سياسة صحف وآراء

ماذا حقّقت هدنة غزة من مكاسب لنتنياهو وحماس؟

أحمد عبد ربه*  

بانتهاء الهدنة واستئناف جيش الاحتلال الإسرائيلى حربه وتركيزه على مناطق جنوب قطاع غزة التى كان قد أعلنها آمنة للسكان المدنيين قبل ذلك، نكون قد أمضينا أسبوعا كاملا عادت فيه للفلسطينيين والفلسطينيات فى غزة بعض من آدميتهم المهدورة، وعاد الجميع لالتقاط الأنفاس قبل استئناف آلة القتل الإسرائيلية للمجازر المروعة مرة أخرى!

برغم الحديث عن محاولات مصر وقطر والولايات المتحدة لإبرام هدنة جديدة، من غير الواضح حتى الآن إن كانت ستنجح، وإن نجحت فكم عدد الأيام التى ستصمدها المرة القادمة، ففى النهاية من المؤكد أن الحرب لن تنتهى، وأن إسرائيل تنوى خوضها على مراحل!

بانتهاء الهدنة التى أعادت للدبلوماسية المصرية رونقها، وأثبتت أنه بعكس التكهنات التى سادت بعد توقيع ما عرف بالاتفاقيات الإبراهيمية التى طبعت العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية بأن دور مصر الإقليمى سينزوى لصالح لاعبين جدد، إلا أن هذه الحرب أثبتت أن دور مصر لا غنى عنه سواء من الناحية الدبلوماسية أو السياسية أو حتى العسكرية فضلا عن الإنسانية!

أقول بانتهاء هذه الهدنة، فلابد من مراجعة مكاسب وخسائر كل طرف من أطراف هذا الصراع حتى الآن وذلك لاستشراف مستقبل هذه الحرب والكيفية التى ستنتهى بها.

فى هذا المقال، أراجع مكاسب وخسائر الطرف الإسرائيلى من هذه الحرب بالاعتماد على وسائل الإعلام العبرية المترجمة، أو الموجهة بالإنجليزية والعربية!

يمكن القول إن هذه الهدنة حققت مكسبين اثنين لحكومة حرب نتنياهو:

المكسب الأول هو أنها مكنته من الحصول على عدد كبير من الرهائن المدنيين أحياء، وهو أحد الأهداف الرئيسية لحربه على غزة! صحيح أن هذا الهدف لم يتحقق كليا، فمازال هناك بحسب التقديرات الإسرائيلية على الأقل ١٣٧ شخصا أسيرا/محتجزا لدى حركات المقاومة، لكنه خفف بعضا من ضغط الرأى العام عليه، وهو الضغط الذى تصاعد بشكل كبير فى أيام ما قبل الهدنة، حتى وصل إلى مسيرات ومظاهرات واعتصامات فى شوارع إسرائيل تحمله ليس فقط مسئولية الفشل الأمنى الذريع يوم ٧ أكتوبر، ولكن أيضا مسئولية سلامة كل هؤلاء المدنيين وإرجاعهم أحياء إلى بيوتهم! كذلك ركز الإعلام العبرى على أن أحد المكاسب الفرعية هنا، وهو تنفيذ الصفقة بثمن منخفض كثيرا عن صفقات التبادل السابقة مع حماس، فهذه المرة كان الثمن واحدا مقابل ثلاثة، أى مقابل كل رهينة إسرائيلية يتم الإفراج عن ثلاثة من الفلسطينيين المحتجزين فى سجون الاحتلال، فى حين الثمن وقت صفقة الجندى جلعاد شاليط مثلا كان واحدا مقابل ألف!

