سياسة مجتمع

منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني تحذر من عودة الحرب الاهلية من مدخل الفوضى الأمنية

بيروت 12 نيسان 2024 ـ بيروت الحرية

أصدرت منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني، تعليقاً على ما تشهده البلاد من فوضى سياسية وأمنية تهدد بانهيار السلم الأهلي، البيان الآتي نصه:

تأتي ذكرى مرور خمسين عاماً على اندلاع الحرب الاهلية في 13 نيسان من العام 1975، لتذكر اللبنانيين أنهم ما زالوا يعيشون في دائرة الخطر المحدق بحاضرهم ومستقبلهم، وبما يهدد كيانهم ومصيرهم الوطني. لإن صراعات قوى السلطة عمّقت الانقسامات بين مكونات المجتمع اللبناني. وعطّلت مؤسسات الدولة والآليات الدستورية لممارسة السلطة، بدءاً من رئاسة الجمهورية إلى المجلس النيابي والحكومة، ناهيك بأجهزة الدولة القضائية والأمنية، وقطاعاتها الخدماتية والاقتصادية والمالية.

إن ما شهده لبنان خلال الايام الماضية من حوادث أمنية ـ سياسية، كشف هشاشة أوضاع البلد التي تنذر بأوخم العواقب. بدءاً من اختطاف واغتيال منسق حزب القوات اللبنانية في منطقة جبيل واستحضار جثته من سوريا، وما رافقها من ردود فعل وتعديات على النازحين السوريين، وإحراق مراكز وممتلكات حزبية. يضاف لها عمليات القتل والخطف ومحاولات استهدفت قوات اليونيفيل في الجنوب. وحرية الحركة التي تتمتع بها عصابات الاجرام والسرقة والتهريب برعاية قوى الأمر الواقع.

يضاف إلى ذلك مضاعفات تفرّد حزب الله بقرار خوض الحرب مع العدو الاسرائيلي، وتعريض أمن لبنان واللبنانيين لأفدح الأخطار خلافاً  لإرادة أكثريتهم، خصوصاً عشرات ألوف الجنوبيين الذين نزحوا من بيوتهم وخسروا ممتلكاتهم جراء عمليات قصف القرى والبلدات، التي ينفذها  العدو في إطار  تهديداته لتدمير الجنوب ولبنان على النحو الذي تعرّض له قطاع غزة من تدمير وإبادة لمعالم الحياة. هذا ما تؤكده جملة الوقائع التي يشهدها لبنان، بالارتباط مع توجه بعض القوى الدولية والاقليمية المتعددة، التي تستهدف إشعال فتيل الحرب الاهلية في لبنان وزج البلاد في محرقتها القاتلة. ولعل ما سمعه وقرأه اللبنانيون من لهجات خطابية اتهامية مرتفعة النبرة ومن تحريض ووعيد، يؤكد أن خطر الانفجار لامس الخطوط الحمر.

إن منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني التي انتقدت ممارستها ومشاركتها في الحرب الاهلية، ترى بأم العين المسار الذي تندفع نحوه البلاد. وهي تُحمّل المسؤولية عنه للقوى السياسية الطوائفية التي تصادر الدستور والقوانين وتُمسك بقرار الحرب والسلم، وتمنع قيام حياة سياسية مستقرة في البلاد، كما تُمعن في تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية ومنع تشكيل حكومة دستورية، تملك القدرة على اطلاق عجلة العملية السياسية وتفعيل مؤسسات الدولة، وفتح ابواب الحلول للأزمات المستفحلة. وأبرزها دون منازع، التصدي للفوضى الاهلية السياسية والأمنية التي تحاصر اللبنانيين وتتحكم بحياتهم. خاصة وأن جريمة اغتيال باسكال سليمان وما رافقها من الصعب تمويهها وإخفاء حبكتها مهما بلغت كفاءة المعنيين في لفلفتها.

إن سياسات المحاصصة والمشاريع الطائفية، وعلى مدى عقود متلاحقة، حالت ولا تزال دون مقاربة المعضلات التي تتخبط بها البلاد، بقدر ما أعادت انتاجها على نحو متفجر. وهي التي تُمهد الطريق أمام خطر عودة الحرب الاهلية، وكأن اللبنانيين لم يتعلموا من تجربتهم الدامية، التي أسفرت عن مئات ألوف الضحايا والمخطوفين والمصابين والمعوقين والمشردين، عدا قوافل الهجرة للخارج وتدمير مرافق البلاد العامة وخراب الممتلكات الخاصة، مما لا يزالون يدفعون ثمنه إلى الآن.

إن منظمة العمل تدين سياسات القوى الطوائفية المهيمنة، وتحمّلها المسؤولية عن التلاعب بمصير البلد، وتعريضه لأفدح الاخطار، وكل ما يترتب عن التحريض وتقاذف المسؤوليات وتبادل  تهم التخوين، واستسهال الدفع باللبنانيين إلى مهاوي العنف التدميري الأعمى. هذا عدا المسؤولية عن تعطيل معالجة الأزمات والمشكلات ورفض إقرار الإصلاحات الملحة.  وللمناسبة تدعو المنظمة قوى المجتمع الحية وسائر المتضررين من الانهيار الاقتصادي والمالي ومن الفوضى السياسية المستفحلة، إلى المبادرة لمواجهة المخاطر الداهمة، وإعلاء راية السلم والديمقراطية طريقاً لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها السياسية والأمنية والقضائية والاجتماعية والصحية، ومدخلاً وحيداً لتجاوز خطر تجدّد الحرب الأهلية الذي يهدد بتدمير ما تبقى من معالم حياة مجتمعية مشتركة، ومن هياكل الدولة ومرافقها العامة والخاصة.

إن جملة الحوادث التي تشهدها معظم المناطق اللبنانية، تكشف حجم المخاطر التي تسببت بها دويلات الأمر الواقع الطائفي، المسلحة بفائض القوة والتي تتعيش على لغة التهديد بالسلاح والعنف الأهلي وشعارات الفيدرالية والعنصرية الشعبوية. وهي التي تتغذى من الخراب الاقتصادي والتفكك الاجتماعي، وتستقوي بالصراعات والحروب الاقليمية والدولية، التي تهدد مصير كيانات ومجتمعات بلدان عربية مجاورة.

إن التحدي الذي يواجه اللبنانيين الآن وقبل فوات الآوان، هو تحمّل مسؤولية إنقاذ وطنهم  مما يتهدده من مخاطر، وقطع الطريق امام تكرار تجربة 13 نيسان ومأساة الحرب الاهلية.

 بيروت 12 نيسان 2024   

  المكتب التنفيذي لمنظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني

Leave a Comment