سياسة مجتمع

زهيرهواري في ندوة المجلس الثقافي للبنان الجنوبي: فلسطين وسط المحرقة ومساندة لبنان بالخروج من مآزقه

بيروت 26 شباط 2024 ـ بيروت الحرية

أقام المجلس الثقافي للبنان الجنوبي ندوة في مقره يوم الخميس الماضي الموافق 22 شباط  تحت عنوان” مسار فلسطين ومصير لبنان”، حضرها حشد من الفاعليات الثقافية والناشطين السياسيين يتقدمهم أمين عام المجلس د. عبد الله رزق ورئيس المكتب التنفيذي لمنظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني زكي طه والمحامي مجيد ابراهيم والروائية عائدة أبو فراج  والنقابي أديب أبو حبيب والاستاذ محمود أبو شقرا وإبراهيم الراسي وحشد من المهتمين. وتحدث خلالها كل من مدير مكتب مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت رامي الريس، وأمين سر المكتب التنفيذي للمنظمة د. زهير هواري وأدارها عضو الهيئة الإدارية للمجلس زهير الدبس. بعد الوقوف دقيقة صمت عن روح أمين عام المجلس السابق حبيب صادق وأرواح  شهداء لبنان وفلسطين تحدث الريس بالأرقام والاحصاءات عن خسائر الشعب الفلسطيني خلال المواجهة الأخيرة داعياً دول العالم إلى التضامن مع الشعب الفلسطيني لدحر الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة على ترابه الوطني ومطالباً المنظمات الفلسطينية بتوحيد مواجهتها لعسف المؤسسة الصهيونية السياسية والعسكرية . وتلاه هواري . وهنا نص المحاضرة:

يحار المرء كيف يستهل حديثه عما شهدته وتشهده فلسطين، كل فلسطين. أي القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي العام 1948، أي كل شعب فلسطين في أرضه المحتلة وديار الشتات، حيث يتلقى بعضه خدمات وحماية ووعد العودة من وكالة الاونروا المهددة هي الأخرى بالتصفية. هل يتحدث أحدنا عن الجراح الثخينة والنازفة دون قدرة على وقف سيلان الدم، أم عن الآمال المجهضة، أم عن الحماسة والاحلام التي عاودت الارتفاع، بما يذكر جيلنا بتلك اللحظات التي توقعنا، أو تحققت فيها انتصارات جزئية في تاريخ نضالنا، ثم ما لبثت أن طوتها الهزائم والانكسارات. أقول ذلك وأعلم أن هناك أطفالا ونساءً ورجالا يستشهدون في مجازر لا تتوقف كل لحظة، وعداد الموتى والجرحى والمعوقين والمفقودين والمشردين لا يتوقف عند رقم، بما لا يمكن مقارنته مع المجازر التي شهدتها نكبة العام 1948 على أرض فلسطين، وكشفت عنها الوثائق الصهيونية نفسها بعد عقود طويلة من الصمت عن تاريخ ارتكاب جرائمها.  ونسأل هل نحن أمام نكبة جديدة قد تكون أقسى من سابقتها ما دام مصيرا الضفة والقطاع مترابطين في مشروع التصفية والمحو الإسرائيلي – الأميركي.

أقول إنه لا بد مما ليس منه بد، أي لا بد من الحديث عن مجريات الأمور التي نشاهدها على شاشة الاحداث، ويعيشها شعب فلسطين بعذاباته وجراحه وجوعه وعطشه. معاناة تبدو للبعض وكأنها استُحضرت من عالم آخر وقرون بعيدة غابرة حين كان فيها مستوى العنف في حدوده القصوى، حيث يموت الناس من عسف الاحتلالات والعطش والجوع والمرض وفقدان الدواء المنقذ، وما شابه من ضرورات العيش. قبل أن يأتي تطور البشرية بالتقدم ويتوصل إلى توقيع مواثيق وعهود لتأمين حقوق الانسان في المجالات كافة لتطوي الكثير من تلك المآسي.

