القدس المحتلة ـ نضال محمد وتد*
قال تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، صباح اليوم الاثنين، إن عملية تهويد القدس مستمرة وتجرى على قدم وساق بعيداً عن الأضواء، ومن دون أن تكون هذه القضية سبباً لزعزعة العلاقات الإسرائيلية الأميركية.
وبحسب التقرير “يجرى الآن بناء أحياء يهودية جديدة والتخطيط لأخرى وراء الخط الأخضر (الشطر الشرقي لمدينة القدس المحتل عام 67) مثل أحياء هار حوما، وغفعات همطوس، وعطروت ورمات شلومو. وبموازاة ذلك، تكثف جمعيات المستوطنين جهودها لتهويد حي سلوان وحي الشيخ جراح وجبل المكبر وراس العامود. وفي هذه الأحياء وأحياء فلسطينية أخرى، يواصل الفلسطينيون مواجهة سياسات تخطيط وبناء مستحيلة”.
ويرى التقرير أن هذا الأمر يحدد ويبلور معالم “عاصمة إسرائيل” وإسرائيل برمتها، بدرجة لا تقل عن لقاء القمة البراقة، التي التأمت الأسبوع الماضي في النقب، بمشاركة أربعة وزراء خارجية عرب.
وقالت “هآرتس”: “الحقيقة أنه اليوم أيضا، كما في كل يوم منذ عشرات السنين، يستيقظ عشرات آلاف الفلسطينيين المقدسيين على واقع خطر، هدم بيوتهم أو طردهم منها. خطر يهدد حياتهم، ما يدفع المدينة نحو اليأس والعنف”.
واعتبر كاتبا التقرير، مايا هوردينتسياني ونير حسون، أن:” إقامة الأحياء اليهودية وجهود تهويد الأحياء الفلسطينية تجعل كل مستقبل لتسوية سياسية غير ممكن”.
حي عطروت: على أرض مطار القدس الدولي
حي عطروت، وهو حي استيطاني تعتزم دولة الاحتلال إقامته شمالي القدس على طريق القدس رام الله، وعلى أراضي قرية قلنديا الفلسطينية، والذي سيشمل 9000 وحدة سكنية، “يبدو وكأنه لا يهدد أحدا للوهلة الأولى، فالحي سيقام على أراضي مطار عطروت المتروك (المقصود مطار القدس الدولي، الذي نشط منذ ما قبل الاحتلال وحتى احتلال عام 67) فلن يجلى أي مواطن فلسطيني من أرضه، لكن الحديث هو عن أكبر حي استيطاني يقام وراء الخط الأخضر (حدود العام 67) منذ سنوات التسعينيات، وهو معد لإسكان اليهود الحريديم، لكنه سيقوم في قلب الفضاء الفلسطيني بين مثلث قرى كفرعقب وقلنديا وبيت حنينا الفلسطينية، وهذا لا يقف عند مسألة حرمان الفلسطينيين من أي أمل بإعادة تشغيل المطار تحت العلم الفلسطيني، بل سيقضي على إمكانية إعادة تقسيم المدينة”.
محاصرة بيت صفافا من الجنوب والشمال
وإذا كان هذا الحي يحاصر المدينة الفلسطينية من أقصى الشمال بما يسمح بقضم آلاف الدونمات، فإن الأمر لا يختلف في جنوب وغرب القدس المحتلة، في قرية بيت صفافا، التي كانت قبل حرب حزيران مقسمة بين بيت صفافا الغربية التي ظلت تحت الحكم الإسرائيلي، وبيت صفافا الشرقية التي كانت ضمن الضفة الغربية تحت الحكم الأردني، وهناك بالرغم من الضائقة السكنية للسكان، تعتزم الحكومة، عبر بلدية القدس وبالتعاون مع القيّم على أملاك الغائبين (وهي سلطة أقامتها إسرائيل منذ النكبة للتعريف بما تسميه أملاك الغائبين)، إقامة حي استيطاني جديد لليهود تحت اسم “جفعات هشاكيد (أي تلة اللوز) على الأراضي الفلسطينية وراء الخط الأخضر، ومثل ما يحاصر هذا الحي قرية بيت صفافا من الشمال، فإن الحي الآخر المزمعة إقامته تحت مسمى “جفعات همطوس”، سيطبق الحصار على القرية من الجنوب.
