منشورات

منظمة العمل الشيوعي تدعو إلى حكومة انقاذ عاجلة لمواجهة مضاعفات الكارثة

وقد تجلى ذلك في تعامل تلك القوى مع  المبادرة الفرنسية ووجهتها الإنقاذية والإصلاحية في آن، وانتهت إلى التفريط بها ووأدها على مذبح  المكاسب المرتجاة ورافضة تقديم التنازلات في سبيل المصلحة الوطنية، وترك البلاد تتخبط وسط بحر من الأزمات، مع حكومة ولدت مشلولة أصلاً وهي الأن عاجزة عن تصريف الأعمال.

أصدر المكتب التنفيذي لمنظمة العمل الشيوعي في لبنان، في ضوء الدفع بالبلاد نحو المجهول، وفي أعقاب اعتذار الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة استناداً للمبادرة الفرنسية، بياناً هذا نصه:

إن العامل المقرر في إفشال المبادرة  الفرنسية الإنقاذية، واعتذار الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، يكمن في استقواء أطراف السلطة وقوى المحاصصة الطائفية بالمحاور الدولية والأقليمية الممسكة بملفات الأزمة اللبنانية، والتي تستثمر في استمرارها على حساب الوطن وأهله. فالولايات المتحدة الأميركية أعلنت اختلافها مع المبادرة وجددت شروطها لتأليف الحكومة وضاعفت عقوباتها على حزب الله لتطال حلفاءه، بينما أكدت إيران وقوفها خلف القوى الطائفية التابعة لها. وهي القوى التي أصرت، في مقابل مطالبة رؤساء الحكومات السابقين بحصر تسمية الوزراء بالرئيس المكلف، على اقتطاع وزارة المالية وحصر تعيين الوزراء الشيعة بها. وهو ما شكل دافعاً أمام القوى الطائفية الأخرى، خاصة رئيس الجمهورية وتياره، إلى تأكيد دوريههما في تسمية ممثليهم في الحكومة، ما أعاد التذكير بتجارب الحكومات السابقة، والإبقاء على رئيس الحكومة منسقاً بين الكتل الطائفية، والعودة إلى صيغة الحكومات التي تعطلها الفيتوات المتبادلة حول الحصص والمكاسب الفئوية.

لقد تكشف اعتذار الرئيس المكلف عن متابعة مساعيه لتشكيل حكومة مستقلين متخصصين خارج إطار الترسيمات الطائفية، عن احتدام الأزمة بين قوى السلطة وتجديد ارتهانها للصراع الاميركي ـ الايراني في المنطقة، كما  في لبنان وعليه. ما قاد إلى إفشال المبادرة الفرنسية التي عوَّل عليها الكثيرون لوقف الإنهيار، والشروع في الإنقاذ من خلال تنفيذ الإصلاحات والتفاوض مع صندوق النقد والأطراف الدولية والعربية القادرة على تأمين القروض التي تدفع عن اللبنانيين خطر المجاعة، وتفتح السبل لإعمار ما تهدم في كارثة المرفأ، وإعادة تحريك عجلة الإدارة وتنفيذ المشاريع المجمدة في  قطاعات الكهرباء والطاقة والبيئة، وتمكين القطاع الخاص من استعادة دورته الإنتاجية.

لقد أكدت قوى السلطة مرة أخرى إستهانتها بلبنان واللبنانيين واستخفافها بما يتهددهم من مخاطر كارثية،  بدءاً من تعريض الكيان لخطر الزوال في ظل انهيار كل مقومات الحياة فيه على الصعد المالية والنقدية والاقتصادية والمعيشية. إلى تبديد ما تبقى من الوحدة الوطنية على وقع خطابات التحريض الطائفي ورعاية حالة الفوضى السياسية والأمنية المتنقلة وتشريع الأبواب امام عودة الحرب الأهلية.

