سياسة

صفقة القرن ومحاولة محو قضية فلسطين وأهلها

فمقابل الفُتات تُنسف قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة ذات الصلة ومنها القرار 2334 عام 2016 والقرار 194 عام 1948 الذي يمنح سكان فلسطين المهجرين قسراً حقّ العودة إلى أراضيهم مع تعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم. كما تتناقض الصفقة مع تشديد المجتمع الدولي دوماً على اعتماد حلّ الدولتين.

شرعت المؤسسة السياسية الاسرائيلية الحاكمة في تطبيق مندرجات ” صفقة القرن”. بالطبع لا يعود ذلك إلى رغبة رئيس الوزراء الليكودي بنيامنين نتنياهو في الإستثمار الانتخابي في ما تضمنته، بل باعتبارها وضعت المدماك الأساس في بناء دولة اسرائيل الكبرى، وهو ما يتجلى ليس في التصريحات التي تؤكد على يهودية الاراضي الفلسطينية المحتلة، بل من خلال خطط الاستيطان المتلاحقة. وتستند اسرائيل إلى المعادلات التي أرساها الاستفراد الاميركي بإدارة ملف الصراع في المنطقة، وانسحاب أقطاب المجتمع الدولي والدول العربية والاسلامية والقوى الفلسطينية عن خوض مواجهة تُرغم العرّاب الاميركي على التخلي عما ورد فيها. بدليل ما ذكره نتنياهو نفسه عندما قال “إن خطة السلام الاميركية في الشرق الأوسط ستطبق سواء قبلها الفلسطينيون أم لا”. أكثر من ذلك طرح على الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة، وبالقدس عاصمة موحدة لها، ونزع سلاح الفصائل الفلسطينية، والتخلي عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين. ورأى أن ضم المستوطنات وأجزاء من الضفة الغربية لا يستدعي موافقة الفلسطينيين، فـ “الاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة هو إحدى حجارة بناء الصهيونية في إسرائيل”. إذن يمكن وصف الصفقة بالمحاولة الأشد خطورة مما سبق لمحو فلسطين كقضية وشعب.

وبالعودة إلى الخطة التي عرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يتبين أن ما تعرضه تحت مسمّى الدولة الفلسطينية هو عبارة عن جزر ومعازل مسيطر عليها براً وبحراً وجواً من جانب الجيش الاسرائيلي الذي يتلقى أجره منها مقابل احتلاله لها، على أن تكون هذه الجزر منزوعة السلاح، تتولى المسؤولية عنها أجهزة شرطة ملحقة عملياً بالجيش الاسرائيلي، ووظيفتها مواجهة “الإرهاب”. 

لا بد من القول إن هناك مسألة مفتاحية عبر عنها ترامب بوضوح، وكذلك صهره ومبعوثه ورئيس فريقه  جاريد كوشنير مفادها “إن الاقتراحات في الخطة الجديدة تهدف إلى تلبية اهتمامين ملحّين هما: أولاً، حاجات الأمن للإسرائيليين، وثانياً، حاجات التنمية الاقتصادية للفلسطينيين”. إذن الأمن الاسرائيلي مقابل حاجات معيشية للفلسطينيين. أي أن القضية تتحول من قضية سياسية إلى مسألة اقتصادية معيشية تعالج ببعض القروض الميسرة والمشاريع التي تدر على الفلسطينيين دخلاً يُحسّن ظروفهم الحياتية، وعليه،  فمقابل الفُتات تُنسف قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة ذات الصلة ومنها القرار 2334 عام 2016 والقرار 194 عام 1948 الذي يمنح سكان فلسطين المهجرين قسراً حقّ العودة إلى أراضيهم مع تعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم. كما تتناقض الصفقة مع تشديد المجتمع الدولي دوماً على اعتماد حلّ الدولتين.

أبرز ما تتضمنه الخطة  هو يهودية الدولة، وبقاء القدس عاصمة موحدة لإسرائيل  بالمقابل سيتم استثمار 30 مليار دولار في الدولة الفلسطينية المزعومة، توفر مليون فرصة عمل خلال 10 سنوات.

بعض ما لم يفصح عنه ترامب أفصح عنه نتنياهو قائلاً “إن صفقة القرن تدعو لحل مشكلة اللاجئين خارج حدود إسرائيل، وأن تبقى القدس تحت أيدينا، والحفاظ على سيطرة إسرائيل أمنياً على المنطقة الواقعة غرب الأردن، وبذلك يتم إيجاد حدود دائمة معترف بها لإسرائيل”.