حي الشيخ جراح ومخطط الترحيل والطرد
وبالعودة إلى قلب الشطر الشرقي المحتل من القدس عام 67، حيث يقف حي الشيخ جراح في مقدمة التصدي للجمعيات الاستيطانية اليهودية، التي تسعى للاستيلاء على أكثر من 26 بيتاً في الحي بزعم أنه كان قبل حرب النكبة مملوكا ليهود، علما أن العائلات الفلسطينية التي تعيش فيه هي عائلات جرى طردها وترحيلها بالأصل من أحيائها وبيوتها في الشطر الغربي من المدينة خلال حرب النكبة.
سلوان والحدائق التوراتية
وبعد أن يشرح التقرير بإسهاب جذور حي الشيخ جراح، ينتقل إلى شرح ما يحدث في قرية سلوان، جنوب المسجد الأقصى، واستهدافها من قبل المستوطنين وجمعياتهم الاستيطانية، وتحديدا لثلاث مناطق في القرية، أولاها منطقة حي وادي يتسول، حيث تسعى بلدية القدس لهدم أكثر من مائة منزل فلسطيني بزعم إقامتها من دون ترخيص على أراض هي لاستخدام الجمهور العام، وفق الخريطة الهيكلية من العام 1977.
المنطقة الثانية هي البيوت في حي البستان في سلوان، التي تحاول حكومة الاحتلال الاستيلاء على بيوت منها لصالح “حديقة قومية”، تحت ستار حديقة قومية يطلق عليها اسم “مدينة داود” كجزء من مشروع كبير تديره جمعية الاستيطان الصهيونية إلعاد. وهنا تعتزم البلدية طرد مائة عائلة عربية من بيوتها، ورفضت مؤخرا مخططا هندسيا وافق عليه الأهالي بهدم الحي وإعادة بنائه من جديد على 60% من الأراضي وإتاحة الباقي منها للحديقة القومية، واقترحت نقل الأهالي إلى بيوت على مساحة لا تزيد عن 20% من الأراضي الأصلية للحي.
المنطقة الثالثة في سلوان تقع في قلب القرية في حي بطن الهوى، حيث حازت جمعية عطيرت كوهنيم الاستيطانية، عام 2001، على قرار قضائي من المحكمة الإسرائيلية يقضي بمنح الجمعية مكانة “أمناء للوقف ليهودي” الذي كان في المكان حتى العام 1936، حيث عاشت عائلات يهودية يمنية، غادرت المكان بتوجيه من حكومة الانتداب، واشترى الفلسطينيون الأراضي وأقاموا عليها بيوتهم.
وفي العام 2002، قام “القيّم على أملاك الغائبين” بنقل “أراضي الوقف اليهودي المذكور” للجمعية الاستيطانية، ما يضع 70 عائلة فلسطينية تحت خطر التهجير والطرد من البيوت التي أقاموها ويعيشون فيها بعد شرائهم الأرض، بعد أن قبلت المحكمة الإسرائيلية، بطلب من الجمعية الاستيطانية، تهجير هؤلاء من بيوتهم.
وفي قلب البلدة القديمة، تشهد البلدة مساعي مستمرة للتهويد بالركون إلى صفقات بيع مشبوهة لأوقاف كنسية مسيحية لجمعيات استيطانية، وخاصة جمعية عطيرت كوهنيم، التي يقع موقعها الأصلي في عقبة الخالدية داخل أسوار البلدة القديمة، وقد دخل عناصر هذه الجمعية قبل أسبوعين إلى مبنى فندق البتراء قرب باب الخليل، بعد أن بيع للجمعية من قبل البطريركية اليونانية وفي ختام 18 عاما من المداولات القانونية والقضائية، كما يحاول المستوطنون أيضا السيطرة على فندق مجاور هو فندق أمبريال. ويهدد امتلاك المستوطنين والسيطرة على فندق البتراء طابع حي النصارى في البلدة القديمة، وهو ما أثار، بحسب التقرير أيضا، خوفا شاملا للطوائف المسيحية في المدينة، التي توحد رؤساؤها في خطوة غير مألوفة ضد انتزاع الفندق ودخول المستوطنين الحي.
جبل المكبر
وفي سياق مسلسل التهويد، فإن قرية جبل المكبر باتت جزءا من أطماع المستوطنين ودولة الاحتلال في مشروع تهويد القدس، حتى من دون وجود “أي ادعاءات لوقف يهودي، أو مشروع حديقة قومية كما يقول التقرير، وإنما هدم عشرات البيوت لصالح توسيع “الشارع الأميركي” الذي يربط بين جبل المكبر وبين حي الشيخ سعد.
* نشرت في العربي الجديد في 4 نيسان 2022
Leave a Comment