أميركا أميركا

سأبدأ حديثي من الولايات المتحدة الأميركية التي قيل لنا منذ حوالي العقدين إنها تسعى إلى إقامة شرق أوسط جديد، ثم تكرر الوعد بتغيير خارطة المنطقة بعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/أكتوبر. لذلك حضرت اميركا وحلفاؤها بدبلوماسيتهم وأساطيلهم وبوارجهم، بينما كان قادة المعسكر الغربي يتقاطرون واحداً وراء آخر على تل أبيب، وفي مقدمهم الرئيس الأميركي جو بايدن. بعد هذه الأشهر المنقضية، وتلك العقود التي سالت فيها الكثير من الدماء والفوضى العارمة والتفكك الكياني الدولتي، يتبين أن ألجديد الذي وعدتنا به اميركا يتمحور حول ضمان مصالحها الاستراتيجية أطول فترة ممكنة، كونها كانت وما تزال شرطي العالم، وبصفتها القطب الوحيد في العالم القادر على إعادة ضبط دينامية المنطقة على إيقاع أرباحه. انطلاقا من الاعتراف أنها ما تزال القوة الأكثر تأثيراً وحضوراً على امتداد الكوكب براً وبحراً وفضاءً. على أن اهتمامها راهنا بات محصوراً في منطقتنا بنقطتين أساسيتين فقط هما:

الأولى هي أمن إسرائيل، والثانية هي استنزاف ما تبقى من نفط وغاز في شبه الجزيرة العربية والعراق وايران وشرق البحر المتوسط. ويقال إن الموعد لانتهاء عصر النفط هو العام 2050 ، أي بعد سنوات لا تزيد عن ربع قرن، وبعدها تتجاوز الطاقة وآلة الصناعة الرأسمالية الحديثة والبشرية الوقود الاحفوري بمنوعاته لصالح ما هو أكثر تطوراً.

وهنا يتحدد دور إسرائيل الضروري والحاسم ليس للولايات المتحدة، بل لمجمل العالم الصناعي الغربي الذي رأيناه يهب برمته نصرة لعدوانها، بصفتها القلعة المتقدمة لحماية شبكة المصالح الأميركية والغربية، والحارس الأمين لاستمرار التخلف العربي مقيما في ربوعنا وبلادنا. فقط نقول إن فاتحة هذا التحول دون منازع تمثلت بقيام الكيان الصهيوني ثم حرب العام 1967 وما تلاها من حروب، وصولاً إلى تمزيق تجزئة سايكس – بيكو وما أرسته من كيانية عربية كما نلمسه راهناً. إذ إن أحداً لا يستطيع أن يدعي أن سوريا والعراق واليمن ولبنان وليبيا ما تزال دولاً موحدة، بينما العديد من الأقطار العربية محاصرة بالمشكلات التي تتهدد حاضرها ومستقبلها. أما الدول العربية النفطية التي نفذت التطبيع أو في طريقها إليه مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ووقعت معها معاهدات، فمستثناة من أحكام التمزيق لاعتبارات استراتيجية واقتصادية وطائفية وقبلية وجهوية وغيرها. وهكذا بات التقسيم بمثابة أمر واقع، ووحدة هذه الكيانات ذكرى من مراحل سابقة.

وخلافاً لما يتوهمه البعض، لا يختلف في الواقع الرئيسان الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطي جو بايدن عن بعضهما، فما يمارسه الأخير الآن هو استكمال لـ “صفقة القرن”، التي أرادت اميركا منها أن تتولى إسرائيل إدارة المنطقة بتكليف وتحت عين الراعي الأميركي، وبما يحقق حماية المصالح المشتركة بما هي نهب الثروات والانضباط تحت سقف التخلف المقيم.

ولا يختلف مخطط بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي وجماعات اليمين الصهيوني المتطرف، عن المخطط الأميركي الذي يتبناه الرئيس الحالي جو بايدن، فالاول يكرر صبح مساء رفض الاعتراف بوجود شعب فلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 ، بينما يحرص الثاني رغم الضغوط التي يتعرض لها من حزبه والرأي العام الأميركي والدولي، لكنه في المقابل فعلياً أكثر تأييداً لإسرائيل، وأكثر مراوغة في التعامل مع ما يجري في غزة أو على الحدود اللبنانية والبحر الأحمر كمهددات للأمن الإسرائيلي، وحرية مرور النفط والبضائع الأخرى عبر الممرات الضيقة في باب المندب، ومضيق هرمز وقناة السويس ومضيق جبل طارق. المقصود القول إن الدولة العميقة في اميركا لها أجندة عابرة للحزبين وللرؤساء وإن اختلفت لغة التعبير واللكنة بينها، وهي التي تنظر للمنطقة من منظار الثروات والأمن الاسرائيلي.

