سياسة

ترامب يطلق التطبيع الخليجي ويكرس اسرائيل القوة الاقليمية

رغم إعلان الملك سليمان مؤخراً عن استمرار التزام المملكة بحل الدولتين ومبادرة السلام العربية التي صاغها الملك السعودي الراحل عبدالله، وأطلقها من على منبر القمة العربية في بيروت في العام 2002. لكن هذا لا يعني أن المملكة تستطيع إدامة “الرقص” على الحبال المشدودة، لاسيما وأن العلاقات السرية الإستخباراتية والأمنية تسير على قدم وساق. وهو أمر معروف وعمره عقود وليس سنوات.

ترامب يطلق التطبيع الخليجي ويكرس اسرائيل القوة الاقليمية

وقّعت كل من دولتي الإمارات العربية والبحرين منتصف أيلول المنصرم ثلاثة اتفاقيات سلام وتطبيع وتعاون مع اسرائيل في البيت الأبيض. تحدث للمناسبة كل من الرئيس الاميركي دونالد ترامب ورئيس وزراء الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزيري خارجية الدولتين. الكلام الأهم هو ما ورد على لساني الأول والثاني. فقد أكد ترامب على ولادة شرق أوسط جديد وتغيير مسار التاريخ. أما نتنياهو فقد أشاد بالدور التاريخي لترامب والإدارة الاميركية. لكنه أضاف جملة معبرة عندما قال “السلام الذي نؤسس له سوف يستمر لأنه مبني على القوة .. لقد عملتُ على تعزيز ركائز اسرائيل كي تصبح قوية جداً لأن القوة تفضي إلى السلام”.

بالطبع لم يشر الوزيران الخليجيان إلى ما قاما بتسويقه قبل التوقيع عندما تحدثت دولتاهما عن وقف مخطط ضم أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن بالمقابل. الأهم أن مسيرة التطبيع وإن كانت قد تموضعت خليجياً إلى الآن، الا أنها باتت بمثابة لازمة في السياسة الاميركية على صعيد المنطقة العربية بأسرها. من هنا تصاعد الحديث عن 5 أو 6 دول مرشحة أن تتبع الامارات والبحرين. ولعل ما كشفته المصادر السودانية خلال المفاوضات التي تخوضها بلاده لرفعها عن لائحة الإرهاب والإفراج عن القروض والمساعدات خير دليل. ففي مقدمة الشروط جاء تطبيع العلاقات مع اسرائيل على نحو كامل، بما فيه تغيير المناهج الدراسية، لكن قبلها الإعتراف بحق إقامة قواعد عسكرية اميركية واسرائيلية على الشاطئ الغربي للبحر الأحمر. ومثل هذه الشروط ستتكرر مع الدول الأخرى المرشحة للركوب في القاطرة التي تقودها الولايات المتحدة الاميركية.

واذا كانت هذه القاطرة قد مرت بمحطات عدة منها الإعتراف بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال ونقل السفارة الاميركية إليها وقطع المساعدات المالية عن السلطة والمؤسسات الفلسطينية ووكالة الاونروا واعتبار الجولان أرضاً اسرائيلية وتنظيم ورشة البحرين ثم إعلان صفقة القرن … فإن كل هذه كانت بمثابة تحضيرات للمسلسل الأخير، تنفيذاً لما ورد في  نص صفقة القرن من دعوة إلى قيام أحلاف عسكرية تشغل فيها اسرائيل دور القائد والمنسق للقوة الإقليمية المزمع تشكيلها لمجابهة الخطر الإيراني، الذي “نجح” عبر ضغوطه في تسهيل اندفاعة هذه الدول نحو هذا المنعطف الخطير. وهو الخطر الذي باتت دول الخليج العربي تبني حساباتها على أساسه، ما أدى إلى تغييب القضية الفلسطينية التي طالما كانت الرابط بين العرب، والعنوان الرئيسي للصراع العربي ـ الصهيوني. واللافت أن المملكة العربية السعودية كما تبدو راهناً، تضع رجلاً في “البور” وأخرى في “الفلاحة”، وهي التي كانت وستظل مستهدفة أكثر من سواها بالاعتداءات الايرانية عبر الجماعات الحوثية أو بالمباشر. فقد أجازت المملكة بالتأكيد عملية التطبيع، رغم إعلان الملك سليمان مؤخراً عن استمرار التزام المملكة بحل الدولتين ومبادرة السلام العربية التي صاغها الملك السعودي الراحل عبدالله، وأطلقها من على منبر القمة العربية في بيروت في العام 2002. لكن هذا لا يعني أن المملكة تستطيع إدامة “الرقص” على الحبال المشدودة، لاسيما وأن العلاقات السرية الإستخباراتية والأمنية تسير على قدم وساق. وهو أمر معروف وعمره عقود وليس سنوات.

