سياسة

حكومة اللاحكم بين الانهيار ووباء الكورونا

أما ملفات الاصلاح المالي والإداري والتعيينات والتشكيلات القضائية، فتبقى معلقة لأنها خاضعة للمحاصصة والمساومات وتوزيع المغانم المتصلة بالاستحقاقات القادمة، وابرزها خلافة العهد القوي.

 تقاطعت الأزمات لتعصف دفعة واحدة بعرين السلطة، وقواها الحاكمة والمتحكمة بالبلد، ولتؤكد انعدام أهليتها  لحكم اللبنانيين، من خلال سياسة الهروب إلى الأمام، وسيلة لتبرير مشاريع الهيمنة الفئوية، والسعي الدائم للاستئثار بالسلطة والنفوذ. أما التهرب من المسؤولية عن الأزمات كما عن معالجتها وإحالتها على الآخر، فهو الصيغة المعتمدة للعلاقة بين الخصوم والشركاء، بمن فيهم الذين جرى إقصاؤهم عن الحكومة. وتبقى الممارسات الكيدية الرخيصة سبيلاً سهلاً للتشفي من الآخر.

    وعليه فإن انفجار الأزمات معاً وضع تلك القوى أمام مأزق فعلي يصعب الفكاك من أحكامه، والسبب لا يقتصر على مسؤوليتها عن أسبابها أو استسهال تخطيها، بل  يكمن أيضاً في استمرار الاستهانة بعقول اللبنانيين، والاستخفاف بما هم فيه من مشكلات وحقوق مستلبة، وردود أفعالهم بشأنها. كما يكمن أيضاً في الإصرار على  التلاعب بهم والعبث بمصيرهم من خلال إثارة الغرائز، وتصعيد الانقسامات الطائفية لتسويق سياساتها وشعاراتها وتبرير ادائها وتغطية ممارساتها. وما يؤكد انعدام أهليتها الوطنية أيضاً، هذا التخبط والارتباك في مواجهة أزمتي الانهيار الاقتصادي والمالي، وانتشار الوباء الفيروسي.  

فالأسباب التي  دفعت البلد إلى الانهيار الاقتصادي والمالي، مرشحة للتصعيد، جراء الكلفة الباهظة لتأمين المواد والسلع الضرورية، وخطر تبديد ودائع اللبنانيين ومدخراتهم ومصادرعيشهم،  والدفع بهم عُراة في مواجهة شبح البطالة والفقر والجوع باسم القرارات الموجعة وسط حصار خانق.  والأخطر هو قرارات قوى الحكم وحكومة المستشارين، بالتخلف عن الدفع  والاستخفاف بما يحمله من اخطار،  دون أي برنامج تفاوضي واضح مع الجهات المدينة سواء في الداخل أو الخارج، وغياب أي خطط بديلة للانقاذ، أو سياسات تستهدف وقف الانهيار أو الحد من مضاعفاته، ووسط تكرار الإتهامات للآخرين بالتخريب على الحكومة لدى الخارج.

     أما المدهش فهو اعلانات الانتصار التي ترطن بها ألسنة العهد القوي وقوى الممانعة التي أمعنت طويلاً في  تشويه وعي اللبنانيين، سواء عبر تحميل مسؤولية الانهيار وارتفاع المديونية لشركائهم السابقين في الحكم، أو حصر أسباب الأزمة بحاكمية مصرف لبنان والقطاع المصرفي، وذلك للتغطية على السياسات والممارسات المفضوحة التي يتشاركها جميع أهل السلطة. والأكثر غرابة طروحات تلك القوى التي ترى في الانهيار فرصة للتغيير السياسي والاقتصادي كما هو الحال في دول الممانعة. و تحت عنوان كسر نموذج الإستدانة وتصحيح وضع المصارف، يقبل أمين عام حزب الله، حصرالتعامل مع صندوق النقد الدولي بالاستشارة، وعدم الارتهان الاقتصادي والمالي للغرب واميركا ومقاطعة بضائعها، باعتبار أن الخروج من الأزمة يتطلب بناء اقتصاد مقاوم، من خلال الانفتاح على دول الشرق، والتكامل الاقتصادي مع دول الجوار التي تشكل محور المقاومة.

