سياسة صحف وآراء

مقاربات سياسية وعسكرية بين حزب الله وحماس

*مهيب الرفاعي

يلعب كل من حزب الله في لبنان وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين دوراً بارزاً في الصراع العربي الإسرائيلي، ويشكل كل منهما نموذجاً مستقلاً ومتشابهاً في الوقت نفسه، سواء على المستوى التنظيمي، أو العقيدة العسكرية والأمنية، أو التكتيك الحربي، أو الأيديولوجيا. بأدوارهما في النزاعات الإقليمية، سواء في الحروب مع إسرائيل أو في النزاعات الداخلية أو أخيراً في الحروب في العراق وسورية واليمن؛ جذب كل من حزب الله و”حماس” انتباه الدول الفاعلة في الشرق الأوسط، وحصلت استقطابات إقليمية وداخلية تجاه حركات المقاومة الإسلامية، الشيعية والسنّية، أدت إلى تغييرات جوهرية على مستوى التنظيم السياسي والإداري والدعم اللوجستي. يتناول هذا المقال تحليلاً مقارناً للبنية التنظيمية والعسكرية واستراتيجيات الحرب لدى كل من حزب الله و”حماس”، مع شرح مساراتهما المميّزة والنهج المشترك.

التشكيل والبنية التنظيمية

ظهر حزب الله خلال الحرب الأهلية التي دامت 15 عاماً في لبنان، والتي اندلعت في عام 1975 بين الفصائل اللبنانية والفلسطينية، وهو حزب سياسي مسلم شيعي، وينضوي تحته جناح عسكري يعدّ الأقوى في لبنان من ناحية التنظيم والدعم، مقارنة بالأحزاب التي تتبع لطوائف لبنانية أخرى. عزّزت أجهزته الأمنية الواسعة وتنظيمه السياسي وشبكة الخدمات الاجتماعية سمعة حزب الله ليكون أقرب إلى عدّه “دولة داخل الدولة”، وأصبح له تأثير كبير على السياسات الداخلية في الدولة. وكما الحال بالنسبة للحركات السياسية، المعيار عند التقييم التنظيمي للحزب تكون بين الاستقلال والتبعية في صنع القرار، والارتهان للقوة الإقليمية الداعمة (إيران في حالته) والمصالح المشتركة معها. إداريًا، يتمتّع حزب الله باستقلال شبه تام مع وجود حوار مع الأحزاب اللبنانية للمكونات الدينية والعسكرية الأخرى في لبنان، وله مقاعد في مجلس النواب اللبناني، واعتمد نظاماً سياسياً لا يختلف عن مرحلة ما قبل اتفاق الطائف 1989 [1].

يعتمد الحزب تنظيميًا نموذجًا هرمياًTop-Down Model  يترأسه حسن نصر الله بصفته أميناً عاماً منذ 1992 متمتعاً بصلاحيات مطلقة، بعد إزاحة صبحي الطفيلي الذي اعترض على سياسة الحزب الداخلية تجاه الانتخابات في لبنان والتعدّدية السياسية، ويتّخذ الحزب من الضاحية الجنوبية مقرّاً له في وجود حاضنة شعبية من الطائفة الشيعية، بالإضافة إلى وجود مقار ثانوية في جنوب لبنان وبعلبك والهرمل، سيما بعد عام 2011 وانتقال مراكز ثقل العمل العسكري بعد الحرب في سورية إلى الشمال اللبناني. ويعتمد الحزب أيضاً على الهيئة القيادية التي تضمّ الأمين العام للحزب ونائبه ومستشارين استراتيجيين، والمجلس السياسي الذي يشرف على عمليات الانتخابات والترشيحات للانتخابات الداخلية والانتخابات النيابية على مستوى لبنان، والمجلس التخطيطي وكتلة النواب، والمجموعات التنفيذية والهيئات الاستشارية في الحزب، واللجان المحلية المتوزّعة في مناطق النفوذ الشيعية في لبنان. ولتعزيز نفوذه في هذه المناطق، أسّس حزب الله نموذجاً إدارياً مستقلاً عن الدولة اللبنانية عبر تأمين الدعم الاجتماعي والخدمي لمناصريه ولحاضنته الشعبية، سيما في الضاحية الجنوبية وفي مدن الجنوب اللبناني، الأمر الذي أدخله في صداماتٍ مع الأحزاب اللبنانية الأخرى غير القادرة على تأمين مثل هذا النمط الإداري، سيما مع شريكه الشيعي، حركة أمل، ما أحدث حالة من التنافس الداخلي ووجود اتهامات بين الطرفين بالفساد، وصولا إلى إحداث فرز اقتصادي وإداري. ونظراً إلى وجود عدة هيئات ومجالس داخل الحزب، فإن القرار داخل تلك الهيئات يتم بأغلبية الأصوات، ويعتبر مجلس شورى الحزب أعلى هيئة تنظيمية حيث يتكون من سبعة أعضاء توكل إليهم مسؤولية متابعة أنشطة الحزب الأخرى، الاقتصادية والاجتماعية والإدارية.