أما المكسب الثانى فقد تمثل فى إعطاء هدنة نفسية وعسكرية لجنود جيش الاحتلال من أجل إعادة مراجعة الخطط العسكرية، وتقديم الدعم النفسى والمعنوى للجنود! فعلى الرغم من الآلة الإعلامية الإسرائيلية التى حاولت تصوير أن حماس فى طريقها للزوال وبالتالى هى من سعت إلى الهدنة، إلا أن الحقيقة ومن وسائل الإعلام العبرى ذاتها أن الجيش الإسرائيلى احتاج هذه الهدنة بشدة، وأن أحد أسباب قبول نتنياهو بها هو التقارير التى وصلت له عن الحالة النفسية للجنود جراء الخسائر البشرية الكبيرة فى صفوفهم بين قتيل ومصاب بعاهات مستديمة أو إصابات خطيرة! احتاج الجيش هذه الهدنة من أجل إعادة تقييم الخطط العسكرية فى ضوء تكتيكات مقاتلى حماس التى فاجأت إسرائيل، ومحاولة رفع روح الجنود المعنوية وخصوصا فى ظل تقارير عن محاولات هرب من جبهة القتال وتصاعد الانتقادات العلنية لنتنياهو بين جنود الجيش وأسرهم!

فى مقابل هذين المكسبين فقد تكبدت حكومة الحرب فى إسرائيل أربع خسائر رئيسية بسبب هذه الهدنة وهى:

الخسارة الأولى، مزيد من الخسائر أمام الرأى العام العالمى ولا سيما الغربى، ففى حين حاولت إسرائيل شيطنة حماس وتصويرها على أنها مجموعة إرهابية بلا رحمة، فقد تمكنت الأخيرة من إخراج مشهد الأسرى الإسرائيليين والأجانب بشكل محترف دمر ما رددته إسرائيل منذ بداية الحرب عن سوء المعاملة، بل والادعاء بأن حماس ربما تقتل الأسرى بالمخالفة للقانون الدولى! الحقيقة أنه ورغم أن ابتسامات الأسرى عند تسليمهم للصليب الأحمر لا تعنى بالضرورة سعادتهم بالأسر ولا بحسن المعاملة، فمن البديهى أنهم سعداء بانتهاء محنتهم، كما أن هناك احتمالات لكونهم يقومون بتنفيذ تعليمات حماس بالابتسام أمام الكاميرات، لكن ظهور الأسرى بشكل جيد بدنيا وبدون أى علامات ظاهرة ولا باطنة تدل على التعذيب، وفى ظل شهادات بعضهم بحسن المعاملة، فإن إسرائيل قد خسرت بشدة هذه المعركة الدعائية، ولم يتبقَ لها سوى منع حديث الأسرى العائدين إلى الإعلام لتلافى قولهم حقيقة حسن معاملة حماس كما ادعى عكس ذلك فريق نتنياهو قبل الهدنة!

الخسارة الثانية، تمثلت فى إعطاء فرصة حقيقية لحماس لإعادة تموضع مقاتليهم، وبما أن حماس أدرى بالقطاع من جنود الجيش فإنه وبحسب محللين عسكريين إسرائيليين وأمريكيين، فإن الهدنة أفادت حماس عسكريا أكثر مما أفادت إسرائيل، وخصوصا أنه وخلال مفاوضات الهدنة اشترطت حماس عدم تحليق الطائرات الحربية الإسرائيلية على مسافات معينة بالقرب من الأرض! ورغم أن هؤلاء المحللين لم يستبعدوا أن الولايات المتحدة قد مدت إسرائيل بمعلومات عن إعادة تمركز قوات حماس من خلال الأقمار الصناعية بالتحايل على شروط الهدنة، إلا أن صور الأقمار الصناعية، حتى لو صحت فسيكون تأثير إفادتها للجانب الإسرائيلى ضعيفا لكون حماس جيشا غير نظامى يعتمد على تكتيكات حرب الشارع، وهى مختلفة كلية عن تكتيكات الحروب التقليدية التى قد تكون صور الأقمار الصناعية مفيدة فيها!

