سياسة

حكومة الفريق الواحد وخريطة الألوان المتنافرة

كما أنها تعني انكشاف البلد امام الضغوط  الاقتصادية والمالية، وتعريض الحزب لمزيد من العقوبات المالية جراء الإمعان بالتدخل في أزمات المنطقة، ورهن البلد للمحور للنظام الايراني وسياساته الاقليمية.

لم تفلح انتفاضة اللبنانيين المستمرة لغاية الآن، ومع تنامي حالة الفوضى  وانفلات الازمات الخانقة والمتفجرة، من فرض التعديل على أداء الحكم وأركان الطبقة السياسية.  فقد واصلوا استثمار الأزمات وتقاذف تهم المسؤولية عنها، والتلاعب بمصالح البلد الوطنية وتعريضه لأفدح الأخطار، والدفع نحو مزيد من التأزم السياسي، عبر استحضار عوامل الانقسام الطائفي وتفعيل عوامل التفكك المجتمعي، في سبيل تبديد ما عكسته انتفاضة اللبنانيين المتضررين من طموحات وحدة وطنية جامعة، ولدت من رحم المعاناة، التي كان من نتائجها نزولهم إلى الساحات اعتراضاً ومواجهة ومناداة بحقوقهم المستباحة ومطالبهم واحلامهم في أن يكون لهم ولأبنائهم وطن ودولة. 

نجحت قوى السلطة في تجاوز صدمة الانتفاضة بصرف النظر عن اختلاف وتنوع وسائل وأساليب التعاطي معها، بدءاً من التنافس على تنسيب مطالبها أو تبنيها، إلى التهويل الذي تدرّج سريعاً نحو اعتماد القمع العاري، الذي تمثل بتنظيم الغزوات الميليشياوية المتكررة والمتنقلة الى ساحات الانتفاضة، مروراً بخطاب التخوين  والتآمر على العهد والمقاومة وسلاحها، وصولاً إلى اختراقها والمشاركة في انشطتها، سواء عبر ركوب موجتها لتوظيفها في صراعاتها السلطوية، أو للتغطية على الأسباب الرئيسية للأزمة والانهيار المتسارع فصولاً على مختلف مسارات السياسة والاقتصاد والاجتماع والأمن.

ولدى التدقيق في تأخر ولادة الحكومة الجديدة، بدءاً من التكليف المتعسر، في ظل الارتهان للخارج  والشروط المتبادلة وصراعات الحصص والأوزان، وصولاً إلى تكليف الرئيس الجديد وما أحاط به من التباسات وروايات حول استقلاليته المزعومة، وهو التكليف الذي تجاوز الشهر قبل أن يتمكن فريق الأكثرية النيابية من تشكيل حكومة جديدة، لم تر النور إلا بعد جولات عسيرة من الشروط  والضغوط  المتبادلة والتي تعكس اختلاف المصالح وانعدام الثقة، رغم ادعاء الجميع تقديم التسهيلات. 

فرئيس المجلس النيابي لم يألُ جهداً في تأكيد رغبته بتشكيل حكومة انطلاقاً من كونه شريكاً أساسياً في السلطة بصفته رأس السلطة التشريعية ورئيس حركة أمل.  لذلك كان صريحاً في الإفصاح عن تخوفه من حكومة الفريق الواحد ومضاعفاتها السلبية. وفي مقابل سعي رئيس الجمهورية ورئيس التيار الحر، في أن يكونا صاحبي الكلمة الفصل في الحكومة الجديدة بما يضمن لهما الاستئثار بالتمثيل المسيحي وما يترتب عليه، ويسهل معه ضمان الرئاسة القادمة لرئيس التيار. وامام تعثر الرئيس المكلف في تشكيلها،  لم يتردد رئيس المجلس النيابي في الدعوة للعودة الى صيغة حكومة “لم الشمل”. والتلميح لعودة رئيس الحكومة المستقيل، المتهم بتخريب التسوية الرئاسية والانقلاب على العهد. اندفع رئيس التيار الحر الى التلويح بالخروج من المعادلة الحكومية بعد فشل محاولته استبدال الرئيس المكلف. ولأن تلك الدعوة أثارت حفيظة حزب الله كونها ستؤدي إلى الإخلال بالتوازنات القائمة، لذا كان خياره تسريع تشكيل الحكومة بذريعة التطورات الإقليمية المشرّعة على مختلف الإحتمالات والمخاطر.