في المقابل، ظهرت “حماس” في أواخر الثمانينيات حركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وهي في المقام الأول منظمة سياسية وعسكرية إسلامية فلسطينية، اكتسبت شعبيتها من خلال قدراتها العسكرية على مستوى فلسطين، وتقديم خدماتها الاجتماعية في قطاع غزّة، سيما بعد انسحاب إسرائيل من غزّة عام 2005 وأحداث الانقسام الفلسطيني عام 2007. وجاء تأسيس الحركة خطوة لتأمين دعم عسكري للانتفاضة الأولى عام 1987، وكان من أبرز مؤسّسيها الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وعبد الفتاح دخان وغيرهم، مع مباركة من جماعة الإخوان المسلمين للقيادات التي أسّست للحركة الجديدة الموازية لخط منظمة التحرير الفلسطينية.

ونظراً إلى اغتيال إسرائيل واعتقالها عديدين من قادة حركة حماس ومسؤوليها، سواء أكان داخل قطاع غزّة أو في عواصم عربية أخرى كدمشق وبيروت، وأبرزهم أحمد ياسين وصالح العاروري، ولفرض طوق أمني واستخباراتي قوي حول منتسبيها في فلسطين وخارجها، فإنه يتم  إعادة تنظيم الهيئات القيادية في الحركة من دون توضيح الهيكلية القيادية، سواء في فلسطين أو خارجها، وبهذا تختلف “حماس” عن حزب الله من الناحيتين، التنظيمية والإدارية، إذ تبدو أقرب إلى اللامركزية في صنع القرار، كون “حماس” تعتمد مبدأ الشورى مع القيادات المتوزّعة خارج البلاد. داخليا، تتمتع حركة حماس (الجناح السياسي) بحكم ذاتي لقطاع غزّة مع وجود نموذج حكم مختلف عن الحزب، حيث هناك وزارات وجهاز شرطة وأمن وتعليم وصحة منفصلة عن التي في الضفة الغربية.

الأيديولوجيا

يتبع حزب الله الأيديولوجيا الإسلامية الشيعية القائمة على ولاية الفقيه، والولاء لقائد حكيم وعادل. صنّف الحزب ذاته كياناً إسلامياً شيعيّاً عابراً للحدود الوطنية، وليس من مهامّه العمل فقط في لبنان، طالما أن الاحتلال ما يزال في فلسطين. وعلى الرغم من تحديث وثيقة الحزب التأسيسية في تسعينيات القرن الفائت، إلى أن المهم كان التمسّك بعصا القيادة الإيرانية والارتهان بولاية الفقيه وتحديدها كشعار قائد للحزب ومنتسبيه، مع وضع القضية الفلسطينية أولوية لهذه العقيدة وتحرير بيت المقدس واجباً على منتسبيه.

في المقابل، حركة حماس هي حركة إسلامية سنية، وهي جناح من أجنحة جماعة الإخوان المسلمين، وتتبنى فكر وأيديولوجيا الجماعة مع وجود تغييرات بحكم الاحتكاك العسكري المباشر مع الاحتلال الإسرائيلي. وفق ميثاق الحركة الصادر عام 1988، فإن عقيدة الحركة تتمحور حول فكرة رئيسة، وهي “الجهاد هو الطريق والشهادة أسمى الأمنيات”[2]، وأن صراعها مع الاحتلال الإسرائيلي وجودي وعقائدي، ولا تقبل به في أرض فلسطين، مشدّدين على أن المفاوضات مع الاحتلال مجرّد عبث لا طائل منه، وأن المقاومة هي سبيل التحرير.

