صياغة البيان الوزاري للحكومة الجديدة من أسهل مهامها، لأنه سيضاف إلى أرشيف ما سبقه من بيانات مع الصورة التذكارية. أما أهميته فهي محصورة في تسريع نيل ثقة المجلس النيابي المؤكدة، وفق حسابات الفريق الذي تعهد التكليف والتشكيل، وأدار صراع توزيع الحصص وتحديد الأحجام وتوزيع المغانم ومواقع النفوذ في التشكيلة الحكومية، إضافة إلى رسم خطوط خرائط الطرق للاستحقاقات القادمة والمستقبلية.
وبصرف النظر عن الأزمات الراهنة والمخاطر الزاحفة، التي يصعب النفاذ منها، أو السيطرة عليها في ضوء مستجدات الداخل، التي لن يكون بإمكان الطرف المتحكم والحاكم ومعه الحكومة الجديدة تجاهلها، سواء تعلق الأمر بالانتفاضة التي ارست الأساس لبناء معارضة شعبية مستقلة، وغير مرتهنة يصعب تدجينها أو ترهيبها. أو لجهة انتقال بعض قوى السلطة إلى مواقع الخصومة والصراع لتصفية الحسابات، في سبيل العودة الى الحكم وفق ما تتيحه التطورات المقبلة والمتسارعة، وما ينتج من توازنات عن صراعات قوى الداخل والخارج. علماً أن الطرف المتحكم والأقوى حسب وصف قيادته، حاذر طويلاً القبول بتشكيل حكومة الفريق الواحد، وبالتالي تحمّل القسط الأكبر من المسؤولية عن مواجهة مخاطر الانهيار المريع. وهي المسؤولية التي لا يخفف من وطأتها، تهديدات أركانه لمن رفضوا المشاركة معه، وجلسوا حسب وصفها على التل ينتظرون اتجاه الريح، رافضين تغطية سياساته ورهاناته الاقليمية التي شكلت الوجه الآخر للسياسات الاقتصادية المالية. وكلاهما، الفريقان وسياساتهما، أوصلا البلاد والعباد إلى ما هو راهن من حصار وعقوبات وانهيارات باتت واقعاً كارثياً قائماً.
والفعلي أن الحكومة، محكومة أن تتشارك الحصار الذي ولدت من رحمه، مع المجلس النيابي المحاصَر فعلاً، بعدم قدرته على الانعقاد منذ بداية الانتفاضة، وشكلاً مقره، كما السراي الحكومي مقر إقامة الحكومة ورئيسها، مزنرين بالعزلة وأسوار حديدية واسمنتية مسيجة بالاسلاك الشائكة والمكهربة. أما الطرق المتاحة للوصول الى البرلمان والسراي، فبوابات العبور اليهما تتطلب حمايات استثنائية. وإذا كان هذا الانتقال ممكناً بصعوبة، فإن مطاردة أكثرية الوزراء السابقين والنواب في الأماكن العامة، مرشحة لأن تطال العديد من الوزراء الجدد، لأن انعدام الثقة بالسلطة التشريعية لن تكون الحكومة بمنأى عنه، لأن آليات تشكيلها من قبل فريق الأكثرية لم يختلف عن سابقاتها. وهي آليات المحصاصة الطائفية والحزبية، بصفتها الناظم لعلاقات الطبقة السياسية، بصرف النظر عن توزعها نتفاً تعصف في صفوفها الخلافات والاختلافات تبعاً لولاءاتها الخارجية ومصالحها الفئوية.
وإذا كانت السلطة بمختلف مكوناتها، سواء القوى المشاركة في الحكومة، أو من انتقل طوعاً أو قسراً إلى مواقع الخصومة المتبادلة، هم جميعاً محاصَرون بانعدام ثقة اللبنانيين الذين انتفضوا في مواجهة سياساتهم وممارساتهم المستهينة بالبلد ومصالحه الوطنية وحقوق أهله، وبكل ما يتعلق بكرامتهم الانسانية ومستقبل ابنائهم، فإن الأمر لا يختلف مع العهد القوي المحاصَر بضعفه الناجم عن أوهام رئيس تياره في الهيمنة والسيطرة والإستئثار الفئوي باسم الطائفة. وهي الأوهام التي جعلته أسير انتظارية قاتلة، بينما هو يقترب حثيثاً من النهاية قبل أن يبدأ.
وبعد تشكيل الحكومة فان اللبنانيين الذين احتشدوا في ساحات العاصمة والمناطق كافة، هم أمام تحدي الاستمرار في محاصرة قوى السلطة التي تتشارك الحكم والمحاصصة الطائفية والفساد السياسي، ومعها الحكومة الجديدة المحكومة بالعجز عن اجتراح الحلول للمعضلات، بصرف النظر عن أسماء الوزراء وكفاآتهم، لأن آلية اختيارهم وتعيينهم في ظل السياق السياسي والاقتصادي السائدين، يبقيهم مجرد ملاحق لمن أتى بهم، لا يملكون القدرة على تبديل السياسات المعتمدة من قبل الممسكين بزمام السلطة الفعلية.
غير أن محاصرة السلطة، والاكتفاء بتعداد الحقوق المهدورة والمطالب المشروعة وتكرار رفع الصوت بشعارات التغيير وإعداد الأوراق والبرامج، لم يعد كافيا. لأن الانتفاضة باتت أمام تحديات من نوع مختلف من أجل مواجهة مؤسسات السلطة واجهزتها. وهذا يستدعي تحصين ساحاتها ومساراتها والتخلي عن استسهال رفع الشعارات وتوقع نتائج فورية، ومحاصرة الخروج عن المسار السلمي واعتماد ممارسات يسهل معها استدراج الانتفاضة الى ميادين الفوضى والعنف، وتمكين قوى السلطة واجهزتها من استغلال النتائج لغايات تتناقض مع اهداف المنتفضين، ما يؤدي إلى هدر تضحيات اللبنانيين وتبديد النتائج المتحققة والتي لا يجوز الإستهانة أو التفريط بها. وهذا يتطلب ايضاً السعي الجاد لتطوير الانتفاضة، وتنظيم آليات عملها لضمان تجددها، عبر توسيع مشاركة اصحاب الحقوق والمطالب، وجميع المتضررين من سياسات السلطة وقواها في شتى الميادين والقطاعات والمناطق. والأهم كسب ثقة الناس والمبادرة إلى تشكيل الأطر المشتركة حول مختلف القضايا والملفات وتحديد الاولويات ورسم خرائط التحركات انتهاءاً بصياغة برنامج اصلاحي واقعي ومتوازن، يستجيب لتطلعات وآمال غالبية اللبنانيين ويبني مساراً تراكمياً متيناً. أما السلطة المحاصَرة فلن تستطيع إعادة عقارب الساعة الى الوراء ووقف مسار التغيير والتقدم الآتي لا محالة.
[author title=”كتب المحرر السياسي” image=”http://”]المحرر السياسي[/author]