سياسة مجتمع منشورات

حكومة ربط النزاعات تجدد الصراعات ولا تنتج حلولاً

أما حزب الله، فلا شك بأن نتائج هذه المعركة، جعلته المنتصر الأكبر. لقد شارك الحزب في المشاورات مستنداً إلى اختلال نتائج الإنتخابات لمصلحته، ومنطلقاً من هيمنة الأمر الواقع القائمة، المتمثلة بقدرته على التحكم بمسار التشكيل وفرض شروطه على مختلف الأطراف من الحلفاء والخصوم على حد سواء.

يبدو أن العهد القوي لن يهنأ بحكومته الأولى، التي انتظرها بعد مضي أكثر من سنتين. فما إن صدرت مراسيم التشكيل حاملة نتائج الصراعات على الحصص الوزارية، حتى انبرى بعض ابطال المعارك من القادة، إلى تحديد الأرباح والمكاسب والتباهي بتعداد انتصاراتهم المحققة في إطار مشاريعهم الطائفية أو الفئوية. فيما عكف آخرون منهم على ترصيد الحسابات وحصر الخسائر، ومحاولة رسم الخطوط الحمر لحماية المواقع المحاصرة بعدما تقلصت مساحات نفوذهم. 

 لم يكن مفاجئاً أن تنتهي المعركة عن تسوية حكومية تعكس الخلل في توازنات القوى على أكثر من صعيد داخلي وإقليمي، بما فيها نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة. وليس غريباً أيضاً أن يتصرف كل من التيار الحر وحزب الله، على أنهما حققا نصراً مبيناً على أخصامهم. فالتيار صادر ثلثي التمثيل المسيحي، ونجح في  التضييق على القوات ودفع بها إلى الزاوية مجدداً، وصفى الحساب مع وهم شراكتها مع العهد، الذي سكن قيادتها، استناداً إلى نصوص اتفاق معراب الذي تمت الإطاحة به من طرف واحد. وإذ كرس إخراج الكتائب من جنة الوزارة، فإنه تمكن أيضاً من تحقيق إختراق مهم في منطقة الجبل الجنوبي والساحة الدرزية تحديداً، وثبت مؤقتاً شراكتة في تمثيلها.  

أما حزب الله، فلا شك بأن نتائج هذه المعركة، جعلته المنتصر الأكبر. لقد شارك الحزب في المشاورات مستنداً إلى اختلال نتائج الإنتخابات لمصلحته، ومنطلقاً من هيمنة الأمر الواقع القائمة، المتمثلة بقدرته على التحكم بمسار التشكيل وفرض شروطه على مختلف الأطراف من الحلفاء والخصوم على حد سواء. وعليه كان واضحاً أن الهدف الرئيسي هو الإنتقال إلى مرحلة الترسيم الواضح لتلك الهيمنة بشكل لا ينطوي على أية إلتباسات. لذلك بادر مبكراً إلى إعلان طلباته وشروطه التي لا يقبل التنازل عنها، بدءاً من تحديد طبيعة وشكل حصته في الحكومة وعيّن الوزارة الأساسية التي يريدها، بالإضافة إلى الشراكة في التمثيل السني. لم ينته الأمر إلا وقد حقق كامل أهدافه تقريباً، بما فيه نزع وكالة التفاوض بإسمه من رئيس المجلس النيابي وحركة أمل، الذي تراجع دوره  ليقتصر على الصراع  حول حصته الفئوية من جهة، ومحاولة معالجة الخلل في التوازن الذي أصاب موقع الحركة كشريك في المعادلة الشيعية وعكسته الأصوات الانتخابية.

  في المقابل، سارع رئيس الحكومة إلى تغطية خسائر تياره ولفلفة الأداء المرتبك لممارستة صلاحياته كرئيس مكلف، عبر تسريع تحديث البيان الوزاري السابق وإقراره تمهيداً لنيل الثقة، متسلحاً بتكرار الوعود بأن الفرج آت مع مقرارات “سيدر”، علّ ذلك يساعد على تحسين الصورة.  بينما عكف قائد القوت اللبنانيية على النفخ في الحصة التي تركت لحزبه، بعد تصفية طموح الشراكة مع العهد وتياره بعد الانقلاب على اتفاق معراب الذي نهض على رافعة  تبني ترشيح خصمه للرئاسة الأولى. أما زعيم المختارة وقائد اللقاء الديمقراطي، فقد بادر سريعاً إلى شن هجوم دفاعي حاد في الشكل، بغية تحصين مواقعه التي يشكل المس بها دخولاً في المحرمات، علماً أنه وقبل أشهر قرر التراجع عن طلباته، وأحال إلى صاحب العهد إيجاد المخرج من منطلق الإقرار بفوز الطرف الآخر.

