اقتصاد

الكورونا تكمل “النقل بزعرور” الانهيار الاقتصادي

والتي انعكست على سائر قطاعاته وأداء اقتصاده أساساً.  من هنا يمكن التقاط الأسباب التي دعت الأمين العام لحزب الله إلى اعلان موافقته على الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض ربطاً بالنقاش في الشروط المطلوبة والتي يفرضها على الدول التي تحتاج إلى عونه

وكأنّ البلد لم يكن ينقصها سوى أن يحط وباء الكورونا في رحابها، وإلى أمد لا يستطيع أحد أن يتكهن بالمدة اللازمة لرحيله عنها، وعودة الحياة بالتالي إلى مجاريها، و”هكذا اكتمل النقل بالزعرور “، وباتت الأوضاع متداخلة إلى حد مدهش، فمن أزمة الانهيار والشلل والركود الاقتصادي، إلى أوضاع المالية العامة التي تنذر بالأسوأ، إلى ندرة السيولة في المصارف وسعر صرف الدولار الذي تجاوز هذه الأيام الـ 2800 لدى الصيارفة، إلى الاعلان عن وقف سداد الديون للمصارف الاجنبية والداخلية، مقروناً باحتمال وصول تصنيف لبنان بلداً متعثراً عن الدفع، إلى اقفال المصارف حتى ما بعد نهاية الشهر الماضي. كلها وقائع تنذر بالآتي من الأيام. فاذا كانت دول متينة الاقتصاد ولا تعاني من مشكلات بنيوية كالتي يعانيها لبنان، تتعرض  بفعل مضاعفات انتشار وباء الكورونا في أهم قطاعاتها وأسواق بورصاتها للاهتزاز فكيف الحال بلبنان الذي يستعد للدخول في مفاوضات مع الجهات الدولية والمحلية الدائنة وهو في موقع الإصابة بأكثر مما يُحدثه فيروس كورونا. ومن المعروف أن الثقة بالاقتصاد اللبناني وقطاعاته باتت مفقودة لدى القاصي والداني، ما يعني أن المفاوضات ستكون عسيرة، وحبل التشاطر اللبناني متعذر، إن لم نقل أنه مستحيل في ظل الأوضاع السياسية الدولية حيث الولايات المتحدة الاميركية تمسك بزمام الأمور لجهة تقديم القروض والمساعدات التي تعيد وصل ما انقطع، بما فيه تلك التي يقدمها صندوق النقد الدولي. والأمر نفسه ينطبق على الدول الاوربية والعربية المانحة المستغرقة هذه الأيام بتفحص محافظها الصحية والمالية، وما يرتبه الوباء والتراجع الحاد في أسعار النفط من خسائر وكوراث على موازناتها واقتصاداتها.

وسط هذه الأجواء حاولت المصارف تكرار الإقفال لمدة اسبوعين مستفيدة من اعلان حال “التعبئة العامة” التي أقرها مجلس الوزراء، بهدف أن تتمكن من  أن تلتقط أنفاسها ودولاراتها، وبحجة أقوى مما سبق حول أمن الموظفين، إذ الحجة هذه المرة تتعلق بسلامة وحياة موظفيها الصحية، خصوصا بعد أن باتت صالاتها عبارة عن مكان “حشر” للمودعين المطالبين أن تتصدق عليهم بحفنة من الدولارات لتلبية حاجاتهم اليومية وتسيير شؤونهم. بالطبع لمثل هذا الاقفال خطورته المضاعفة على الوضع العام والاقتصادي والمالي خصوصاً، ما دفع بوزير المال إلى الاعتراض على الخطوة، ملوحاً بدعوة النيابة العامة للتدخل لفرض عدم الإقفال، ما دفع الطرفين إلى الجلوس على طاولة المفاوضات التي انتهت إلى موافقة المصارف على “فتح بعض الفروع التابعة لها ابتداءً من يوم الأربعاء 18/3/2020، وتنظيم دوام العمل والقيام بالإجراءات المطلوبة لتسيير الخدمات المصرفية، من أجل تلبية حاجات الناس في هذه الظروف الصعبة والدقيقة”. وأيضاً تأمين السيولة عبر ماكينات الصراف الآلي الـ “ATM، أي ضمان سحب الأموال بالليرة اللبنانية. والجديد في هذا التوجه أنه يفتح على  التلاعب بقيمة أموال المودعين بالعملات الاجنبية، وهو ما كشفت عنه وكالة بلومبيرغ التي تحدثت عن توجه لموافقة الدولة على قيام المودعين بسحب أموالهم المودعة بالدولار وفق سعر 2000 ليرة للدولار الواحد، علماً أن سعر الصرف لدى الصرافين تجاوز الـ 2800، وهو السعر  الذي تُحدد وفقه اسعار المواد الغذائية ومختلف السلع، هذا اذا لم نتحدث عن استباق سعر الثلاثة ألاف ليرة للدولار، أو اشتراط الدفع بالدولار أصلاً، ما يوقع المواطنين بحبائل الصرافين، الذين عمدوا إلى تجميع الدولارات عبر الشراء، ورفض بيعه للمواطنين طمعاً بارتفاع سعره عما هو في السوق حالياً .

