كتب نضال الفقيه
تداول المعلمون والمواطنون والناشطون النقابيون، خلال الأيام الماضية طرفة، تقول: “إن وزير التربية أصدر قراراً حول تعديل الدوام خلال شهر رمضان، قضى بتعديل ساعة التدريس من (40) دقيقة إلى (40) دقيقة “. تُعبر الطرفة هذه وبسخرية كبيرة عن المسار الذي سلكته قرارات وزير التربية، منذ بدء أزمة انتشار فيروس كورونا في النصف الأول للعام الدراسي الماضي، وحتى إعلان قراراته الأخيرة بالعودة الى التعليم المُدمج. فقد صدر خلال هذه المدة الزمنية، كم هائل من القرارات والتعاميم التي كانت تنبت كالفطر، وتبقى مجرد حبر على ورق، دون أن يكون لها أي أثر فعلي في مواجهة الكارثة التي أصابت قطاع التربية والتعليم في لبنان، جرَّاء جائحة “كورونا”، وشكلت القشة التي قصمت ظهر”بعير” السياسة التربوية للحكومات المتعاقبة ووزاء تربيتها. وهذه القرارات كانت تضاعف المسار الانحداري الذي سلكه هذا القطاع، وتدفعه نحو المزيد من العجز والفشل والفوضى، كما باقي المستويات والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية الاخرى. وجاءت المشكلة الصحية الأخيرة، والانتشار المجتمعي لفيروس “كورونا” والإقفال الذي تسببت به، لتكشف حجم الفساد والمحاصصة والمحسوبيات التي حكمت نهج الطبقة السياسية في التعامل مع كل ما يمت للشأن العام بصلة، وطبيعة إدارتها للبلاد منذ تم وضع حد للحرب الأهلية في بداية سبعينيات القرن الماضي، بما في ذلك قطاع التربية والتعليم.
وتأتي القرارات الأخيرة لوزير التربية بالعودة إلى التعليم المُدمج كتعبير عن الفشل الذريع لعملية التعليم عن بُعد في المدارس الرسمية، وقسم كبير من المدارس الخاصة التي يمكن وصفها بـ “دكاكين” التعليم، ومن أجل إنهاء العام الدراسي بأقل الخسائر الممكنة، خصوصا وأن الانشار المجتمعي لفيروس “كورونا” ما زال كبيراً جداً، وهو ما تدل عليه بيانات وزارة الصحة العامة، حول عدد الإصابات والوفيات اليومية جراء هذا الانتشار، علما أن شهر رمضان والذي بدأ الاسبوع الماضي، وما يشكله من مناسبة كبيرة للاختلاط من خلال الإفطارات الجماعية للعائلات، يمثل تهديداً كبيراً ومضاعفاً، بحصول موجة جديدة وكبيرة من الانتشار المجتمعي للفيروس. إذ إن اتخاذ القرار بالعودة إلى التعليم المُدمج في ظل استمرار الانتشار الكبير للفيروس، وعدم توفير اللقاح الآمن للمعلمين والتلامذة، أشبه ما يكون بقرار الذهاب إلى الانتحار الجماعي، نظراً لخطر انتشاره في أوساط المعلمين والمتعلمين وصولاً إلى الأهل. يحدث هذا في الوقت الذي تستمر صرخة القطاع الطبي حول عجزه عن مواجهة الفيروس في مستوى انتشاره الحالي، فكيف إذا تحولت المدارس بدورها إلى بيئة ومكان مثالي لهذا الانتشار، باعتبارها تشكل أكبر فرصة للاختلاط الجماعي بين التلامذة من جهة والمعلمين والتلامذة من جهة أخرى.
إن القرارات الأخيرة لوزير التربية ما هي إلا تمديد للعام الدراسي في المدارس الرسمية، وترك حرية الخيار للمدارس الخاصة في إنهاء العام الدراسي فور إنجاز البرنامج، وهو اعتراف بأن المدارس الرسمية فشلت في تنفيذ عملية التعليم عن بُعد، بالرغم من أن جائحة “كورونا” بدأت منذ شباط 2020 وكانت الفرصة كافية لوزارة التربية، كي تضع السيناريو المطلوب والقابل للتنفيذ في مواجهة الأزمة الصحية الطارئة.
إن المأزق الذي تجد وزارة التربية ووزيرها الحالي نفسه فيه، يعبِّر عن العجز عن تأمين الحد الأدنى لشروط عملية التعليم عن بُعد، وهي الانترنت والكهرباء وأجهزة الكومبيوتر والمناهج الرقمية، وعجزها في الوقت نفسه عن توفير اللقاح الآمن وإجراءات السلامة للمعلمين والتلامذة في التعليم الحضوري. وبالتالي فإن العجز والفشل في الحالتين هو نفسه. وعليه فالنتيجة واحدة سواء باتخاذ القرار بالتعليم عن بُعد أو الحضوري في ظل جائحة كورونا. حيث تبقى الضرورة الوحيدة في ظل الواقع الكارثي الذي وصلت إليه البلاد على المستويات كافة، هي الاستمرار في الإبقاء على قرار التعليم عن بُعد، للحفاظ على صحة المعلمين والتلامذة والاهالي حتى انحسار جائحة كورونا، وعودة الحياة إلى مجراها الطبيعي في البلاد.
Leave a Comment