أما الخسارة الثالثة، فقد تمثلت فى أن الهدنة أعطت فرصة حقيقية للرأى العام الإسرائيلى وللمعارضة هناك من أجل فتح ملف الفشل الأمنى والمخابراتى يوم ٧ أكتوبر وهو ما يمثل المزيد من الضغوط على نتنياهو وحكومته. فبحسب الجنرال الأمريكى المتقاعد مارك هيرتلنج، فإن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وغيرها من الأجهزة الأمنية استغلت الهدنة لبداية تسريب معلومات تنال من خصومها السياسيين أو الأمنيين بخصوص الفشل فى السابع من أكتوبر. كان الجنرال الأمريكى يعلق لشبكة سى إن إن الإخبارية الأمريكية على التسريب الهام لصحيفة النيويورك تايمز عن مصدر من الاستخبارات الإسرائيلية العسكرية قد سرب إليها تقريرا مكونا من ٤٠ صفحة ــ يعود للعام الماضى ــ أخذ اسم كودى «حائط أريحا»، فيه تفاصيل عن هجمات حماس كما قد نفذتها بالضبط بعد ذلك بعام ولكن تم التقليل من هذا التقرير بواسطة النخب الأمنية والسياسية بحسب مصدر نيويورك تايمز باعتبار أن خطة حماس حالمة ولن تستطيع تنفيذها!

وبرغم أن التسريب لم يتحدث عما إذا كان نتنياهو بنفسه قد اطلع على هذا التقرير أم لا، إلا أن الجنرال الأمريكى توقع مزيدا من التسريبات فى الفترة القادمة، مؤكدا أن أحد أسباب نتنياهو للعودة إلى الحرب هو رغبته فى دفع الرأى العام بعيدا عن المساءلة السياسية والأمنية التى فتحتها الهدنة!

أما الخسارة الرابعة والأخيرة لحكومة نتنياهو فتتمثل فى تزايد الضغط الدولى عليها خلال الهدنة من أجل احترام القانون الدولى وتوفير المساعدات الإنسانية أو على الأقل السماح بمرورها إلى قطاع غزة! فخلال زيارة وزير الخارجية الأمريكى، بلينكن، إلى تل أبيب فقذ وضع ثلاثة مطالب أمام إدارة نتنياهو فى اليوم الأخير للهدنة وقبل ساعات قليلة من استئناف القتال، وهذه المطالب هى، بحسب مراسل شبكة سى إن إن بإسرائيل، وضع خطة واضحة للإدارة الأمريكية بخصوص كيفية تجنب إسرائيل لقتل السكان المدنيين بعد استئناف الحرب، والسماح بالمساعدات الإنسانية للتدفق بشكل طبيعى خلال الحرب، بل والسماح بزيادة هذه المساعدات! ليس واضحا بالطبع إن كان هذا مجرد دعاية أمريكية، أم أن الأخيرة ستلزم إسرائيل بهذه المطالب، ولكن المؤكد أن الهدنة وضعت مزيدا من الضغوط الدولية على حكومة الحرب اليمينية فى إسرائيل!

هذه مجرد جولة فى حرب تبدو أنها ستكون طويلة، وقد يعقب استئناف القتال هدنة أو حتى أكثر من هدنة لاحقة، لكن المؤكد أن هذه الحرب ومهما حققت فيها إسرائيل من انتصارات عسكرية فستكون لها الكثير من الخسائر، ولعل أهمها على ما يبدو هو انتهاء أسطورة نتنياهو كرجل الأمن والأمان فى الدولة العبرية وربما محاسبته سياسيا قبل انتهاء الحرب!

*  أحمد عبدربه: مدرس النظم السياسية المقارنة بجامعة القاهرة وأستاذ مساعد زائر للعلاقات الدولية بجامعة دنفر
*  ترجمة : منى فرح
* نشرت على موقع180Post  بتاريخ 3/12/ 2023

Leave a Comment