سياسة

مجلس الامن يغطي الحرب الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وقضيته

زكي طه

بيروت 26 آذار 2024 ـ بيروت الحرية

“إن الامتناع عن التصويت في مجلس الامن لا يعني تغييراً للموقف، وهو قرار غير ملزم”. هكذا وصف الناطق باسم الولايات المتحدة الاميركية عدم اعتراضها على قرار مجلس الامن الذي صدر بموافقة اربعة عشر دولة. يؤكد ذلك المفاوضات حول نص مشروع القرار الذي تقدمت به الدول العشر المنتخبة. والذي جرى بموجبه ادخال التعديلات التي طلبتها الولايات المتحدة شرطاً لعدم التصويت ضد القرار وليس الموافقة عليه، باعتباره البديل عن مشروعها الذي عطل إقراره الفيتو  الروسي والصيني.

وعلى أهمية القرار من حيث الشكل كما يحلو للبعض وصفه، باعتباره القرار الاول الذي  يطالب بوقف “اطلاق النار”، عدا كونه وبفعل الفيتو الاميركي، الاول الذي يتناول الحرب الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، بذريعة العملية التي نفذتها حركة حماس في السابع من تشرين الاول الماضي. ويضيف هؤلاء بأن القرار يشكل صفعة سياسية احتجاجية من قبل المجتمع الدولي للممارسات الهمجية والبربرية الاسرائيلية، وما تخللها من عمليات إبادة جماعية وتدمير وتهجير، ومن تصعيد للحصار ومنع دخول المساعدات. مما لم يعد بالامكان تبريره أو السكوت عنه حتى من قبل الدول التي تنافست على تأييد الحرب وتبني أهدافها، كما في تقديم الدعم السياسي والمادي لاسرائيل، وسط تجاهل تام للحصار المفروض على قطاع غزة وللاستيطان، الذي يحاصر الضفة الغربية والقدس.

صحيح أن القرار يدعو إلى وقف اطلاق النار، حصراً خلال شهر رمضان وفي  قطاع غزة. ما يبرر طرح السؤال حول ما بعد رمضان، والكثير من الاسئلة حول أسباب تجاهل ما يقوم به الجيش الاسرائيلي والمستوطنين في الضفة الغربية والقدس، من عمليات قتل واعتقالات وتدمير ومصادرة الاراضي. ورغم عدم تضمين القرار آلية لتنفيذه، ليس مستهجناً أن تحظى الدعوة المتأخرة التي انطوى عليها بالترحيب فلسطينياً وعربياً، علًها تفتح أفقاً لوقف الحرب أو وسيلة لمنع المقتلة الجماعية في قطاع غزة أو مخرجاً لحماس والسلطة من المأزق الذي يحاصرهما. كذلك لم يكن مستغرباً أن يُقابل من جانب اسرائيل بما يكفي من الادانات لمضمونه، ومن حملات التوبيخ للدول التي تبنته ووافقت عليه. وهذا ما بدأه مندوبها بعد التصويت عليه خلال جلسة مجلس الامن.

لكن الأهم والأخطر، ما أدلت به مندوبة الولايات المتحدة، بأن تنفيذ القرار يبدأ عند الافراج عن أول رهينة اسرائيلية. الأمر الذي يُحمّل حركة حماس مسبقاً المسؤولية عن استمرار اطلاق النار. ما يشكل وسيلة للضغط عليها لانتزاع موافقتها على  شروط الهدنة المرفوضة من قبلها، باعتبارها تنطوي على الاقرار بالهزيمة التي تتجنب التسليم بها، بديلاً عن المضي في اعلان الانتصار على رافعة اطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين الذين جرى تجاهل أمرهم في نص القرار.

من الواضح أن الموقف الاميركي يعفي اسرائيل من المسؤولية ويبرر لها متابعة حربها، وتصعيد عملياتها بما فيه تنفيذ تهديداتها بشأن اجتياح رفح. وهو ما بدأت التمهيد له عبر القصف التدميري في بعض احيائها، في موازاة العودة إلى اقتحام المستشفيات والتنكيل بالمرضى والجرحى والطواقم الطبية واعتقال من تشاء منهم.