 تتكون خطة ترامب/ صفقة القرن بنسختها الانكليزية من 181 صفحة، وتتضمن جزئين: الأول بعنوان “إطار العمل السياسي”، والجزء الثاني بعنوان “إطار العمل الاقتصادي”.. انطلاقاً من  ذلك يمكن إجمالي ما تتضمنه الخطة النقاط التالية:

  • تتبنى السردية النظرية الاسرائيلية، فاسرائيل دولة دوماً مهددة بالخطر من الداخل عبر الفلسطينيين، ومن الخارج من الدول العربية والاسلامية.
  • تتبنى الخطة القراءة التوراتية لتاريخ الوجود اليهودي على أرض فلسطين، وتبرر ضم القدس وتعتبره  تحصيل حاصل، كون هذا الوجود متواصل منذ 3000 سنة.
  • تعتبر أن أسباب الصراع بين دولة اسرائيل والفلسطينيين هو “الخلط بين نزاعين منفصلين: الأول منهما هو النزاع الاقليمي والأمني، ونزاع اللاجئين بين اسرائيل والفلسطينيين والثاني ديني بين اسرائيل والعالم الاسلامي.
  • تؤكد ” أنها توفر للفلسطينيين طريقاً لحياة كريمة، مقابل حماية أمن اسرائيل”، بمعنى تصبح مهمة الفلسطينيين تأمين عيشهم مقابل وظيفة حماية أمن اسرائيل
  • رغم الإشارات المتعددة للدولة الفلسطينية، إلا أن الفعلي هو أن الخطة تعتبرهم مجرد سكان لا حقوق سياسية لهم.
  • تقدم الخطة مغريات للفلسطينيين من خلال وعود باستثمارات ومساعدات توفر مليون فرصة عمل جديدة، وتقلل معدل البطالة إلى 10% وتخفض نسبة الفقر إلى 50% “.
  • مقابل قضية اللاجئين الفلسطينيين، تطرح الصفقة اللاجئين اليهود من الدول العربية لاسرائيل الذين خسروا أصولهم، التي عملت على إسكانهم وإدماجهم خلاف ما فعلته الدول العربية التي حالت دون نفاذهم إلى حقوقهم. وتطرح خططاً لإستيعاب بعضهم في “دولة فلسطين المقترحة “ضمن قيود قاسية، وإسكانهم في الدول الاسلامية بواقع  خمسة الآف على مدى عشر سنوات في كل دولة من دول منظمة التعاون الاسلامي، وفي الدول المضيفة. ويتم إلغاء وكالة الاونروا وتنقل مسؤولياتها إلى الحكومات المعنية.   
  • تتناول النصوص تفاصيل عن الدول التي وافقت على المساعدة في تنفيذ الاتفاق ورعايته اقتصادياً وهي الولايات المتحدة 20%  والاتحاد الأوروبي 10% ودول الخليج المنتجة للنفط 70%.
  • “ليس لدولة فلسطين جيش، والسلاح الوحيد المسموح به هو سلاح الشرطة“.

10- تتولى إسرائيل الدفاع عن فلسطين الجديدة من أيّ عدوان خارجي، بشرط أن تدفع الأخيرة لدولة الاحتلال ثمن هذه الحماية، فيما يتمّ التفاوض بين إسرائيل والدول العربية على قيمة ما سيدفعه العرب للجيش الإسرائيلي “ثمناً للحماية“.

11- إن وضع هذه الدولة الفلسطينية “الخاص” لا يسمح لها بإقامة علاقات أو تحالفات مع دول آخرى، “كما لا يجوز لها الانضمام إلى أي منظمة دولية اذا كانت هذه العضوية تتعارض مع التزامات دولة فلسطين بنزع السلاح، ووقف الحرب السياسية والقضائية ضد دولة اسرائيل”  .

12- وضع حد للتحريض وتمجيد العنف والارهاب والنشاط الاجرامي والشهادة عربياً وفلسطيناً.  

هذا أبرزما جاء في الخطة وهي بحاجة لتفصيلات وقراءات في كل جانب من الجوانب التي تتطرق إليها.

[author title=”عماد زهير” image=”http://”]كاتب لبناني [/author]