ووسط تناسل اللوائح والاسماء ومعها توزيع الوزارات، وصيغ الفرز والضم التي كانت تستبدل كما ملابس الأطفال المتسخة، فإن انفلات الطلبات وشروط  فرقاء الصف الواحد، عكس حالة الانفصام بين تلك القوى وأحوال البلد ومجريات أزماته المتدحرجة على الصعيدين الاقتصادي والمالي المتوالية فصولاً، ومعها  اشكال من ردود الأفعال التي يصعب السيطرة عليها أو وقف اندفاعتها نحو الفوضى الشاملة.

 وبصرف النظر عن التسميات التي اطلقت على الحكومة، فإن المهم هو كيف سيتم التعامل معها، سواء في الداخل أو الخارج.  وهذا يستدعي التدقيق في أسباب ضغط حزب الله لتشكيل الحكومة وتحمل مسؤوليتها، خلافاً لرغبتة ومصالحه كما حددها أمينه العام في خطابه  مع الأيام الأولى للإنتفاضة، عندما رسم خطان احمران، حول”العهد القوي”، والتلويح بمحاسبة رئيس الحكومة في حال انسحابه.  لم يكن الموقف يحتمل الالتباس، لأنه يصدر عن الجهة التي أدارت تعطيل استحقاق الانتخابات  الرئاسية على امتداد عامين ونصف، من أجل ايصال حليفها وشريكها في اتفاق مار مخايل. والمساس بهذا الموقع  يهدد بفراغ  يصعب تقدير مخاطره، بما فيه وصول رئيس ثانٍ موالٍ له. أما رئيس حكومة ما بعد الانتخابات، الذي يشكل شريك تسوية الرئاسة المجازة دولياً وإقليمياً، فإن استقالته بنظر الحزب هي نقض للتسوية وإقالة لحكومة  استغرق أمر تشكيلها وفق شروطه أيضاً  ثمانية أشهر، على أمل استمرارها حتى نهاية العهد. كما أنها تعني انكشاف البلد امام الضغوط  الاقتصادية والمالية، وتعريض الحزب لمزيد من العقوبات المالية جراء الإمعان بالتدخل في أزمات المنطقة، ورهن البلد للمحور للنظام الايراني وسياساته الاقليمية. كما وأن الحكومة البديلة لن يكون تشكيلها متاحاً أو ميسوراً في ظل غياب تسوية خارجية جديدة مجهولة الملامح، عدا أنه يستحيل تحديد موعدها وتوازناتها  في ضوء الانتفاضة، وقد باتت عاملاً يصعب تجاهل  اهتمام الخارج بها ومحاولاته توظيفها.

 وفي هذا السياق وعند التدقيق في المعطيات التي جعلت حزب الله يندفع  ويضغط لتشكيل حكومة لم يكن لها أن تولد إلا بعملية شبه قيصرية، بالنظر لتعدد عرابيها وصراعات الحسابات  والمحاصصات الفئوية، واختلاف مرجعيات ومصالح وطموحات كل طرف محلي بغض النظر عن الانتساب لفريق واحد.  وهذا ما يؤكد اختلاف الرؤى والاهداف بين قوى الاكثرية الحاكمة، في لحظة شديدة الغموض في مسارات الصراع الاميركي ـ الايراني المحتدم والمتفجر في شتى ساحات المنطقة. وعليه لا يمكن غض النظر عن تعدد المؤشرات والملامح الدالة والتي لا يمكن تجاهلها، سواء لجهة الحضور الصريح والبارز في التشكيلة الوزارية للقوى المحلية التي تدين بالولاء النظام السوري، إلى جانب الوزن الطاغي لحزب الله، كما لا يمكن تجاهل وشائج الصلة الاميركية الوازنة بالحكومة من رئيسها إلى العدد  الواسع من الوزراء الذين يحملون جنسيتها، وانتسابهم إلى مؤسسات تابعة وعملهم فيها، وهم المحسوبين على مختلف اطراف التشكيلة الذين يصعب تصنيفهم في خانة العداء لها.

 أما فاعلية الحكومة في مواجهة التحديات الكبرى فيبقى مرتهناً لمدى قدرتها على الاستجابة لشروط الخارج المعلنة بلهجات متنوعة، في موازاة الصمت العربي المطبق، والمحصورة بالاصلاحات والنأي بالبلد عن أزمات المحيط. أما نوايا رئيسها  وبعض الوزراء حيال  العلاقة بالدول العربية أو الانتفاضة اللبنانية فلا يبدو أنها قابلة للصرف في القريب العاجل.

[author title=”زكي طه” image=”http://”]كاتب لبناني[/author]