حرب المدن بالنسبة لحزب الله مهمة جداً، كونه يعتمد، بالأساس، على القوة البشرية البالغ عددها حوالى مائة ألف مقاتل

تتفق “حماس” مع حزب الله في المبادئ العقائدية من ناحية النزعة الإسلامية للصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، ووضع المقاومة أولوية إلى جانب المسار السياسي لكل من الجماعتين، ووجود عدو استراتيجي مشترك، الأمر الذي يفرز ضغطاً على عاتق الجماعتين من جهة القاعدة الشعبية وقاعدة الداعمين الإقليميين.

تكتيكات الحرب

يُعدّ حزب الله الطرف غير الحكومي الأكثر تسليحاً في العالم، حيث يمتلك مخزوناً كبيراً ومتنوّعاً من صواريخ المدفعية غير الموجّهة، فضلاً عن الصواريخ الباليستية والصواريخ المضادّة للطائرات والصواريخ المضادّة للدبابات والسفن. تطوّرت هذه القدرات بعد انخراط الحزب في سورية، واعتماد نموذج حرب المدن، وتدريب جنوده على حرب العصابات، بما يضمن تطوير القدرات القتالية للجنود المنخرطين في الحزب. انتقل حزب الله من قوة تحت الأرض إلى لاعب إقليمي في الصراع مع إسرائيل. وهو يستخدم استراتيجية الحرب الهجينة، حيث يمزج بين التكتيكات التقليدية المتمثلة بالقصف الصاروخي والمواجهات المباشرة مع العدو، والتكتيكات الحديثة عبر حرب الطائرات المسيّرة والحروب الذكية. ويعتمد على شبكة واسعة من الأنفاق للدفاع وتحقيق التنقل الاستراتيجي بين قواعده الداخلية سواء في الجنوب أو في الشمال الشرقي للبنان. وبحكم خوض حزب الله بمعارك سواء داخل لبنان أو خارجها كالحرب الأهلية في لبنان حتى 1991، وحرب تحرير الجنوب عام 2002 وحرب 2006 والمشاركة في الحرب في سورية منذ 2013، فقد طوّر الحزب قدراته القتالية على المستويات، الفردي والجماعي والعملياتي، وانتقل من نسق المعارك ضيقة النطاق، كما في جنوب لبنان، ضد الجيش الإسرائيلي، إلى نسق معارك خارجية عتادها صواريخ بعيدة المدى لها قوة تدميرية متوسّطة من طراز كاتيوشا روسية البالغ مداها 40 كيلومتراً، وصواريخ فاتح 110 إيرانية الصنع ذات مدى يبلغ 210 كيلومترات، ومنظومة صواريخ زلزال2 التي طوّرها الحزب عن الصواريخ الروسية FROG-7 القادرة على حمل 600 كيلوغرام من المتفجرات.

لدى حزب الله تكنولوجيا فعالة مضادّة للدبابات أظهرت كفاءتها في حرب تموز 2006 بعد تحطيم أسطورة ميركافا الإسرائيلية، ويعدّ هذا مؤشّراً على تغيير تكتيكات الحرب والقدرة القتالية للحزب، إلى جانب مؤشّر الخسارات البشرية والمادية التي ألحقها الحزب بجيش الاحتلال، وزادت بين 1993 و2006، لتنتقل خسائر الاحتلال الإسرائيلي من 26 جندياً في معركة “تصفية الحساب” عام 1993 لتصل إلى 120 عسكرياً وجرح 314 عسكريًا في حرب تموز 2006[3].