والمؤكد أن وضع التطبيع على نار حامية لا يرتبط بوضعي كل من ترامب ونتنياهو وحاجة كل منهما لأصوات الناخبين للبقاء في السلطة أو عودته إليها. إذ من الواضح أن هذه النقلة ترتبط بالخطوات التي سبق وحققتها الإدارة الاميركية التي وجدت أن الوقت قد حان لتصعيد الموقف نحو الإختراق الكامل للمنطقة من مدخل مصالح اسرائيل التي تتمتع بوكالة حصرية مسجلة من الإدارة الاميركية بالدفاع عن مصالحها ومصالح حلفاء واشنطن في المنطقة. وكانت اميركا قد ضاعفت خلال الأشهر الأخيرة وخصوصاً منذ تصفية قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني من ترسانتها في مياه وشواطئ الخليج، فضلاً عن التفجيرات التي يعيشها الداخل الإيراني. لكن الولايات المتحدة في المقابل تعتزم تقليص حضورها الشرق أوسطي وهي بحاجة لتسليم المنطقة إلى قوة مجربة وموثوقة، وهي اسرائيل ولا أحد سواها. من هنا عملت اميركا دون كلل أو ملل لتحويل العلاقات الأمنية إلى علاقات سياسية علنية على أمل أن يكون ذلك هو المدخل لإعادة صياغة البرامج والمشروعات والخطط المستقبلية للمنطقة بما يجعل من اسرائيل ليس المركز العسكري العملياتي الأساس فقط، بل الرابط لاقتصادات المنطقة بالمركز الاسرائيلي لجهة الأنظمة المصرفية والمالية والخدماتية وخطوط المواصلات والتجارة الخارجية، فضلاً عن التبادل السياحي الذي أطلت بشائره مع رحلات شركة العال نحو دبي ومرورها فوق الأراضي السعودية. ولعل هذا يفسر بعض ما شهدته بيروت ويعيشه لبنان.

يبقى القول إن المتضرر الأكبر من التطبيع الخليجي هو الشعب الفلسطيني وقيادته المحاصريْن في الضفة والقطاع، والمهددين بالتخلي العربي المتصاعد عن دعم صمودهما السياسي والاجتماعي، إذ المؤكد أن للتطبيع مترتباته على صعيد الموقف العربي الرسمي، وطلائعه واضحة وتمثلت في مواقف وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخير في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة، عندما تم رفض ادراج خطة التطبيع للنقاش والإدانة على جدول أعماله. لذلك لم يكن خارج الصواب توصيف الخطوة الجهنمية بأنها عبارة عن طعنة وجهتها دول عربية إلى صدر القضية الفلسطينية، ما يعني أن كل الإنتصارات السياسية التي حققتها هذه القضية في الأمم المتحدة وأمام الرأي العام العالمي ستكون مهددة بالإنتكاس، طالما أن العالم العربي يسلم أوراقه تباعاً للراعي الاميركي ووكيله. بالطبع لن تغير إيران من سياستها إزاء الدول العربية سواء أكانت قريبة أو بعيدة وستمهد السبيل أمام الإدارة الاميركية الممسكة بزمام السياسة والاقتصاد العالمي أن تراكم خطوات تجعل اسرائيل قطب الرحى في المنطقة.

ويبقى على الفلسطينيين إعادة قراءة أوضاعهم من النواحي كافة، ولا سيما على صعيد العلاقات البينية بين مكونات مجتمعهم في الداخل والشتات، واعتماد تجميع أوراق قوتهم بما يكبح الاستراتيجيات الزاحفة والمهددِة لقضية شعبهم بالإستقلال والحرية.

[author title=”محرر الشؤون العربية” image=”http://”]محرر الشؤون العربية[/author]