*بسام مقداد
قد يكون وصف العام الراحل “عام زيلينسكي والسنوار” أكثر صدقاً وتعبيراً عن حقيقة العام 2023. لكنه ليس العام الأول للرئيس الأوكراني في حربه ضد غزو بوتين، والعالم لا يجمع على تحية يحيى السنوار، بل خرجت شوارعه تحيي فلسطين. وشوارع العالم لا تجابه، بل يُنصت إليها.
يستحق بوتين ونتنياهو بجدارة تسمية العام 2023 بإسم الدم الذي يسفحانه في أوكرانيا وفلسطين. فقد ودع الأول العام بأوسع حملة قصف للحواضر والمدنيين الأوكران منذ بدء غزوه الشامل شتاء العام 2022. والثاني، خرج وزير ماليته Bezalel Smotrich أخر يوم في السنة ليدعو الفلسطينيين لمغادرة غزة، وإفساح المجال للإسرائيليين الذين “بوسعهم جعل الصحراء تزدهر”، حسب موقع ZN الأوكراني. وكان نتنياهو نفسه قد رد بصفاقة على إتهام قيادة جمهورية جنوب إفريقيا بشبهة إرتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة، واصفاً الإتهام بأنه “ثرثرة وكلام فارغ”، كما نقلت الإزفستيا الروسية في 31 المنصرم.
وفقاً للتقليد البشلفي المتبع في روسيا منذ أواسط ثلاثينات القرن الماضي، توجه بوتين بكلمة للشعب الروسي مسجلة على شريط فيديو يشاهده سكان كل من المناطق الروسية على مدى تسع ساعات تفصل بين أقصى شرق روسيا وأقصى غربها. مدة الكلمة 5 دقائق قبل دقات ساعة برج الكرملين معلنة بدء العام الجديد. وحسب وكالة نوفوستي، ضمّن بوتين كلمته توجهاً إلى العسكريين الروس المشاركين في “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا، مشيراً إلى أن روسيا بأسرها “فخورة بهم ومعجبة بشجاعتهم”. وأضاف أنه ليس من قوة تستطيع بث التفرقة بين الروس، وتجبرهم على نسيان ذكرى الآباء وإيمانهم، وعلى وقف تطور “بلادنا”.
الإسرائيليون يحتفلون برأس السنة العبرية الذي يتنقل بين شهري أيلول /سيتمبر وتشرين الأول/أكتوبر من كل سنة.
ووفق التقليد البلشفي عينه، توجه الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إلى الأوكران بكلمة بمناسبة حلول السنة الجديدة مسجلة على شريط فيديو أيضاً. حسب موقع قناة التلفزة الأوكرانية 24tv، خاطب زيلينسكي الأوكران بالقول” أيها الشعب العزيز، أوكرانيا العزيزة”، سنة أخرى تنتهي، سنة أخرى من الإستقلال، سنة أخرى من “نضالنا من أجل إستقلال أوكرانيا، “سنة أخرى من الحرب من أجل أرضنا، من أجل حريتنا، من أجل بعضنا البعض”. والأوكران، كما الفلسطينيون، يعدون أيام صمودهم، حيث أضاف زيلينسكي “قبل 676 يوماً واجهنا جميعاً تحدياً، حيث انهمرت علينا الصواريخ، من جميع الجهات، وتعرضنا لغزو معاد”. قلة من الناس آنذاك كانوا يعتقدون “أننا سوف نبلغ العام 2023، ناهيك عن أننا سوف ننجو منه”. دعونا نرحب بالعام 2024″.
تابع زيلينسكي بكلمات يرددها الفلسطينيون الآن، حيث قال بأن الأوكران أثبتوا أنهم أقوى من الظلمة والصقيع. وأضاف بأنهم أقوى في ظل إنقطاع التيار الكهربائي، وأنهم يتخطون أي نقص في الكهرباء” فنحن لا نعاني من النقص في الصمود والبسالة”. وتوجه بالشكر إلى العسكريين الأوكران بالقول “طالما أنتم موجودون، أوكرانيا موجودة”. وأعرب عن ثقته في رجولتهم وبطولاتهم في الدفاع “عنا جميعا طيلة هذا الوقت، وقت المعارك الشرسة اليومية”.
وكعادته بعد كل حدث مهم، كان زيلينسكي قد توجه إلى الأوكران مساء 29 المنصرم إثر موجة القصف الجوي الروسية غير المسبوقة طيلة فترة الحرب منذ اندلاعها شتاء العام 2022. يصف موقع قناة التلفزة الأوكرانية المذكور أعلاه يوم القصف ـــ الجمعة في 29 المنصرم ـــ بأنه “يوم جمعة أسود حقيقي للأوكران”. ونقل عن زيلينسكي قوله أن الحرب يجب أن تعود إلى “هؤلاء السفلة” الروس، وأشار إلى أنهم أطلقوا حوالي 160 صاروخاً وطائرة مسيّرة، إستهدفت المنازل الخاصة، الكنائس، المستشفيات، دار توليد والعديد من المستودعات والمؤسسات التجارية. وينقل الموقع عنه وعده بالرد الأكيد على كل ضربة “للإرهابيين الروس”، وقوله بأن “الإرهاب لن يستطيع أبدا هزيمة البشر”.
