مجتمع

مصير العام الدراسي المجهول وسط الخطط العشوائيّة

ما هي المواد التي سيمتحن بها الطلاب والمواد التي يمكن حذفها ؟ وهل ستكون الثانويات الرسمية والجامعة اللبنانية جاهزة لاستقبال الناجحين في الشهادات الرسمية العام المقبل في ظلّ غياب مساعٍ جدية لإنهاء العام الدراسي الحالي، وماذا عن مخرجات هذه الشهادات أصلاً؟

  تكاد تكون السمة المشتركة بين فرقاء العملية التعلمية ـ التعليمية هي الارتباك، بل الفوضى الكاملة. فلا الإدارات الجامعية والمدرسية تستطيع التكيف مع أحكام الوضع المستجد، ولا الهيئة التعليمية وصلت إلى نصف المناهج المقررة، وجاهزة للتقييم والامتحانات. وبالطبع فالطلاب والتلامذة غير قادرين في معظمهم على مجاراة الدعوة للتدريس عن بعد أو عبر “الاونلاين” الذي أقرّته وزارة التربيّة. وهو توجه أقل ما يقال عنه، أنه ليس إلّا محاولةً لترقيع التقصير في وضع خطط تدريس بديلة لمثل هذه الأزمات. ما يعني أنّ الأزمات الماضية التي مرّ بها لبنان، لم تكن كافيةً لتنير رؤوس المعنيين في ملف التعليم، أو العبرةً لدى المركز التربوي للبحوث والإنماء. وعليه، يبدو أنّ الطالب، خاصّةً في المدارس الرسميّة والجامعة الوطنيّة، سيكون ضحيّة اهمال وزارة التربية والتعليم العالي ورئاسة الجامعة اللبنانية وقراراتهما، من خلال اصرارهما على إجراء الامتحانات في مواعيدها العادية. ومن المعروف أن تقنية التعليم عن بعد تتطلب تدريباً مكثفاً للهيئة التعليمية وممارسة يتعود عليها التلميذ منذ الصغر.

  فمع اعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة لمكافحة تفشي فيروس الكورونا، أطلّت وزارة التربية بقرار التعليم عن بعد، وهي خطّة حديثة تفوق في حداثتها المنهاج التعليميّ والدورات التدريبيّة التي خضع لها معلمونا والأساتذة. ومن البداية علينا أن نتساءل حول مدى قدرة الأساتذة أولاً على استيعابها، وتأقلمهم مع متطلباتها بعد أن جرى فرضها خلال يومين؟ فهل هم قادرون على تحضير الحصص التعليميّة بشكل كامل ونقلها الى الطلاب عبر المنصات الالكترونية؟ وما هي المنصات المعتمدة وهل تلبّي الحاجة التعليميّة؟ هذه أسئلة بسيطة كان على المعنيين طرحها قبل اعلان الخطة، التي تحتاج إلى العديد من السنوات للتحضير لها وإخضاعها للتجارب، ما يتطلب أن يرافقه تطوير المنهاج التعليمي ومحتواه، ليصبح جاهزاً لتجربة تطبيقيّة عمليّة، فإذا ما كانت مناسبة تم ّ اعتمادها في المدارس.

  كان في بال المعنيين لدى إقرارها تعويض ايّام التعطيل القسري بسبب الانتفاضة التي شهدها لبنان في 17 تشرين الأول وما سبقها، وبعدها جاءت ازمة الكورونا وما واكبها من أيام وأسابيع التعطيل القسري الذي لا نعلم متى ينتهي. وعليه، فان مثل هذه الخطّة لن تحقّق الأهداف المرجوة،  فريثما يعتاد الأساتذة قبل الطلاب عليها، يكون العام الدراسي قد انتهى، ثم إن ألوف الأساتذة يحتاجون إلى دورات تمتد لسنوات من التدريب ليكونوا أكفاء داخل صفوف طلابهم الافتراضية.

