سياسة مجتمع منشورات

فوضى العهد والحكومة يقودان إلى تفلت الشارع

ويشترك المسؤولون في تسويق التضليل والتغطية على ممارساتهم اللامسؤولة عبر رمي القنابل الدخانية لتصعيد الاصطفافات الطائفية،

مع نهاية العام الثالث، يبدو وكأن العهد القوي قد انتهى. وكأن البلد بات محكوماً بالفراغ. رئيس الحكومة ليس الرئيس الوحيد لها، وجولاته الخارجية بحثاً عن إمكانية تنفيذ وعود “سيدر”، فالجواب عنها: أين الاصلاحات التي التزمتم بها؟ رئيس مجلس النواب يوزع أولوياته بين ترسيم الحدود لحماية الثرة النفطية، وإعداد قانون للانتخابات على أساس لبنان دائرة واحدة. الوزراء، كل منهم مهموم بإطلاق المواقف ومتابعة علاقاته الخارجية التي تناسب مصالح حزبه، يدير وزارته بصفتها محمية خاصة به خارج إطار مجلس الوزراء. بينما رؤوساء وقادة الاحزاب أو الدويلات، يلتقون مرجعياتهم حكاماً ومسؤولي الدول الحليفة والصديقة، لتقديم آيات الولاء وتلقي الدعم مقابل أدوارهم. فيما ممثلو الكتل النيابية يتابعون جلسات اللجان كالمعتاد ويتبادلون الشتائم خلال معاركهم البهلوانية لإلقاء القبض على الفساد المجهول.

 أما مجلس الوزراء  فيعقد جلسات ماراتونية لمناقشة مشروع موازنة وزير المالية، الذي يتلبس ثوب البراءة من المسؤولية عن مآل مالية الدولة، التي يحصرها به رئيس العهد القوي، العائد من رحلة سياسية شكلاً سياحية مضموناً مع العائلة كما وصفتها وسائل الاعلام. فيما ولي عهده ووزير خارجيته ورئيس أكبر تكتل نيابي مسيحي، يتنقل على المنابر لإغراء المغتربين بجنسية يفر منها حاملوها، ويوزع شهادات الوطنية على الحلفاء، والإتهامات بالفتنة والتآمر على الخصوم، بما يشمل  حاكم المصرف المركزي، الذي  يمارس هواية الهندسات المالية وتوزيع أرباحها على المصارف، التي تكدسها بالدولار، الذي يحاصر العملة الوطنية ويهددها بالانهيار، وسط توالي  الضغوط الخليجية لوقف تدخل حزب الله الذي يسترهن البلد لنصرة النظام الايراني، الذي تستجر سياساته العداء له والخراب للجميع، بما يخدم مصالح اميركا، التي تنهب المنطقة، وتضاعف العقوبات المالية لتجفيف موارد حزب الله بذريعة مكافحة الارهاب، فيما البلد يدفع الاكلاف. 

 في هذا الواقع  الصعب يفتقد أهل الحكم والحكومة ثقة الداخل والخارج على السواء. وقد بات القول لهم على ألسنة حكام الدول التي التزمت مساعدة لبنان ومبعوثيهم، لا نثق بوعوكم وقراراتكم وخطط عملكم التي تفتقد للنزاهة والشفافية. والاصلاحات المنتظرة لم نلمس أية جدية لتنفيذها، ولا يبدو أنها ضمن جداول اعمالكم الحاشدة بالصفقات، التي تفوح منها روائح الفساد والنهب لموارد الدولة والقروض والمساعدات الموعودة. لقد جعلتم بلدكم يتصدر قوائم الديون والفوائد عالمياً ومعها مستويات الفساد والهدر، وانتم تمارسون سياسات الهروب إلى الأمام وتتهربون من تنفيذ الحلول والمعالجات للأزمات التي تسببتم بها.

أما أكثرية اللبنانيين الذي يتحملون  وحدهم أعباء الانهيارات والمخاطر المتراكمة،  فقد فقدوا الأمل بالحلول، وهم في خشية ورعب في اعقاب ما أصابهم  في الموازنة الحالية، وما يجري التمهيد له في الموازنة القادمة من ضرائب تطال المحروقات والكهرباء والقيمة المضافة، وما يستتبعها من ارتفاع في اسعار الخدمات التي بدأ التجار اشتراط تسديدها بالدولار، الذي يحاصر العملة الوطنية ويفقدها قيمتها الشرائية. ويشترك المسؤولون في تسويق التضليل والتغطية على ممارساتهم اللامسؤولة عبر رمي القنابل الدخانية لتصعيد الاصطفافات الطائفية، وإثارة الغرائز للتعمية والتحريض، على شاكلة القول بالمؤامرة التى تستهدف العهد، والوزراء الذين يبذرون الفتنة، والمتأمرون على المقاومة والمحرضين اميركا على معاقبتها، والسوريون الذين يهربون الدولارات لمصلحة النظامين السوري والايراني، أو النازحين الذين يستنزفون الاقتصاد، ومسلسل شائعات حدث ولا حرج…

وإذا كان هذا واقع البلد وأحواله، فمن يستطيع إقناع اللبنانيين أن حكامهم وزعماء طوائفهم مستعدون لتحمل مسؤولياتهم الوطنية، وأن النزاهة دبت في عروقهم  متخلين عن مصالحهم الفئوية من أجل البلد. كيف يصدقون  بأن البلد  لا يتجه نحو الانهيار، وأن الوضع الاقتصادي يمكن السيطرة عليه وضبطه. كيف يقتنعون أن المؤسسات التي يعملون فيها لن يصيبها الافلاس والتعثر قريباً، وأن الدولة قادرة على مواصلة دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين في الأشهر المقبلة. ومثلها تعويضات نهاية خدمة العمال  لدى الضمان الاجتماعي، ومن بمكنته تطمين الناس أن مداخيلهم غداً تكفي لتأمين أبسط حاجاتهم، وأن اوراق عملتهم ما تزال لها قيمة.

بالتأكيد يعترض قرار الناس بالنزول إلى الشارع اليأس المقيم وانعدام الثقة في من يدّعي حمل قضاياهم من احزاب ونقابات ومنظمات وجمعيات، التي ترفع الشعارات الكبرى دون أن تقدم حلولاً جادة لمواجهة سياسات الانهيار والديون التي تخنق البلد، أو وضع خطط تحرك قادرة على استقطاب الفئات المتضررة وتنسيق تحركاتها كي تكون ادوات ضغط فاعلة. يوازي ذلك نجاح احزاب الطوائف وتياراتها التي تحكم البلد بقوة الانقسامات والصراعات، لتفخيخ دعاوى التحرك، ودفع اللبنانيين للبحث عن الهجرة. رغم ذلك فما يجري من تحركات يحمل دروساً كبرى لم يستوعبها بعد أهل الحكم الذي يعيشون في كوكب مصالحهم الخاصة.

[author title=”المحرر السياسي” image=”http://”]المحرر السياسي[/author]