صحيح ايضاً أن قرار مجلس الامن، دعا إلى إزالة جميع العقبات أمام ادخال المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر. لكنه لم يقرر أية آلية لهذه الغاية. بل ربطها بوقف اطلاق النار. هذا عدا تجاهل المجاعة التي اصبح القطاع  بنتيجتها مقبرة  جماعية مفتوحة، وفق الامين العام للاتحاد الاوروبي. لأن اسرائيل لم تكتفِ بتصعيد الحصار وتجاهل المناشدات الدولية وعدم السماح بإدخال المساعدات، بل تعمدت تحويل المجاعة سلاحاً للنيل من تجمعات النازحين التي تنتظر وصول المساعدات، واضافته إلى سائر الأسلحة الأخرى التي تنفذ بواسطتها المجازر البشرية وعمليات التدمير على غير انقطاع.

رغم كل الالتباسات التي ينطوي عليها القرار لمصلحة اسرائيل، والتي جعلت وزير الخارجية الاميركي، يؤكد أن القرار لا ينال من قدرة اسرائيل على متابعة الحرب وتحقيق اهدافها. لم يكن مستغرباً أو مفاجئاً أن يسارع رئيس وزراء العدو إلى التاكيد على استمرار الحرب، وان يعلن وزراء حكومته رفضهم للقرار. خاصة وأن تاريخ الدولة العبرية حافل بتجاهل قرارات الامم المتحدة ورفضها في آن. علماً أن الرفض الاسرائيلي لا يتعارض مع الامتناع الاميركي الذي لا يشكل تغييراً في الموقف من اسرائيل، أو من  استمرار الحرب واهدافها التي قرراها معاً. ولذلك لم تتأخر المواقف الاميركية التي تكرر الالتزام بضمان وجود اسرائيل وأمنها، وبتوفير متطلبات استمرارها.

وعليه فإن التباين والخلاف بين الطرفين يقع تحت سقف الاستراتيجية الاميركية  التي يشكل وجود ودور اسرائيل أحد مرتكزاتها الاساسية في المنطقة. كما وأن موقف الحكومة الاسرائيلية الرافض للقرار، وبالقدر الذي يعكس قدراً من تطلب محاولة تحقيق أهداف الحرب بأسرع وقت وبأقل قدر من الخسائر، فإنه يعكس ايضاً قدرة القيادة الاسرائيلية على استغلال موقعها وطلب المزيد من اشكال ووسائل الدعم الضرورية لتعزيز قدراتها واستكمال حربها. هذا عدا  تمكين  الادارة الاميركية من استغلال الرفض الاسرائيلي لمطالبة الوسطاء العرب بالمزيد من الضغط على حماس  للقبول بشروط الهدنة. في موازاة السعي للحصول على المزيد من التنازلات  في اطار التطبيع مع اسرائيل في سبيل محاولة اقناعها بوقف اطلاق النار وإدخال المساعدات، أو الموافقة المبدئية على شعار حل الدولتين. وهو الامر الذي يعكس حالتي التواطوء والعجز العربي  في التعامل مع  الحرب على الشعب الفلسطيني وقضيته.

من الواضح والمؤكد أن الرؤية الاميركية الاوسع لوظائف الحرب الاسرائيلية  على قطاع غزة وفي الضفة الغربية،  قادرة على احتواء الخلافات مع القيادة الاسرائيلية، وعلى تحويل التباينات مكاسب للطرفين باعتبارها أوراق يمكن استغلالها، انطلاقاً من  ترابط اهداف اسرائيل وحربها، وتشابكها مع الاهداف الاميركية الاستراتيجية على صعيد المنطقة وفي المدى الاقليمي،  والتي يؤكدها دورها ومشاركتها في سائر الحروب المفتوحة من عقود في العديد من بلدان المنطقة، والتي تتجاور فيها مع شركائها وحلفائها وخصومها  الذي يبحثون عن مصالحهم أو عن أدوار لهم  تحت سقف هيمنتها. يستوي في ذلك الدول الاوربية وروسيا والصين، ولا تختلف عنها تركيا أو ايران.