  ورغم مضي فترة الانتظار لمعرفة رد المدينين من أصحاب السندات حول قرار عدم الدفع، فإن الحكومة لا تزال أسيرة التخبط، لأنها لا تملك القدرة على اتخاذ القرارات من دون إذن رُعاتها من ناحية، وجراء إصرار أصحاب القرارعلى تحميلها مسؤولية العجز عن وضع خطة اصلاح مالي قابلة للتنفيذ، إن لجهة العلاقة مع المدينين وإعادة هيكلة الدين العام، أو بالنسبة لمعالجة الانهيار المتمادي لقطاعات الاقتصاد والخدمات العامة، أو بشأن تأمين وارادات للخزينة  المنهوبة، وكيفية التصرف حيال ودائع اللبنانيين المهددة بالضياع. أما ملفات الاصلاح المالي والإداري والتعيينات والتشكيلات القضائية، فتبقى معلقة لأنها خاضعة للمحاصصة والمساومات وتوزيع المغانم المتصلة بالاستحقاقات القادمة، وابرزها خلافة العهد القوي.

      أما مكافحة الفساد بكل منوعاته وأبوابه بما فيها ملف الكهرباء، فإن التعامل معها يجري وكأنها تعني بلداً آخر. وبما أن غالبية الوزراء هم مستشارون وخبراء تابعون، فإن أفضل صيغة للتضليل والتعمية هي دفن القضايا وملفاتها من خلال تشكيل اللجان المكلفة بقتلها درساً. ولأن المفاوضات لن تذهب بالديون، التي سيكون على الحكومة مبادلتها بديون أخرى، يحضر بقوة خطر بيع مؤسسات الدولة والمرافق والقطاعات العامة، إما لتأمين موارد للخزينة الفارغة، أو لضمان تسديد الديون، وسط مصير مجهول لودائع أكثرية اللبنانيين.

   وفي المقابل، لسنا بصدد تحميل قوى السلطة والحكم المسؤولية عن الوباء الجرثومي، لكن ذلك لا يعفيها من استسهال وضع البلد وأهله والمقيمين فيه أمام  خطر انتشاره وتحوله كارثة وطنية  يصعب التكهن بنتائجها. هذا ما عكسته حالة الارتباك والتردد في مختلف دوائر الحكم ومؤسسات الدولة. والتي أكدتها الخفة والاستخفاف اللذين مورسا مع بداية انتشار الوباء، والسجال الذي ساد بين تلك القوى حول طبيعة الإجراءات المطلوبة لتحصين البلد وحماية أهله، وضرورة توفير مستلزمات الوقاية والعلاج. خصوصاً مع الفضيحة المجلجلة المتعلقة بواقع القطاع الصحي في البلد، والحال المزرية للمستشفيات الحكومية وعدم أهليتها للتعامل مع الأزمة نظراً لما اصابها من اهمال وحلّ بها من اهتراء.

      لكن المأساة كانت ولا تزال في تغطية  الفساد السياسي والتهرب من المسؤولية، من خلال استغلال جمهور تلك القوى عبر تسعير الاختلاف حول طبيعة الوباء ومخاطره وهوية الدولة المصدرة له، وطائفية الجهة التي اتت به، ورفض الإجراءات الضرورية، أو المطلوبة  لمحاصرته، إلا وفق معادلات المحاصصة الطائفية، باعتبارها تستهدف هذا الطرف الطائفي أو ذاك، أو الدولة التي يدين لها بالولاء، بما فيها إقفال المطار والمعابر رسمية كانت او غير شرعية، وصولاً إلى عزل المناطق التي طالها الانتشار والتستر على المعلومات بشأنه.

    أما حالة التعبئة العامة المتأخرة التي جرى التوافق عليها بعد مساومات، فقد كانت البديل عن إعلان حالة الطوارىء العامة التي رأى فيها العهد مدخلاً للحد من صلاحياته ودوره، كما نظر إليها حزب الله على انها محاولة مشبوهة لتقييد حركته وسياساته. 

   وإذا كانت الاطلالات المعلبة لأهل الكهف لا تعالج أزمات، فإن اعلانات النوايا والخطب الانشائية لا تستعيد ثقة مفقودة لدى اللبنانيين والخارج على السواء، ولأن مبادرات التضامن الأهلي محدودة الفعالية على أهميتها، فإن اللبنانيين المقيمين والمغتربين الذين يواجهون اصعب الظروف واشد المخاطر على سلامتهم ولقمة عيشهم، معنيون باستمرار المواجهة  دفاعاً عن أبسط حقوقهم في الحياة، والضغط كي تقوم الدولة ومؤسساتها بمسؤولياتها الوطنية وعدم تركهم فريسة ممارسات المؤسسات المليشياوية الطائفية التي تصادر دورها ومقدراتها، تحت راية التنسيق معها بذريعة مواجهة مضاعفات الوباء او عبر اذلال المواطنين واستغلال حاجتهم  المعيشية والاجتماعية.

[author title=”زكي طه” image=”http://”]كاتب لبناني[/author]