  لم يكن غريباً أن يتبادل الأطراف الثلاثة الإتهامات حول المسؤولية عن الخسائر التي ألمت بهم، والحال التي آلت إليها أوضاعهم، بعدما كانوا القوة الصدامية الرئيسية  لجبهتهم السابقة، التي شكلوها يوماً وقد أصابها التفكك والانهيار، بعدما عصفت بها المصالح الفئوية وتاهت مكوناتها خلف رهانات خاصة، أطاحت بما كان لديها مجتمعة من مصادر قوة داخلية وخارجية.  في حين أن جبهة خصومهم نجحت في تحقيق أكثر أهداف هجومها المعاكس، مستندة إلى تماسك صفوفها والتحكم بتناقضاتها وتعارضاتها، في ظل إدارة متماسكة لعلاقاتها الإقليمية. الأمرالذي مكنها من خوض معاركها المتناسلة طوال السنوات الماضية،وصولاً إلى تشكيل الحكومة حيث استطاعت الإمساك بمجريات الصراع  تعطيلاً وتسهيلاً  للإستحقاقات، وفق ما يلائم أهدافها المرسومة والمعلنة، بما فيه استرهان البلد ومؤسساته وأهله.

وإذا كانت خسائر البلد لا تعد ولا تحصى على أكثر من صعيد، فإن تشكيل الحكومة على أهميته لا يشكل خاتمة الصراعات بين أهل الحكم. كما لن يأتي حكماً بالحلول للأزمات، سواء المتصلة بهويته الوطنية وموقعه الإقليمي وصلته بالصراعات المحيطة به وانعكاساتها على أوضاعه، أو تلك المتعلقة بالصعيد الاقتصادي والنقدي الناتج عن السياسات المعتمدة، ومفاعيلها السلبية في ميدان القضايا الإجتماعية والخدمات العامة.

أما الشعارات التي يتنافس الجميع على إطلاقها، حول تعزيز الوحدة الوطنية وتجديد التزام سياسة النأي بلبنان عن أزمات المحيط، أو تلك المتصلة بالوضع الاقتصادي والنهوض به، ووعود الإصلاح ومكافحة الفساد. فإن جميع اللبنانيين بمن فيهم مطلقوها، يعلمون جيداً أنها غير قابلة للصرف. وأن الصياغات الإنشائية حولها والتي تحملها البيانات الوزارية لا تقدم أو تؤخر، ولا يختلف الأمر بالنسبة للقضايا الخلافية الكبرى التي تأسرالبلد، لأنها مفتوحة مباشرة على خطر تسعير الحرب الأهلية المقيمة، بالنظر لما ينطوي عليه الوضع من ألغام قابلة دوماً للإنفجار، حيث التوافقات اللغوية في مقاربتها لا تعدوأكثر من تشاطر لتغطية استمرار ما هو قائم ومعتمد من سياسات وممارسات.

هذا ما أكدته السجالات والإتهامات المتبادلة خلال جلسات مجلس النواب، والتي اختتمت بتجديد الشراكة وتبادل عهود الثقة في ما بينهم كما كان الأمر على الدوام. فالشراكة لا تلغي الخصومة، ولا تمنع التعايش الملغوم بين الأعدقاء، ولا تحول دون استمرار الخلاف على الحصص والمغانم. وفق هذه المعادلات تولد التسويات المؤقتة، التي تختتم مرحلة  لتفتتح أخرى جديدة. لأن التسويات بطبيعتها لا تحمل حلولاً نهائية  لأنها محكومة إلى توازنات غير مستقرة، ولا تتعدى صيغة ربط النزاعات، كما لا تلغي طموح أي طرف معني بها، داخلي أو خارجي، ورغبته في تعديلها عندما يرى ذلك ممكناً، مستنداً إلى ما يملك من أوراق وما يضمر من أهداف يعتقد أنها قابلة للتحقق. أما الأمل الذي راود بعض اللبنانيين، فسرعان ما بدأ بالتلاشي قبل أن يجف حبر مراسيم تشكيل الحكومة، وبدء بث حلقات المسلسل الجديد.

[author title=”زكي طه” image=”http://”]محرر لبناني[/author]