حرب المدن بالنسبة لحزب الله مهمة جداً، كونه يعتمد، بالأساس، على القوة البشرية البالغ عددها بحسب الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، حوالى مائة ألف مقاتل، وعلى قوة المشاة وقوات النخبة المدرّبة في ظروف قاسية منذ الحرب الأهلية اللبنانية وحتى دخوله في الحرب في سورية منذ 2013. ولضمان تنفيذ مهمّاته، اعتمد الحزب تشكيل فرق عسكرية داخلية مركزية القرار والتنفيذ، أهمها الفرق الثلاث، الرضوان والنجباء وبدر، بحيث يضمن انتشاراً كبيراً في أرض المعركة. وإلى جانب القوة البشرية الضخمة التي يتمتع بها الحزب، تأتي القوة الصاروخية المتطورة للحزب قوة ردع وهجوم، إذ أعلن الحزب في أغسطس/ آب 2023 عن تطوير منصّة مزدوجة للصواريخ المزدوجة تحت اسم “ثأر الله” مضادّة للدروع من طراز كورنيت، مع تطوير صواريخ أرض – أرض بعيدة وقريبة المدى من أبرزها طراز غراد. ينظر حزب الله إلى ترسانته من الصواريخ والقذائف باعتبارها الرادع الأساسي ضد العمل العسكري الإسرائيلي، في حين أنها مفيدة أيضًا في الضربات الانتقامية السريعة والاشتباكات العسكرية الأطول أمداً، والتي تأتي، في أغلب الأوقات، بعد عمليات اغتيال قادة في المقاومة الإسلامية، كما الحال في هجمات يناير/ كانون الثاني 2024 على تل أبيب، ردّا على اغتيال القائد الشيخ صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، واغتيال القائد في فرقة “الرضوان” وسام الطويل في جنوب لبنان.

من جهة أخرى، تعتمد حركة حماس (الجناح العسكري) على راجمات الصواريخ قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى، والمطوّرة محليًا من طراز عياش 250 وقسام 160 وm-75 وJ-80 ومنظومة صواريخ بدر-3[4]، وقذائف الياسين 105، كتكتيك هجومي مستهدفة المستوطنات الاسرائيلية، وثكنات الجيش الإسرائيلي المحيطة بقطاع غزة، وصولاً إلى تل أبيب، كما تستخدم أيضًا شبكة أنفاق معقدة[5] للهجمات المفاجئة والتسلل الهجومي وتأمين اللوجستيات والدعم التقني والفني للعمليات العسكرية.

مع تطوير أسلحة محلية الصنع، والاستفادة من الأسلحة التي تركها جيش الاحتلال بعد مغادرته القطاع عام 2005 وفي قسم لا بأس به يمرّ عبر الأنفاق من جهات دعم المقاومة[6]. ومع تعاقب المعارك، سيما  في 2008 و2014 و2019 و2021 وأخيرًا معركة طوفان الأقصى 2023، فكّكت حماس القدرات الدفاعية الإسرائيلية واستباحت السياج الحسي الإرشادي the indicative Sensorial Fence الذي بلغت كلفته بحسب موقع Foreign Policy حوالى 1.1 مليار دولار[7]، والمجهز من الاحتلال بتقنيات فائقة الدقة وأجهزة استشعار تولد تحذيرات عند لمسها أو محاولة تخريبها وينبّه أجهزة رصد الحركة والأسلحة الأوتوماتيكية المنتشر على طول السياج[8] ودخلت إلى عمق المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بالقطاع، ونفذت عملية عسكرية مباغتة ضربت عمق القدرة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية.

ومن المهم الحديث أن الجناح العسكري لحماس طوّر منظومة أسلحة من الصواريخ والمقذوفات الإسرائيلية التي لم تنفجر في أراضي القطاع، وأعادوا تدويرها لدى مصانعهم الخاصة، واستخدامها كمضادّات للدبابات والعربات الثقيلة [9]. أعدت “نيويورك تايمز” تقريراً مثيراً أوضحت فيه أن “حماس” تعتمد في جزء بسيط من ترسانتها العسكرية على استخدام أسلحة تم اغتنامها من القواعد العسكرية الإسرائيلية المحيطة بغزة، وهذا ما يبين ضعف تقديرات العدو حول قدرة “حماس” على الوصول إلى عُمق المستوطنات والثكنات العسكرية. وتُشير “نيويورك تايمز” في التقرير نفسه إلى أن الأسلحة نفسها التي استخدمتها قوات الاحتلال  لفرض الحصار على غزّة على مدى السنوات السبع عشرة الماضية، يتم استخدامها الآن ضدها بأثر عكسي مصدره “حماس”.