وبعيداً عن التحليلات والقراءات الجزئية أو التبسيطية للسياسات الاميركية، من المؤكد أن انخراط اميركا في أزمات المنطقة ومشاركتها في ما هو قائم من حروب بما فيها الحرب الاسرائيلية الحالية، لا تشكل أزمة لها. بقدر ما هي ميادين  صراع مفتوح في اطار استراتيجيتها العامة  للسيطرة والهيمنة على الصعيدين العالمي والاقليمي. لذلك وخلافاً للكثير من التقديرات، فإن اكثر المعطيات والمؤشرا  لا توحي بأن الاداء الاميركي ينم عن استعجال لتحقيق أهدافها بأي ثمن، أو أنها بصدد الاسراع لانهاء الحرب كيفما كان. في المقابل من السهولة تبيان كم أن تلك  الازمات والحروب هي بالنسبة لها ميادين استثمار متعددة الأوجه في خدمة مصالحها الآنية والبعيدة.

وما يؤكد هذا التوجه هو الدأب الاميركي في السعي لتطويع خصومه ومنافسيه وشركائه، والعمل على استنزاف مصادر قوتهم، عبر استغلال عوامل الانقسام القائمة والاستثمار في سبيل دفعهم  للرضوخ لخياراته التي يعرضها عليهم، في ظل الامكانات لتغيير الوقائع وتبديل المعطيات على طريق إعادة تنظيم أوضاع المنطقة واخضاعها في آن. ولذلك ليس مفاجئاً تعامل الآخرين مع الولايات المتحدة باعتبارها الخصم والحكم في آن.

هكذا هو الامر في الساحة الفلسطينية، التي تحولت إلى مختبر لانتاج الافكار والبدع التي تجعل من القضية الفلسطينية، قضية انسانية تستدعي العمل على تحسين أوضاع السكان وتقديم المساعدات لهم لابقائهم على قيد الحياة، أو لتمكينهم من العيش بسلام، كما هو الحال  في إلقاء المساعدات من طائرات اميركية وعربية، أو من خلال ما يسمى المرفأ العائم  مقابل شاطىء غزة وما يثيره من اسئلة وشكوك.  أما الغاية من فرض التسليم بما يعرض من خيارات ادارية  في ظل الاحتلال واعطائها مسميات سلطة أو دولة، سواء عبر  سلطة وجهاء العشائر، او حكومة التكنوقراط، فليس سوى وسيلة  لتهميش الصعيد السياسي لقضية الشعب الفلسطي بما هي قضية  تحرر وتحرير وحقوق وطنية. وعزلها عن  اهتمام شعوب البلدان العربية التي تبحث عن أمنها واستقرارها تحت سقف الرعاية الاميركية، أو عن مصائرها  بين مسارات حروب انظمتها المفتوحة وسلطات الامر الواقع التقسيمي الذي تتحكم به أو تحكمه بقوة التدخلات الخارجية. وهكذا هو الحال في لبنان و سوريا والعراق واليمن وسواها.

إنه الواقع الصعب الذي تحاول بعض القوى تغطيته باعلانات الانتصار الوهمية  على رافعة الانقسامات والمشاريع الفئوية، وعبر مصادرة ارادة مجتمعاتها والتضحية بها وبمصالحها خلافاً لارادتها وبعيداً عن مصالح بلدانها، وفي أحسن الاحوال تتوجه إلى اميركا لاخراجها من مأزق ادعاء العداء لها… إنه الواقع الذي بموجبه  تتجدد الاسئلة الصعبة التي تستدعي البحث عن مشاريع أجوبة مجدية لها، كما تتطلب المشاركة في انتاجها وصياغتها والعمل بهديها، انطلاقاً من ترصيد حسابات التجارب السابقة وما انطوت عليه من تجارب ومغامرات واخطاء وخطايا، بديلاً عن اليأس والاستسلام، وعن الانتظارية القاتلة وإرضاء الذات عبر التنظير على الآخرين.

Leave a Comment