كتب تعليقات على المواقع الالكترونية)، بينما غابت عن هذه الوسائل الفظاعات الواضحة والصريحة التي كانت ترتكبها إسرائيل في طول القطاع وعرضه. ويوميا كانت مدارس الوكالة التي تحولت إلى ملاجيء للاجئين الهاربين من عشوائية القصف وتدميريته للأحياء والحارات والمستشفيات تتعرض بدورها للقصف. وبالطبع كان عمال وموظفو الوكالة يتابعون القيام بدورهم في التخفيف ما أمكن من هول حرب الابادة. علما أن عدد 12 موظفاً في حال افتراض صحته لا يقاس بعدد العاملين لدى الوكالة في كل من لبنان وسوريا والأردن والضفة الغربية بما فيها القدس وغزة وهم 31 ألف موظف وعامل وطبيب ومدرس وغيرهم. وكما كان المواطنون الفلسطينيون يتساقطون بالعشرات والألوف، كان موظفو الوكالة يستشهدون وهم يؤدون عملهم، حتى بلغ عدد من فقد حياته منهم حوالي 180. أما المنشآت التابعة للوكالة والتي تعرضت للتدمير فقد وصل عددها إلى 160 تشمل مدارس ومشاغل ومراكز صحية واستشفائية واجتماعية، وقد قتل داخل هذه المنشآت حوالي 400 مدني فلسطيني إضافة إلى الـ 180 موظفا وعاملاً من الوكالة.
الحملة الإعلامية التي رافقت الادعاء الإسرائيلي دفعت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بالتشاور مع المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني، إلى إقالة الموظفين المعنيين والإعلان عن تحقيق ومراجعة مستقلة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين –الاونروا في 5 شباط/ فبراير 2024، بقيادة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا التي عملت في إطار هذه المراجعة مع ثلاث منظمات بحثية هي معهد راؤول والنبرغ في السويد، ومعهد ميشيلسن في النرويج، والمعهد الدنماركي لحقوق الإنسان.
نتائج المراجعة والتحسينات المطلوبة
جرت المراجعة الخارجية المستقلة بالتوازي مع تحقيق يقوم به مكتب الأمم المتحدة لخدمات الرقابة الداخلية حول ادعاءات تورط 12 موظفا لدى الأونروا في هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر. شملت اجتماعات لجنة التحقيق 47 شخصاً يمثلون دولا وهيئات دولية، بالاضافة إلى لقاءات مع 200 شخص. استمر العمل حتى 23 نيسان / ابريل الماضي عندما عقدت رئيسة مجموعة المراجعة الخارجية المستقلة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين “الأونروا” كاترين كولونا مؤتمراً صحفيا في مقر الأمم المتحدة تحدثت فيه عن التقرير الذي جرى إنجازه والمؤلف من 54 صفحة بجزأين، أحدهما قدم للأمين العام في 20 آذار ولم يجر تعميمه. والجزء الثاني وهو التقني وهو الأهم وأعلن عنه في 22 نيسان وتضمن 50 توصية. وقالت كولونا في مؤتمرها الصحفي: إن الاونروا تقوم بدور لا يمكن استبداله أو الاستغناء عنه في المنطقة. وقد أفاد تقرير مجموعة المراجعة أن الوكالة وضعت عددًا كبيرًا من الآليات والإجراءات لضمان التزامها بالمبادئ الإنسانية، بالتركيز على مبدأ الحياد. وقالت إنها تتبع نهجًا للحياد أكثر تطورًا من أي جهة أخرى مشابهة أممية أو غير حكومية.
وأشار التقرير إلى أن الأونروا وضعت إطار عمل للحياد عام 2017، وقالت إنها منذ ذلك الوقت وضعت وحدَّثت عددًا كبيرًا من السياسات والآليات والتدابير لضمان الامتثال لمبدأ الحياد، والاستجابة العاجلة والملائمة للادعاءات أو مؤشرات الانتهاكات، وتحديد وتطبيق عقوبات تأديبية على الموظفين الذين يثبت انتهاكهم لمبادئ الحياد.
وأضافت “في ظل غياب حل سياسي – للقضية الفلسطينية -، تقدم الأونروا مساعدات إنسانية منقذة للحياة وخدمات أساسية للسكان. وفيما نتحدث الآن في هذا الوقت الحرج، تقوم الأونروا بدور حيوي في الاستجابة الإنسانية في غزة”. وذكر التقرير أن الكثيرين ينظرون إلى الأونروا باعتبارها شريان حياة إنسانيًا.
وحددت المراجعة المستقلة في تقريرها النهائي 8 مجالات مهمة تتطلب إدخال تحسينات فورية وهي: الانخراط مع المانحين، والحوكمة، وهياكل الإدارة والرقابة الداخلية، وحياد الموظفين وسلوكياتهم وسط مناخ من تزايد التسييس. وفي سياق متصل، ذكر التقرير أن الأونروا تشارك قائمة موظفيها بأسمائهم ووظائفهم، بصورة سنوية مع الحكومات المضيفة في لبنان والأردن وسوريا، ومع إسرائيل والولايات المتحدة بشأن الموظفين في القدس الشرقية وغزة والضفة الغربية. وأشار إلى أن الحكومة الإسرائيلية لم تبلغ الأونروا بأي مخاوف تتعلق بأي من موظفي الأونروا بناء على تلك القوائم منذ عام 2011. ويتعلق المجال الخامس بحياد المرافق. وحياد التعليم. وأكد تقرير المجموعة أهمية النظام التعليمي للأونروا لمئات آلاف الأطفال الفلسطينيين. وقال إن الأونروا أحرزت تقدما كبيرا خلال السنوات الأخيرة للتعامل مع المخاطر المرتبطة بالترويج لخطاب الكراهية والعنف في الكتب المدرسية والفصول. وسابعاً حياد اتحادات الموظفين. وأخيراً تعزيز الشراكة مع وكالات الأمم المتحدة.