الاونروا وإلغاء حق العودة

اذا كانت الإدارة الأميركية السياسية والعسكرية والأمنية قد هرعت من أعلى الهرم إلى أسفله للمجيء إلى إسرائيل، ومشاركة المستشارين والخبراء والمسؤولين التنفيذيين في إدارة الحرب، واقامة جسر جوي وبحري لنقل الأعتدة والذخائر، وتشاركت معها الدول الغربية في مهمة إعادة إيقاف إسرائيل على أقدامها بعد الضربة التي تعرضت لها على أيدي المقاومة الفلسطينية، فيجب أن نضع ما تعانيه وكالة الاونروا الآن من قطع التمويل عنها في نطاق الدعم الأميركي المفتوح لإسرائيل، وممارسة الضغط على الشعب الفلسطيني للرضوخ لما تقررانه له من مخططات. ويدل سيناريو وقف التمويل عن الوكالة الذي بادرت له اميركا والدول المانحة بمجرد إدعاء إسرائيل أن 12 فردا من موظفي الوكالة البالغ عددهم حوالي 13 ألفاً ساهموا في العملية العسكرية التي استهدفت مستوطنات غلاف غزة. حدث هذا دون التثبت من صحة الادعاء، ما يعتبر بمثابة دليل إضافي على التوجه نحو فرض عقاب جماعي على ملايين الشعب الفلسطيني، وكذلك بهدف التخلص من الوكالة أصلا وبالأساس، التي قامت على أساس استمرار دعم صمود وبقاء الشعب الفلسطيني في لجوئه حتى عودته إلى بلاده. أي إن حق العودة والحفاظ على هويته هو في صميم قيام الوكالة وممارستها مهامها منذ العام 1950 والى الآن.

وعليه، من الواضح أن الخطة الأميركية وصلت إلى مرحلة مختلفة من العداء، والتصميم على خنق مصادر صمود الشعب الفلسطيني، ومشاركة إسرائيل في ابتزاز أهل غزّة، بعد نسف كل معالم ومقومات الحياة البشرية من ممتلكات ومؤسسات ومعالم عمران ومصادر رزق، وحوّلت المدينة والقطاع إلى أرض يباب ومنطقة غير قابلة للعيش، لدفع أهلها إلى التهجير القسري. ولذلك تأتي الحرب على “الاونروا” كونها الشاهد الأممي في سياق الحرب على الشعب الفلسطيني، وبهدف دفن حق العودة الذي ضمنته القرارات الدولية ومنهقرار قيام الوكالة وممارستها دورها السياسي والإنساني.

وما تتعرض له الاونروا هو من باب الرد على قرارات محكمة العدل الدولية التي وضعت إسرائيل في قفص الاتهام، مثلها مثل الأنظمة النازية والعنصرية التي عرفتها البشرية. ومن المعروف أن الاتهامات الإسرائيلية والأميركية للوكالة، هدفها دعم المطالبة بإنهاء عملها وتحويل اللاجئين المسجلين لديها إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في العالم، وبذلك يضيع اللاجئون الفلسطينيون، أي 5.6 مليون نسمة بين حوالي 104 ملايين لاجيء في العالم مسجلين لديها. ويصبح هَمّ المفوضية هو تدبير دولة لجوء لهم أسوة بباقي اللاجئين في العالم، وبذلك ترتاح إسرائيل من حلم عودة اللاجيء الفلسطيني إلى أرضه، وهو ما تتوارثه الأجيال الفلسطينية كذاكرة شعبية جماعية. وقد سبق ذلك اتهامها بزرع الكراهية، واخفاء مدارسها أنفاقاً ومخابيء للأسلحة والذخائر والمقاومين، وتخريج طلاب معادين للسامية وما شابه، وثبت بطلان ذلك كله.

الدوران الإيراني والتركي

بعد هذه الجولة الواسعة، يبقى من الواجب الإشارة إلى الدور الإيراني الذي ساهم هو الآخر بتفكيك عناصر صمود المنطقة والدول العربية، مستفيداً من تدمير اميركا حائط الصد العراقي في العام 2003 واسقاط ديكتاتورية صدام حسين. لقد انطلقت ايران من هذا الإنجاز لتضع يد قوتها الفئوية والمذهبية على أربع عواصم عربية، وأدارت الحياة السياسية فيها بما شحن وحدتها المجتمعية بالعسكرة وعناصر التفجير، وعطَّل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية من أجل خدمة مصالحها كصاحبة حصة في مقدرات هذه الدول وسواها. ويتم الآن تصعيد استعمال القضية الفلسطينية بأيد عربية، بينما يتولى المفاوض الإيراني التواصل وتبادل الرسائل مع اميركا عبرالوسيط العُماني أو القطري لتقرير مصيرنا. عندما أتحدث عن ايران لا يمكن أن أستثني تركيا وتدخلاتها السياسية والجغرافية والديموغرافية والمائية والاقتصادية في كل من العراق وسوريا بذريعة محاربة الاكراد. والحصيلة التي انتهي إليها تؤكد أن المنطقة العربية باتت مجرد مشاريع دويلات تنتظر الفتاوى الأميركية والغربية لترسيخ قيامها عملياً، بينما الثابت الوحيد على هذه الأرض هو الكيان الصهيوني دون سواه.