انطلاقاً من هذا الوضع المأساوي والسلوك الكارثي لأطراف السلطة بدءاً من رئيس الجمهورية الذي حصر اهتماماته بضمان توريث الرئاسة لصهره والإستئثار بالتمثيل الماروني والمسيحي، مروراً برؤساء الحكومات السابقين الذين يبحثون عن صلاحيات من خلال الاستقواء بالمبادرة الفرنسية والإعتراض الأميركي، وهي الصلاحيات التي سبق وأهدوروها على مذبح السلطة منذ الطائف. بينما “الثنائي الشيعي” يستهدف استمرار تحكمه وهيمنته على البلاد بقوة السلاح وتكريس دوره الإقليمي، بانتظار جلاء الإنتخابات الأميركية ونتائجها للبت بمصير الموقع اللبناني المرتهن للسياسات الإيرانية، وصولاً إلى سائر أطراف السلطة التي تنطلق وتعود إلى المعادلة الكيانية الطائفية إياها، والتي تجعل التسوية المحلية بينها أمراً مستحيلاً وعائقاً دائماً أمام الإستقرار الداخلي وعلاقات لبنان العربية والدولية.

لا شك أن لفرنسا مصالح تاريخية في لبنان، لكن الصحيح أيضاً أنه خلال جميع الأزمات العاصفة التي مرت على لبنان ومنذ الحرب الأهلية لم تنتج هذه الطبقة الميليشياوية والمافياوية يوماً تسوية داخلية، جرّاء تفاعلها الدائم مع القوى الخارجية رهناً وبيعاً للسيادة والاستقلال، في سبيل الحفاظ على مواقعها الفئوية ومصالحها الطائفية. وقد تجلى ذلك في تعامل تلك القوى مع  المبادرة الفرنسية ووجهتها الإنقاذية والإصلاحية في آن، وانتهت إلى التفريط بها ووأدها على مذبح  المكاسب المرتجاة ورافضة تقديم التنازلات في سبيل المصلحة الوطنية، وترك البلاد تتخبط وسط بحر من الأزمات، مع حكومة ولدت مشلولة أصلاً وهي الأن عاجزة عن تصريف الأعمال.

إن منظمة العمل الشيوعي في لبنان التي تستشعر الخطر المحدق بالكيان بما فيه خطر التفكك و”جهنم” الحياة اليومية الزاحفة، والخوف من المجاعة مع توالي الإنذارات برفع الدعم عن السلع الأساسية، لا ترى أمام اللبنانيين وقواهم الحية من سبيل سوى إعلاء راية الإنقاذ والدفاع عن بقاء البلد. بديلاً عن تمادي الإنهيار الاقتصادي والمالي وتصعيد الإنقسام الأهلي والإضطراب والفلتان الأمني المتنقل بين المناطق، وتزايد عمليات الهروب في قوارب الموت، واستحالة الخروج من الكارثة المحدقة بالبلاد كياناً وطنياً ومجتمعاً أهلياً.

إن منظمة العمل الشيوعي تلح على قوى الإنتفاضة غير المرتهنة لقوى السلطة وأجهزتها والخارج على السواء، إعادة دراسة الموقف واستخلاص دروس العام المنصرم من عمرها، والعمل في سبيل بناء حركة معارضة قادرة على ممارسة الضغوط من أجل فرض أي تسوية ممكنة أو متاحة لتشكيل حكومة إنقاذ بصلاحيات إستثنائية. وذلك استناداً إلى قناعتها الراسخة أن الإنتفاضة، ورغم ما رافق مسيرتها من شوائب وثغرات وأخطاء كثيرة وما أصابها من اختراقات وحل بها من انتكاسات، تبقى التعبير الأوضح سلمياً وديمقراطياً عن مصالح الشعب اللبناني، والسبيل المتاح للجم اندفاع البلاد إلى قاع الهاوية، مع التأكيد أن المنظمة ستبقى محكومة بالأمل في مواجهة المشككين واليائسين، والعمل على مضاعفة النشاط والسعي الدائم لتحشيد القوى في سبيل إنقاذ البلد وبقائه على طريق التغيير والتقدم.

 

بيروت 28 أيلول 2020                              المكتب التنفيذي

لمنظمة العمل الشيوعي في لبنان