صحف وآراء

أبناء الأمير الطبيب الشيخ جرّاح

    4 تموز2021

كان يمكن أن يكون حي الشيخ جراح في القدس كأي من الأحياء القديمة في المدينة المحتلة منذ العام 1967 لا يأتي على ذكره أحد الا في المناسبات، لولا أنه قفز إلى واجهة الأحداث منذ مطلع شهر أيار الماضي، بعد أن قرر أهله الذين لا يزيد عددهم عن 500 مواجهة سياسة الطرد التي تسعى إليها سلطات الاحتلال الاسرائيلي.    الشيخ جراح الذي يسمّي يه الحي المقدسي كما جاء كتاب “الأُنس الجليل في تاريخ القدس والجليل”، هو أحد أمراء صلاح الدين الأيوبي، وهو الأمير الطبيب حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجراحي، الذي حمل لقب الشيخ جرّاح. وفي المرجع نفسه يذكر الكاتب مجير الدين الحنبلي أن الشيخ جراح توفي في عام 598 هجري، ودُفن في “الزاوية الجراحية” الموجودة حالياً في الحي المقدسي، الذي بات يحمل اسم حي الشيخ جراح. وقد بنيت مقبرة الشيخ جراح في القرن الثالث عشر، وبعدها تأسس الحي تيمناً باسم الشيخ. وبات رمزاً لأجيال عربية متعاقبة منذ نحو 900 عام. الحيّ الحديث تأسَّس عام 1865 وأصبح مقراً سكنياً لبعض العائلات المقدسية العريقة مثل منزل المفتي الشيخ أمين الحسيني الذي لم يُقم فيه، ولعائلات النشاشيبي، وجار الله، ونسيبة.   يقع حي الشّيخ جرّاح على سفوح جبل المشارف إلى الشّمال من البلدة القديمة في القدس. وعدد من سكانه هم من العائلات الفلسطينية التي كانت تملك منازل لها في حيفا ويافا والقدس الغربية. وقد هُجّرت منها في نكبة عام 1948. ومنذ عام 2001، تعرض الحي إلى تدفق واضح للمستوطنين، الذين نجحوا في الاستيلاء على عدد من البيوت وإخلاء سكانها. ويعاني الحيّ بشكل مستمر من إرهاب هؤلاء المستوطنين واعتداءاتهم. لكن قصة الحي تبدأ قبل ذلك بعقود بعيدة.    أهمية الحي تنبع من موقعه الجعرافي، لذا سعت إسرائيل منذ العام 1948، لاحتلاله، كونه يربط بين شرق القدس وغربها، وكنقطة رصد استراتيجية مهمة، حيث الجامعة العبريّة الواقعة على جبل المشارف في القدس. ولم تستطع إسرائيل احتلاله حتى العام 1967، حيث عملت على قطع تواصل الأحياء المقدسيّة ببعضها وعن مجمل الضفة الغربية وتطويقها بوحدات استيطانيّة بلغ عددها 18 مستوطنة، تضاف إلى الاختراقات في القدس القديمة. وكان الأردن قد أسكن في العام 1956، لاجئين فلسطينيين في الحيّ، بالاتفاق مع “الأونروا”، مقابل تملّكهم البيوت بعد ثلاث سنوات، وحالت حرب العام 1967 دون تسجيل هذه البيوت في دفاتر الطابو الأردنية. وفي العام 1997 ذهب فلسطينيو الشيخ جرّاح إلى المحاكم الإسرائيليّة، مطالبين باستعادة الأراضي الوقفية، إلّا أن الالتماس رُفض، واستأنفت العائلات القرار، إلّا أن المحكمة في العام 2010 منحت الأراضي لمستوطنين يهوداً قادمين من جورجيا.   ومع أن الأهالي حصلوا من تركيا التي كانت تتبع فلسطين على ما يدحض رواية مجموعات المستوطنين لجهة ملكية الأرض، الا أن محكمة الاحتلال المركزية أصدرت عدة قرارات بإخلاء العائلات المقدسية التي تقطن الحي، وأمهلت ساكنيها حتى الثاني من أيار2021، لتنفيذ القرار ليحل مكانهم المستوطنون. ورفضت طلبات الاستئناف المقدمة لها. وعلى الرغم من مرور أكثر من أربعة عقود على القضية، إلا أن محاكم الاحتلال لم تناقش ملكية الأرض، بل اكتفت بوثيقة تقدّمت بها الجمعيات الاستيطانية، وثبت عدم وجود أي أصل لها في الأرشيف العثماني، تدعي من خلالها تسجيل وملكية الارض في العام 1972.    والواقع أن أهالي حي الشيخ جراح، يخوضون منذ نصف قرن متواصل معركة الدفاع عن وجودهم المهدد بالإخلاء. وهي معركة مواجهة للهجمة الاستيطانية ضدهم، فيما يتعامل الاحتلال مع وجود المقدسيين كـ “شرٍ” يجب التخلص منه. ويرفع الأهالي الصوت ضد تشريدهم، عسى أن تلقى صرختهم استجابة دولية، بما في ذلك إطلاقهم حملة “أنقذوا حي الشيخ جراح” على وسائل التواصل الاجتماعي والتي كانت في صلب الانتفاضة الأخيرة التي تجاوبت معهم فيها جموع الفلسطينيين داخل الضفة واراضي العام 1948 وغزة.   ويعتبر عضو لجنة الدفاع عن حي الشيخ جراح، وأحد أصحاب المنازل المهددة بالإخلاء يعقوب أبو عرفة، أن صراع العائلات مع المستوطنين هو جزء لا يتجزأ من قضية القدس وفلسطين عامة. ويقول “إن ما يعاني منه أهالي الشيخ جراح يعاني منه أيضاً أهالي بلدة سلوان، وأحياء وادي الربابة والبستان وواد الجوز، وما يطلق عليه الاحتلال منطقة الحوض المقدس التي تحيط بكامل البلدة القديمة من القدس، وينوي الاستيلاء عليها وتنفيذ مشاريع خاصة وإسكان المستوطنين وإقامة الحديقة التوراتية في سلوان، ومشروع وادي السيلكون في واد الجوز.” ويشرح أبو عرفة ما تشهده المحاكم الإسرائيلية: “نشعر خلال وجودنا في هذه المحاكم أن قُضاتها مستوطنون، يقاتلون لتهويد القدس أكثر من محامي المستوطنين”، لكن “لدينا اليوم بارقة أمل صغيرة، أن نتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية ونفكر جدياً بخوض هذه التجربة.” كان من المقرر أن تصدر المحكمة العليا الإسرائيلية، قراراً نهائياً بخصوص إجلاء 4 عائلات فلسطينية من الحي لمصلحة مستوطنين يدّعون ملكيتهم للأرض في ذروة احتدام المواجهة التي أثارتها محاولة الاستيلاء على الحي، والتي امتدت إلى المسجد الأقصى قبل انفجار الصواريخ وغارات الطيران الاسرائيلي التدميرية على غزة، لكن الحكومة قررت إرجاء ذلك لمدة شهر باعتبار أن صدور حكم عن المحكمة العليا من شأنه أن يصب الزيت على نار المواجهة. وحتى اللحظة تلقّت 12 عائلة فلسطينية في الحي قرارات بالإخلاء من محكمة الصلح والمحكمة المركزية الإسرائيليتين. وطالب أهالي الحي، ممثلي المسؤولين الأوروبيين خلال زيارتهم للحي بخطوات عملية إذا ما استمرت في انتهاكها حقوق الفلسطينيين.

Leave a Comment