صحيفة Kommersant الروسية ناقشت في 14 المنصرم مقارنة بوتين حربه على أوكرانيا ـــ “العملية العسكرية الخاصة” ـــ وما يجري في قطاع غزة. مقارنة بوتين جاءت خلال إطلالته المتلفزة ضمن “الخط المباشر” السنوي، ووصف فيها الدمار في غزة بأنه “مأساة كبيرة”، وليس هناك ما يشبهه في الصراع بأوكرانيا. وأشار أنه على تواصل مستمر مع الرئيس التركي بشأن تسوية الصراع، وأن مواقفهما متشابهة.
أشار بوتين إلى وصف الأمين العام للأمم المتحدة قطاع غزة بأنه “مقبرة الأطفال الأكبر في العالم اليوم”. وقال بأن هذا الوصف يعني الكثير، وبرأيه، ليس هناك ما يشبهه في “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا.
صحيفة الأعمال الروسية Vedomosty نقلت في 27 المنصرم عن قناة التلفزة التركية TRT مقارنة أردوغان لنتنياهو بهتلر. تساءل أردوغان ما إن كانت أعمال نتنياهو تختلف عن أعمال هتلر، ورأى أنه “أغنى من هتلر”. فإسرائيل تحصل على دعم الغرب، وكل أنواع المساعدة تصلها من الولايات المتحدة. وبواسطة كل هذا الدعم قتل الإسرائيليون أكثر من 20 ألف فلسطيني من سكان غزة. وقال بأن “معاهد الغرب المعروفة” لم تصدر عنها أي ردة فعل على تدمير الجامعات في غزة، لكنها بدأت “حملة مطاردة” ضد منتقدي إسرائيل. وكما في ألمانيا النازية منذ 80 سنة، يتعرض للإبتزاز والضغوط والتهديدات العلماء الشرفاء الذين تجرأوا على وصف القمع في غزة بالوحشي.
الخدمة العربية في قناة التلفزة الأميركية “الحرة” نقلت في الأول من الجاري عن صحيفة Haaretz تحذيرها قادة الجيش الإسرائيلي من أن محكمة العدل الدولية قد تصدر أمراً بوقف القتل الجماعي في غزة. لكن نتنياهو ثارت ثائرته ضد إتهام جمهورية جنوب إفريقيا لإسرائيل بشبهة الإبادة الجماعية في غزة. ونقلت عنه صحيفة الإزفستيا الروسية المخضرمة في 31 المنصرم وصفه الإتهام بالثرثرة والكلام الفارغ. ورد في إجتماع الحكومة الإسرائيلية على التهمة بمخاطبة إفريقيا الجنوبية بالقول “كلا يا جمهورية إفريقيا الجنوبية، لسنا نحن من جاء لارتكاب إبادة جماعية، بل هي حماس”، ويتابع بأن الجيش الإسرائيلي “يعمل بأقصى الأخلاقية”.
كما تنقل عنه الصحيفة قوله للجمهورية الإفريقية “إنني أسأل: أين كنتم أنتم، حمهورية إفريقيا الوسطى وكل الآخرين الذين ينادون بالأخلاق، حين كانوا يقتلون ويقتلعون من مساكنهم ملايين الناس في سوريا واليمن؟ لم تكونوا حاضرين، لأن كل ما تفعلونه الآن كذب ــــ مجرد ثرثرة فارغة، أكاذيب وغرور”.
تشير الصحيفة إلى أن قيادة جمهورية جنوب إفريقيا تقدمت في 29 المنصرم من المحكمة الدولية في الأمم المتحدة بطلب إصدار حكم بانتهاك إسرائيل إلتزامتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 من خلال أفعالها في قطاع غزة. وتعتبر الدولة الإفريقية أن أعمال إسرائيل حيال سكان قطاع غزة تحمل طابع الإبادة الجماعية، حيث أنها ترتكب بهدف “إبادة الفلسطينيين في قطاع غزة كجزء من الجماعة الفلسطينية القومية العرقية الإثنية”. وردا على ذلك طلبت وزارة الخارجية الإسرائيلية من محكمة العدل الدولية رفض مزاعم جنوب أفريقيا ووصفتها بأنها إفتراء دموي.
*نشر في المدن الالكترونية يوم الثلاثاء 2024/01/02
Leave a Comment