  تقوم خطة “التعليم عن بُعد” على تقديم المناهج الدراسية والمواد التعليمية من خلال تلفزيون لبنان الرسمي، وكذلك الوسائط والمنصات الإلكترونية المتعددة التي تستخدم شبكة الإنترنت، بهدف الاستمرار في العملية التعليمية. لكنّ مطلقي الخطة وأصحاب الفكرة يبدو أنهم يعيشون على كوكب آخر، غير مدركين أنّ مثل هكذا الخطّة تبقى بلا فعالية نتيجة بطء سرعة الانترنت، وعدم توفّره بشكل مجاني في البيوت اللبنانية، نضيف إليه أزمة الكهرباء وعدم توفّر الهواتف والكومبيوترات الشخصية لكل الطلّاب. اذاً البنى التحتيّة في لبنان غير مهيأة لمثل هذا النوع من التجارب التي لا تتلاءم مع معاناتنا وتردي الخدمات في بلادنا. عدا عن أنّ مثل هذه الخطّة ليست سوى خبط عشواء، لم يفهم مطلقوها أساس نظريّتها، كونها تتطلب أيضاً عملية مراقبة ومتابعة وتقويم واضحة لاحتساب العلامات خلال إقامة الامتحانات الرسميّة التي تتمسك بها الوزارة. ما يدفع للقول أن الطالب غير المعد سيكون ضحية هذا الوضع الفوضوي. الأسوأ أن الوزارة  لا تضع في حسابها خطّة بديلة واضحة لتعويض ما خسره الطلاب خلال عامهم الدراسي، أو كيفيّة إنهاء هذا العام بأقل خسائر ممكنة، علماً أن أهم المؤسسات التعليمية في العالم قامت بإلغاء امتحاناتها في ظلّ الازمة العالمية واستبدلتها بخطط بديلة لتعويض ما فات. ثم إنه في حال إجراء الامتحانات الرسمية في مواعيدها، ما هي المواد التي سيمتحن بها الطلاب والمواد التي يمكن حذفها ؟ وهل ستكون الثانويات الرسمية والجامعة اللبنانية جاهزة لاستقبال الناجحين في الشهادات الرسمية العام المقبل في ظلّ غياب مساعٍ جدية لإنهاء العام الدراسي الحالي، وماذا عن مخرجات هذه الشهادات أصلاً؟

   بعض الجامعات والمدارس الخاصّة نجحت في محاولة تعويض طلابها ومتابعتهم عبر المنصات الالكترونية، لكن الكثير لم ينجح لأسباب كثيرة، والمشكلة الأكبر تكمن في مؤسسات التعليم الرسمي ومدارس الفقراء ، أي مدارس وجامعات خارج فئة الخمس نجوم، التي تعاني من عجز كبير في مواردها البشرية والمادية. فالمتضررون بشكل أساسي هم طلاب المدارس الرسمية والجامعة اللبنانية ومن شابههم نتيجة الإهمال والخطط المرتجلة، ما يعني غياب الحد الأدنى من تكافوء  الفرص.

   إن الخطة العشوائية التي وضعتها الوزارة تحت إدعاء الحرص على مستوى التعليم والامتحانات في الشهادة الرسمية، من شأنها أن تفاقم أزمات الأهل والطلاب  والأساتذة الاقتصادية والنفسيّة، في ظلّ القلق الناجم عن تفشي الوباء وتعطيله المدارس والجامعات، والضياع الذين يعيشون فيه ويحول دون تركيزهم، والتشتّت الذي فرضته جملة الأوضاع التي تمر بها البلاد، الى جانب خطّة الوزارة الفاشلة التي ألقت أحمالها دون استعداد على كواهلهم، وأرغمتهم على تحمل مصير مستقبل تتقاذفه أكثر من عاصفة. هذا ولم نتحدّث بعد عن الطلاب الجامعيين والمعاهد المهنيّة الذين يحتاجون لمختبرات من أجل إنجاز واجباتهم ومشاريعهم التطبيقية! كذلك لم نتحدّث بعد عن رداءة الموقع الالكتروني الخاص بالجامعة اللبنانية، فكيف سيكون التعليم عن بعد؟

  النظام التعليمي في لبنان لم يشهد حتى اللحظة أي تعديل أو تطوير يتوافق مع العالم الرقمي الحديث، وبالتالي هو غير قادر على مواكبة التكنولوجيا. والأجدر اليوم بوزير التربية طارق المجذوب التجاوب بشكل جدي ومسؤول مع مطالب الطلاب في تأمين المستلزمات الأساسية لتمكينهم من متابعة دروسهم أونلاين، وأبرزها تأمين خدمة انترنت مجانية تكفيهم لمتابعة دروسهم ومحاضراتهم، وفتح البحث على إمكانية تمديد العام الدراسي بعد التأكد من هدوء عاصفة كورونا وتداعياتها العاتية.

[author title=”جويل عبد العال” image=”://”]اعلامية لبنانية[/author]