لبنان وهاوية الانفجار

ولبنان هو وطننا وبيت القصيد، ومستقبله مصيرنا. لا داعي لنعد كم من الوزراء الغربيين والعرب قصدوه خلال الأشهر الماضية مطالبين بالعمل على تلافي انفجار الموقف من خلال تطبيق القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن في العام 2006 دون جدوى أو نتيجة تذكر. لقد جرى الإعلان عن التمسك بما يصفه حزب الله إسناد مقاومة غزة من خلال جبهة الجنوب اللبنانيِ، مثله مثل ما يقوم به الحوثيون في اليمن من خلال تعطيل الملاحة في البحر الأحمر، فكان أن أصبح هذا البحر وما حوله مجرد بحر غربي تجوبه الأساطيل والبوارج الغربية. أيضا يمارس الحشد الشعبي العراقي بقرارات ايرانية قصفه الثكنات الأميركية والتحالف الدولي بالمسيرات هو الآخر. وكل هذا يعني أن الأنظار الدولية والأممية قد تشتت عن قطاع غزة والضفة الغربية لتتوزع على هذه الجبهات المتناثرة بما فيها جبهة الجنوب اللبناني. السؤال الذي يطرح نفسه بعد هذه الأشهر من الحرب الضروس من الطرف الأميركي – الإسرائيلي هو كم ساهمت معركة الإسناد هذه في توزيع قوة الجيش الإسرائيلي بعد أن أضيفت له القوات الأميركية والغربية المحتشدة في بحار وقواعد المنطقة. الواقع أن مساندة الشعب الفلسطيني في مواجهة حمّى العدوان ليس لها شكل واحد، بل هناك العديد من الأشكال قد لا يكون العمل العسكري هو الوحيد بينها، في وطن يعيش من دون رئيس للجمهورية، وحكومة شرعية مكتملة المواصفات، وفي ظل مجلس نيابي مترع بالانقسامات ومؤسسات لا تعمل، وخراب في الإدارات العامة والخاصة، وانهيار اقتصادي ومالي واجتماعي ونقدي ومعيشي، ونهب لموارد اللبنانيين التي جمعوها من المهاجر والمغتربات ومن العمل في بلادهم … بلد يعاني كل هذه الاعطاب هل يستطيع دعم شعب فلسطين والمقاومة الفلسطينية؟ إن تدعيم مقومات بقاء لبنان وصياغة تسوية تفتح الأبواب أمام حل المشكلات المتراكمة وتعمل على تماسك وحدته الداخلية في سائر مكوناته بدل سياسات التخوين والاتهام بالعمالة، وحماية البلد من مصير يشابه ما تتعرض له غزة وخان يونس ورفح والضفة الغربية، هو أهم دعم يمكن أن يقدمه لبنان للقضية الفلسطينية. كما أن وقف الحرب الاهلية في سوريا ولملمة جراح الناس هو أثمن مساهمة في إسناد الشعب الفلسطيني. وانتظام الحياة السياسية والمجتمعية وتجاوز الانقسامات الدموية والطائفية في اليمن والعراق هو مساهمة لا تقدر بثمن في دعم صمود الشعب الفلسطيني.

كل النذر تتراكم، وقد تندفع الأوضاع في جبهة الجنوب نحو الحرب الواسعة، إلى حد يصعب التحكم بمساراتها لحسابات تتعلق بالمناخات الانتخابية الأميركية. لا يعني ذلك أن اميركا تخلت، أو تنازلت عما تصفه بأنه حق إسرائيل في الدفاع عن أمنها. أكثر من ذلك ترفض الإدارة الاميركية محاولات حزب الله لتعزيز دوره السياسي في لبنان، باعتباره امتداد للنفوذ الإيراني سواء من خلال الترسيم البري أو تسهيلات الحلول والمعالجات السياسية والاقتصادية الداخلية. لذلك تأتي المبادرات في ترتيب الوضع من جانب كل من فرنسا وبريطانيا بالدعوة إلى انسحاب الحزب إلى شمال الليطاني ومعه أعتدته الثقيلة ووحداته النظامية تنفيذا للقرار رقم 1701، بما يكفل أمن المستوطنات الشمالية وعودة سكانها لها. بالمقابل يؤكد الحزب ومعه المسؤولون اللبنانيون ( ميقاتي وأبو حبيب ) أن لا حلول إلا بعد وقف اطلاق النار في غزة. وتبعاً لذلك تتلاحق التهديدات الإسرائيلية باستكمال تهجير أهل الجنوب وتدمير لبنان ومرافقه. ولعل المعضلة التي تبدو ماثلة للعيان أن الحزب لا يستطيع الموافقة على الطروحات الأميركية والإسرائيلية، ويصر على البقاء ضمن قواعد الاشتباك وعدم الوقوع في الاستدراج الاسرائيلي بالخوض في حرب تدميرية مفتوحة. هذا مع العلم أن إسرائيل تجاوزت قواعد الاشتباك مراراً وتكراراً ووصلت بعدوانيتها واغتيالاتها إلى الضاحية الجنوبية واقليمي الخروب والتفاح والنبطية وصيدا وصور.

