كتب عماد زهير
لا شك أن الرئيس الاميركي دونالد ترامب الخارج قريباً من البيت الأبيض يتصرف سياسياً انطلاقاً من الخلفية المهنية التي أتى منها حيال الصراع العربي – الاسرائيلي. والخلفية التي نتحدث عنها هي عقلية السمسار العقاري الذي كوّن من خلال تلك المهنة ثروته، التي فتحت أمامه الطريق نحو العمل السياسي، وصولاً إلى الموقع الذي تبوأه. لكن عقلية السمسرة هنا تتجاوز الحصول على كمية من المال من البائع والشاري معاً، باعتبار أن بيعاً وشراءً لم يحدث على النحو المعروف، وكل ما في الأمر أنه لعب دوره كوسيط في عملية مقايضة، يحاول كل طرف من أطرافها وضع نفسه في موقع الرابح، على الطريقة الاميركية (ون ون WIN WIN)، فالكل رابح والصفقة أنجزت. لكن الرابح الأساسي والوحيد هو اسرائيل دون سواها. ينطبق الأمر على كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين، وعلى السودان تالياً ومؤخراً على المغرب. ولكل من الأطراف العربية حساباته من عملية التطبيع وفي تجاهل تام لمضاعفات ذلك على وضع القضية والشعب الفلسطيني والصراع العربي الاسرائيلي الذي عرفته منذ عقود بعيدة وتعرفه المنطقة الآن، إضافة إلى حجز مقعد لاسرائيل كوكيل اميركي حصري لا منازع له ولا شريك.
والمعروف أنه في أعقاب التغيير الذي شهده السودان وإطاحة حكم عمر البشير ومجيء حكومة عسكرية – مدنية، ظلت البلاد على قائمة الارهاب التي وضعتها عليها الولايات المتحدة الاميركية بعد ثبوت تورط البشير مع القوى الاسلامية المتطرفة. ولمّا كانت الحكومة السودانية تطمح إلى إزالة هذه الصفة من سجلها ” العدلي”، ظناً أن وضعها هذا سيفتح لها أبواب الرساميل والاستثمارات والمساعدات التي يمكن لها أن تحل مشكلاتها المستعصية. وكان الثمن المطلوب هو خروج السودان من حالة المقاطعة العربية لاسرائيل. وعلينا ألا ننسى هنا لاءات الخرطوم الثلاثة المعروفة بعد هزيمة حزيران 1967( لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف). والسودان موقع بالغ الأهمية لاسرائيل كونه يفتح لها المجال الافريقي برمته، لعلاقاتها المتشعبة مع العديد من دول القارة في مجال التجارة والتكنولوجيا وبيع الأسلحة وما شابه. إذن وضع الرئيس الاميركي السودان بين خيارين لا ثالث لهما للحصول على “التبرئة”: القبول بالتطبيع أو البقاء أسير قفص الارهاب، فكان أن رضخت السلطة للمعادلة.
موضوع المغرب له خصوصياته، فالنظام المغربي ينطلق من إشكالية موضوع الصحراء الغربية لديه، وهو موضوع انتقل من الميدان كما هو معروف إلى أروقة الأمم المتحدة التي وضعت خططاً لحلول لم تجد طريقها إلى النفاذ، بالنظر إلى تداخل العديد من الأطراف الاقليمية والدولية فيه. بالطبع كانت بين المغرب واسرائيل شبكة من العلاقات التي تتم تحت الطاولة، والتي تحظى بمتابعة اميركية وداخلية. وبناءً على هذه الأرضية، أعلن ترامب أنّ الولايات المتحدة تعترف بسيادة المغرب على أراضي الصحراء الغربية المُتنازع عليها، وأنّها ستفتح قنصلية لها في داخلها، وأنّها توسّطت لتطبيع العلاقات الجزئيّة بين المغرب وإسرائيل.
وبموجب الاتفاقية، ستستأنف الدولتان العلاقات الدبلوماسية جزئياً دون أن تصل بالمغرب إلى فتح سفارة لها في إسرائيل، بل فقط مكتب اتصال. وبعد يوم من إعلان ترامب، أرسلت إدارته كتاباً إلى الكونغرس حول صفقة لبيع أسلحة بقيمة مليار دولار للمغرب، كما حدث بالضبط مع دولة الامارات. مع فارق هو أن المغرب يعتبر نفسه رابحاً في الصفقة، باعتبار أن استراتيجيته تعتمد على كسب الاعتراف الدولي بحقوقه في الصحراء الغربية. ثم إنه حاول الربط اعلامياً بين وحدة التراب المغربي وما قدمه من ثمن حول القضية الفلسطينية ذات الوزن في الحياة السياسة والثقافية. ولا ننسى أن المغرب يرأس لجنة القدس التي أنشأتها منظّمة التعاون الإسلامي لمناقشة القرارات المرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي وتطبيقها. والتي يفترض بها الدفاع عن هذه المدينة في وجه الصهينة والتهويد، وذات الرمزية والدلالات للعالمين الاسلامي والعربي، فضلاً عن الشعب الفلسطيني بسائر مكوناته. كما وأن اندراج المغرب في مجرى التطبيع مع اسرائيل من شأنه توثيق علاقاته مع الدول الخليجية سواء من أقدمت عليه فعلياً أو من هي في الطريق نحوه.
وفوراً بعد الإعلان الذي أطلقه ترامب، أصدر الديوان الملكي بياناً أشار فيه إلى الاتصال الذي جرى بين الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس والملك محمّد السادس، ورد فيه أنّ المسألة الفلسطينية ما زالت مهمّة للنظام المغربي، وأنّ الروابط لا تزال متينة بين الجهتَين. وأنّ موقف المغرب حيال فلسطين لم يتغيّر، فهو ما زال يدعم حلّ الدولتَين ويعزّز المفاوضات بين الجهتين التي ستؤدّي إلى سلام نهائي. وهوموقف كلامي أكثر منه فعلي في ضوء مترتبات التطبيع اللاحقة.
السؤال الختامي الذي لا بد وأن يطرح هو التالي: لماذا هذه الهرولة على التطبيع ؟ للإجابة يتوجب الإشارة إلى تقرير المؤشر العربي عن العام 2019 – 2020 الذي أظهر أن المواطنين العرب ما زالوا يمنحون القضية الفلسطينية الأولوية في سائر دولهم، وأنهم يرفضون التطبيع مع الاحتلال أو أي علاقات معه. وهو ما تدركه السلطات العربية التي باتت تعتبر أن مصدر شرعيتها، ليس الشعب الذي تعرف مواقفه، بل رضا الولايات المتحدة. ويبقى المستفيد الرئيس هو الاحتلال بقواه المتطرفه الذي يقفل أبواب التفاوض مع الشعب الفلسطيني ويرفض الجلاء عن الارض المحتلة والقبول بحل الدولتين الذي يحظى بأوسع تأييد دولي، مادامت أبواب العواصم تفتح له دون أن يقدم ولو تنازلاً بسيطاً من مشروعه الصهيوني العنصري المتضخم.
Leave a Comment