من المهم أن نلاحظ أن الجناح العسكري لحماس في معركة طوفان الأقصى، على أقلّ تقدير، غير تكتيكات الحرب التقليدية، وانتقل إلى المباغتة وشنّ الهجوم، على مستوطنات الغلاف، مستخدما طائرات شراعية وتكتيك التسلل الفردي الهجومي بآلياتٍ غير عسكرية وأسلحة خفيفة، واخترق الجدار الأمني الإسرائيلي، بمغامرة جريئة ضربت العمق الاستخباراتي الإسرائيلي. بعد انسحاب إسرائيل من غزّة عام 2005، غيّرت “حماس” قواعدها العملياتية لتصبح استجابتها لأي عدوان إسرائيلي أسرع، مع إبداء القدرة على شن هجمات مباغتة على قواعد الاحتلال كما في عملية “الوهم المتبدّد” عام 2006[10]، التي أفرزت أسر الجندي جلعاد شاليط، وثبتت موضع “حماس” قوة عسكرية لا تقبل بحدود مع مستوطنات إسرائيلية، وتسبّب قلقًا وجوديًا لدى المستوطنات والثكنات المحيطة بالقطاع؛ وأخيراً عبر عملية طوفان الأقصى 2023، التي هاجم فيها المقاومون 22 موقعاً على الجانب الإسرائيلي، أبرزها قاعدتا زيكيم العسكرية ورعيم ومعبر بيت حانون (إيرز) ومستوطنات ناحل عوز وكفار عزة[11]، وأعلنت “حماس”، عقب العملية، أسر حوالى 230 من الإسرائيليين المدنيين والعسكريين، ومنهم رتب عسكرية عالية. وأطلقت “حماس” ضمن هذا العملية التكتيكية حوالى خمسة آلاف صاروخ بالتوازي مع تكتيك التسلل واقتحام المواقع الإسرائيلية.

ومع تسارع مجريات عملية طوفان الأقصى، والتي انتقل فيها العدو من حالة دفاع انهارت فيها القبّة الحديدية تحت فعل صواريخ المقاومة، والتي أسفرت في أيامها الأولى عن مقتل 1538 إسرائيلياً، إلى حالة هجوم بحرب شعواء وصولا إلى غزوٍ برّي للقطاع، انتقلت “حماس” إلى تكتيك حرب المدن، كونه نتيجة طبيعية للحرب في المناطق البرّية المفتوحة، مستغلة بذلك وجود الأنفاق بوصفها ممرّات توريد وهجوم على وحدات المشاة والآليات الإسرائيلية، مع الاعتماد على قدرة المقاتلين على الاشتباك وتدمير آليات إسرائيلية من مسافة صفر. استفاد مقاتلو “حماس” من ضعف فرق المشاة الإسرائيلية من الجيل الجديد للجنود وعدم استعدادهم لخوض حرب المدن، سيما وأن آخر حرب مدن ضمن سياق التعريف التقليدي كانت في حرب لبنان 1982، وعدم معرفة العدو بأرض غزّة التي انسحب منها منذ 18 عاماً، وأمعنوا في ضرب القوة العسكرية البرّية للعدو من مسافة صفر.

ربما لم تدرك إسرائيل مغبّة شنّ حرب على غزّة، سواء على المستوى التكتيكي، المتمثل بخسارة عدد كبير من الجنود والآليات، وعدم القدرة على الوصول إلى مكاسب حقيقية تتمثل في إنهاء حركة حماس؛ أو على المستوى العملياتي كخسارة قرار إنهاء الحرب وفقدان الإرادة السياسية والعسكرية في ظل التخبط الحاصل في غرفة إدارة العمليات العسكرية للحرب على غزّة؛ لكن مسار الحرب أوقعها في شرك حرب المدن مع تكتيكٍ أكثر تطوّراً لاستغلال مداخل قطاع غزّة وشبكات الأنفاق.

خاتمة

يستخدم كل من حزب الله و”حماس” استراتيجيات الحرب غير المتكافئة لتعويض تفوّق إسرائيل على المستويين، التقني والحربي، ومستوى الدعم الدولي. ويعتمدان على شبكات واسعة من الأنفاق لأغراضٍ استراتيجية، بما في ذلك الهجمات المفاجئة واللوجستيات. وأقام كل منهما علاقاتٍ مع قوى خارجية (حزب الله مع إيران وسورية، و”حماس” مع دول الشرق الأوسط المختلفة)، تؤثر في قدراتهما العسكرية ووضعهما السياسي. ورغم أصولهما وأهدافهما المختلفة، يشترك حزب الله و”حماس” في تكتيكات واستراتيجيات عسكرية مشتركة، وفهم هذه التشابهات والاختلافات ضروري لفهم الديناميات المعقدة للصراعات في الشرق الأوسط.

*نشرت في العربي الجديد – قضايا في 16 شباط / فبراير 2024

Leave a Comment