الواضح أن الحزب لن ينسحب من المعركة التي افتتحها، ولن يقدم على تسجيل تنازلات مجانية، محاولاً الحفاظ على ثوابته في عدم التصعيد القتالي كي لا يمنح إسرائيل الذريعة للانتقام، وبالتالي إغراق لبنان بالمزيد من وقائع الخراب والفوضى السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية والإدارية، ولكن فات قيادات الحزب أن اسرائيل قد تقرر تصعيد وتيرة عدوانها، عندما تجد الظروف مؤاتية لفتح جبهة الشمال بعد أن تحسم جبهة الجنوب في قطاع غزة. وبناءً على هذه المقدمات يمكن القول إن معركة المساندة التي أعلنها حزب الله مستمرة، دون الالتفات الى الاكلاف التي يُدفِّعها للاهل والتي تجاوزت الـ 250 شهيدا وللبلد بما بات يقدر حتى الآن بـأكثر من 1.5 مليار دولار. وتراهن إسرائيل على انتزاع الموافقة الأميركية للهجوم على لبنان بعد استنفاذ الجهود الدبلوماسية الوقت الذي أعطي لها، ما يتيح لها تنفيذ تهديداتها والدخول في حرب مفتوحة باهظة الاثمان. بعد أن أعدت العدة لها وعملت على نقل وحدات قتالية إضافية إلى جبهتها الشمالية. ولاسرائيل ثارات وثارات على لبنان منذ الستينيات من القرن الماضي مروراً بهزيمة جيشها على أرض لبنان وتحرير تراب الوطن دون قيد أوشرط.

إن وضع لبنان في كفة الأوضاع الإقليمية الملتهبة من شأنه أن يقذف بكيانه وبنيته وهشاشة أوضاعه من مختلف النواحي إلى آتون لا مخرج منه، وهو قرار أشبه ما يكون بالمقامرة في ظل هذا الكم من الأسلحة والأعتدة المتقدمة التي يحشدها العدو. خصوصاً وأن اللبنانيين مختلفون على مستوى وحدود الدعم الذي يعدون بتقديمه لفلسطين وأهلها وبما لا يفيض عن قدرتهم على الاحتمال.

… أما الفلسطينيون الذين يتعرضون لأهوال هذه المذبحة كبشر، وبسائر فصائلهم وتشكيلاتهم، فمطالبون الآن وفي المقبل من الأيام ودون تأخير، باعتبار المقاومة عملية متكاملة يشارك فيها الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والداخل والشتات بطاقاته كلها، ومعه كل أحرار العالم الذين ملأوا شوارع العواصم والمدن الغربية والعربية نصرة لحقوقه ورفضا لحرب إبادته المعلنة. على أن تشمل هذه المقاومة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، والتوصل إلى صياغة برنامج عمل يشمل كل أشكال النضال العنفي والسلمي معاً، والصراع المثابر ضد نظام الأبارتهايد والتمييز العنصري، وعلى أن يغطي مجالات السياسة والاعلام والتعليم والبحث والثقافة والفنون والتنمية والإعمار. ومثل هذا المسار يتطلب وحدة الصفوف فصائلياً وشعبياً، وتحديد دحر الاحتلال هدفاً رئيساً، والنظر إلى معركة طوفان الأقصى كخطوة من خطوات سابقة ولاحقة على الطريق الطويل والشائك والدامي، وبما يمهد لخطوات أخرى أكثر تقدماً لاحقاً.

وختاماً إذ أشكر اصغاءكم أقول إن هذه الخارطة التي وإن كانت تحدثت عن نكبة جديدة لا تبعث على التشاؤم، بقدر ما تشحذ عزائمنا جميعاً لصناعة الأمل مهما غلا الثمن .

Leave a Comment