على أن هذا الذي شهده المواطنون هو الجزء الطافي على السطح من المشكلة، إذ تظل وقائع الانهيار أكبر من ذلك، فهناك مسألة التفاوض مع الدائنين، ولاسيما الأجانب منهم الذين باتوا يملكون الجزء الأكبر من سندات اليوروبوند بعد أن باعتها لهم المصارف اللبنانية وبأسعار بخسة للحصول على سيولة بالدولار الاميركي. وبديهي القول أن هذه مسألة تفاوضية عسيرة في ظل التعثر الذي يعانيه الاقتصاد اللبناني، والذي زادته سوءاً حال الشلل وتعثر جباية  واردات الدولة من الضرائب والرسوم، وتوقف بقايا القطاعات الاقتصادية في البلاد عن العمل مع الاجراءات الصحية المعلنة. وعليه، فان لبنان سينتقل من موقف ضعيف إلى موقف أضعف خلال المفاوضات، وليس أمامه سوى تقديم التنازلات أو الاغراءات لهذه البيوت المالية للموافقة على تمديد أجل استحقاقات ديونه. بالطبع ستطلب هذه ضمانات أشد قسوة مما كانت ستطلبه سابقاً، خصوصاً وأن لبنان انتظر حتى استحقاق مهلة التسديد لإعلان تخلفه عن الدفع. ولا شك أن تلك الضمانات ليست اقتصادية ومالية عامة فقط، بل هي سياسية بالطبع في ضوء الإلحاح المزمن على اعتماد اصلاحات جدية في هياكل الاقتصاد وأداء القطاع العام  والخروج من دائرة التبعية لمحور الممانعة الأمر الذي قاد إلى عزلته المعروفة، والتي انعكست على سائر قطاعاته وأداء اقتصاده أساساً.  من هنا يمكن التقاط الأسباب التي دعت الأمين العام لحزب الله إلى اعلان موافقته على الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض ربطاً بالنقاش في الشروط المطلوبة والتي يفرضها على الدول التي تحتاج إلى عونه.

 رغم هذه الورطة بجوانبها المتعددة يمكن القول إن القضايا التي يطرحها الوضع المالي والاقتصادي المتردي تظل أوسع تشعباً من كل ما سبق ذكره، إذ إن من بين ما تطرحه مسألة إعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي يترنح تحت وطأة عجزه عن تأمين حقوق المودعين لديه بالنظر إلى أن معظم موجوداته موظفة في سندات الخزينة وسط عجز الدولة عن الدفع. الا أن إعادة هيكلة القطاع المصرفي ترتبط على نحو صريح بالجهة التي ستتحمل أعباء الكلفة، فهل سيتحملها دافعو الضرائب أو صغار المودعين أم أصحاب المصارف وكبار المودعين. وهذا السؤال المحوري يضعنا أمام مجمل سياسات هذه الطبقة السياسية – المالية التي تدير البلاد وطابع الشراكة العميقة بين مكوناتها إلى الحد التي باتت معه هناك صعوبة في الفصل بين هذه وتلك بدليل الأداء الذي قاد إلى الكارثة الراهنة.

[author title=”عماد زهير” image=”http://”]كاتب لبناني[/author]