وأعربت كولونا عن ثقتها بأن تطبيق تلك التوصيات سيساعد الأونروا على الوفاء بولايتها. أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فأعرب عن امتنانه وتقديره لكولونا، وأعلن قبوله للتوصيات الواردة في التقرير، واتفق مع المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني على أن الأونروا- وبدعم من الأمين العام – ستضع خطة عمل لتنفيذ التوصيات الواردة في التقرير النهائي الذي صدر تحت عنوان “مراجعة مستقلة للآليات والإجراءات لضمان التزام الأونروا بمبدأ الحياد الإنساني”.
كما أعرب عن امتنانه لمؤسسات البحث التي شاركت في مجموعة المراجعة المستقلة، للأبحاث المهمة التي أجروها. كذلك أكد المفوض العام لوكالة الأونروا، فيليب لازاريني التزام الوكالة توصيات التقرير والعمل الراسخ على تطبيق قيم الأمم المتحدة والمبادئ الإنسانية. وأوضح أن التوصيات الواردة في هذا التقرير ستزيد من تعزيز “جهودنا واستجابتنا خلال إحدى أصعب اللحظات في تاريخ الشعب الفلسطيني”.
وقد رحبت عشرات الدول بالتقرير وما ورد فيه، واعادت العديد من الدول دفع مساهماتها في تمويل موازنة الاونروا، خصوصا في ظرف هو الأقسى، ولم تشهد له الوكالة والشعب الفلسطيني مثيلاً لجهة الفظاعات المرتكبة في قطاع غزة والضفة الغربية على حد سواء. ومن الدول المرحبة الدول المضيفة للاجئين وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي والدول المانحة، وعلى رأسها اميركا التي أعلنت أنها تتطلع لتنفيذ التوصيات، وكذلك وكالة الاونروا. أما الدولة الوحيدة التي رفضته فكانت إسرائيل بطبيعة الحال.
الذاكرة الفلسطينية دولياً
تعتبر وكالة الاونروا بما تملكه من ملايين البطاقات حول أجيال اللاجئين الفلسطينيين منذ النكبة وإلى اليوم بمثابة مخزن أو أرشيف أممي لذاكرة ومعاناة الشعب الفلسطيني منذ بداية تغريبته. فالبطاقات التي تملكها الوكالة لهؤلاء تحمل ليس فقط اسم اللاجيء، بل أيضا اسم المدينة والقرية التي طرد منها إبان النكبة، مع معلومات وصور لوثائق ومستندات وسندات ممتلكات وأفلام وصور فوتوغرافية وإحصاءات وتقارير تفسر عمليات الإبادة والتطهير العرقي والطرد التي تعرض لها الفلسطينيون، وعمليات تجريدهم ونهب ممتلكاتهم، وقيام إسرائيل على امتداد تاريخها بأعمال سطو على هذه العقارات، وتحويلها إلى بؤر ومواقع استيطان لمستوطنين تحضرهم من شتى أصقاع العالم.
إن أرشيف الوكالة الغني هذا بمثابة كابوس للسلطات الإسرائيلية التي تجد فيه وثائق إدانة لما مارسته من تمييز وجرائم ضد الإنسانية طوال عقود تاريخها. لكن ما تملكه الوكالة لا يقتصر على الجانب التاريخي. فالوكالة تمارس عملها في 58 مخيما في مناطق عملياتها الخمسة، بينما تقدم خدماتها التعليمية والصحية والاجتماعية لـ 6 ملايين لاجيء، وتدير الاونروا حاليا 715 مدرسة تضم حوالي 600 ألف طالب من صفوف الروضة إلى الثانوية العامة، وتنشر الوكالة في المخيمات التي تعمل فيها 140 مركزا صحيا يزورها سنويا حوالي 9 ملايين لاجيء، بينما تقدم شبكة الأمان الاجتماعي المساعدة لحوالي 300 ألف لاجيء، وتصنف الوكالة 400 ألف لاجيء ضمن الفئات الأشد عرضة للمخاطر، وتساعدهم من خلال برنامج الخدمات الاجتماعية. كما تقدم 300 ألف قرض بقيمة 25 مليون دولار سنويا لمشاريع صغيرة.
وعليه، لا شك أن الاونروا ساهمت في صمود الشعب الفلسطيني مع بعض الملاحظات على أدائها هنا وهناك، وهذه لا تقلل من أهمية الدور الذي تلعبه. ولذلك تحرص إسرائيل على “شيطنتها” دوماً، كبوابة عبور نحو شطبها من الوجود اذا استطاعت تحقيق هذا الطموح التدميري.
Leave a Comment