مهند عبد الحميد*
4 تموز 2021
من الصعوبة بمكان تلخيص مساهمة فلسطيني العام 1948 في معركة الدفاع عن مدينة القدس في حي الشيخ جرّاح وباب العمود والمسجد الأقصى مواجهة التطهير العرقي الإسرائيلي.
فدورهم كان رئيسياً وحاسماً في حماية حي الشيخ جرّاح، والسيطرة على ساحة باب العمود التي تربط احياء مدينة القدس بالبلدة القديمة، وفي صدهم لسياسة التقاسم الزماني والمكاني للمسجد الاقصى، باعتباره مشاداً فوق انقاض الهيكل بحسب الرواية اليهودية. كان هؤلاء القادمون من تاريخ نكبتهم جزءاً من الهبة الشبابية التي اندلعت في المدينة، وقد احتشدوا ليلاً نهاراً وبأعداد كبيرة في مواقع المواجهات مستفيدين من امتلاكهم الهوية الاسرائيلية، خلافاً لشبان الضفة الغربية الذين منعتهم حواجز الاحتلال من الوصول. وعندما أوقفت سلطات الاحتلال القافلة الضخمة من باصات المواطنين الآتية من المثلث والنقب والجليل، هبَّ شبان القدس لاصطحابهم مشيا على الاقدام، وعبر مركباتهم الخاصة. كان مشهداً ملحمياً بين أبناء الشعب الواحد وقد تغلبت إرادتهم على المحتلين، الذين اضطروا للتراجع في باب العامود إرجاء مسيرة الاعلام السنوية التي ينظمها المستوطنون في البلدة القديمة وصولا إلى المسجد الاقصى، وتأجيل المحكمة الاسرائيلية العليا قرارها بإخلاء المنازل في الشيخ جرّاح. لقد فرض حضورهم تراجعات اسرائيلية مهمة، تضاف إلى التنازلات الإسرائيلية السابقة، وبخاصة التراجع عن وضع البوابات على مداخل المسجد الاقصى، والتخلي عن ضم اراضٍ محيطة بمقام النبي موسى.
أكثر من ذلك، فقد شارك فلسطينيو 48 في احتجاجات منظمة وحاشدة ومتواصلة في حيفا والناصرة وام الفحم، وبلدات وقرى عديدة، وللمرة الأولى انضم المواطنون الفلسطينيون في عكا ويافا واللد والرملة للإحتجاجات مستعيدين هويتهم وتراثهم الذي اعتقد الاسرائيليون انه ذهب إلى غير رجعة وانتهى. كان لافتاً رفع الاعلام الفلسطينية في مدن عكا واللد التي استحضرت رموزها برفع صورة جورج حبش ما أثار دهشة السلطات الاسرائيلية، هذا الحضور النضالي دفع بالمتعصبين الفاشيين وسلطات الاحتلال لممارسة الاعتداءات منوعة تبدأ من القمع وتصل إلى الفصل من العمل واطلاق حملة اعتقالات للنشطاء، الذين صاروا جزءاً اساسياً من الدفاع عن مدينة القدس، ومن مناهضة الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية. ثم كان الحدث الابرز والاهم متمثلاً بالاضراب االفلسطيني الشامل “إضراب الكرامة والوحدة” يوم 18 ايار الماضي، استجابة للدعوة الصادرة عن لجنة المتابعة العليا في مناطق 48 للاضراب. وعمَّ الإضراب كل المواطنين في فلسطين التاريخية، والمخيمات الفلسطينية في لبنان والاردن، وذلك دعما للقدس واحتجاجاً على العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة. ومؤخراً دعت الحراكات الشبابية الفلسطينية في الداخل (48) إلى تنظيم مبادرة “أسبوع دعم الاقتصاد الوطني” ابتداءً من 6 حزيران الجاري والذي استجابت لها مدينة القدس والضفة وقطاع غزة والشتات الفلسطيني في إشارة الى استمرار النضال الفلسطيني الموحد
كان الاستعمار الاستيطاني الصهيوني قد تعامل مع السكان الاصليين الذين بقيوا في وطنهم – يقدر عددهم في حينه بـحوالي 150 الف فلسطيني- كخطر أمني أو “عدو داخلي”. وعمل باسلوب منهجي متواصل على قمع تطلعاتهم السياسية، وعلى إحداث قطيعة تامة بينهم مع أبناء شعبهم وكذلك مع الشعوب العربية. الآن وبعدما زاد عدد الفلسطينيين في مناطق الـ 48 عن مليون ونصف المليون (20% من مجموع السكان)، تعمل اسرائيل على تحويلهم إلى مجرد أفراد ودمجهم اقتصادياً ومحو هويتهم الوطنية. لكن تطور المجتمع الفلسطيني داخل اسرائيل ارتبط بإحياء الهوية وبترابطهم مع المكونات الفلسطينية الاخرى ومع محيطهم العربي. وبحسب موقع المشهد الاسرائيلي قال أمنون أبراموفيتش، المحلل السياسي في قناة التلفزيون 12، “إن للعرب داخل إسرائيل قدرة تدميرية، إذ إن إضرابهم يعني أنه لن يكون هناك أطباء وصيادلة وممرضون، وعمال نظافة، وسائقون، وحتى هدافون في مباريات كرة القدم. تغيرات كثيرة تحدث لمصلحة الشعب الفلسطيني داخل فلسطين، كثير من مخططات الإقصاء الاسرائيلية تفشل، مقابل حضور فلسطيني يتطور ويتعاظم. لقد دمرت السلطات الاسرائيلية قرية العراقيب في النقب (الجنوب) 184 مرة وهذا ليس بغريب، ولكن الغريب بناء القرية من قبل الفلسطينيين 184 مرة والحبل على الجرار”.
يمكن القول ان هبة أيار اعادت القضية الفلسطينية الى الواجهة بعد ان نجح نتنياهو بدعم اميركي وصمت عربي في وضعها على الهامش. لقد وحدت الانتفاضة الفلسطينيين في الداخل، وقد تصدر المشهد جيل فلسطيني شاب قدم خطاباً جديداً، نجح في إعادة بناء وحدة وطنية فلسطينية من تحت، ومن خلال مطالب ومهمات محددة. المؤكد أن هذه الهبة تجاوزت الحركة السياسية الفلسطينية والسلطتين في الضفة وغزة وخطابهما الخشبي، وفتحت جسوراً مع الخارج حيث يتعاظم التضامن والدعم العالمي عبر حركات جديدة.
*صحافي فلسطيني
Leave a Comment