تأتي الذكرى السنوية الثانية لانتفاضة 17 تشرين 2019 ، فيما البلاد تقف على حافة الانزلاق نحو عودة الحرب الأهلية، لأن قوى السلطة المتحكمة بأوضاع البلد واللبنانيين، لا تألوا جهداً للإفلات من العقاب عن جرائمها، وفي مقدمها جريمة تفجير المرفأ في 4 آب 2020 ، ضمن محاولاتها الدؤوبة للتنصل من المسؤولية وإقفال ملف التحقيق عبر كف يد المحقق العدلي عنه. مستخدمة شتى الذرائع والحجج ووسائل التهديد، وصولاً إلى المطالبة الصريحة بإقالته، واللجوء إلى الشارع، وإعلاء راية الاستعداد والجهوزية لتفجير الوضع دون أي رادع. إن الإصرار على تسيس القضاء على رافعة التحقيق من قبل قوى السلطة سواء للتغطية على سياساتها وجرائمها أو تطييفه لاستعماله في صراعاتها الطائفية والفئوية وتوظيفه في خدمة مشاريعها السلطوية ورهاناتها وارتهاناتها لإبقاء البلد ساحة، يشكل أقصر الطرق لتزخيم الإنقسام الأهلي واستعادة سياسة المواجهة بين الشواراع وخطوط التماس والجبهات الطائفية والمناطقية، وصولاً إلى استسهال استخدام السلاح وإسالة الدماء لتقسيم ما تبقى من مؤسسات الدولة بما فيها القضاء، ودفع البلد إلى جحيم الحرب الأهلية.
تأتي ذكرى الانتفاضة في ظل تسارع الإنهيار واتساع أعداد المتضررين من نظام الفساد السياسي – المالي، فيما قوى سلطة المحاصصة تتابع نهب مقدرات الدولة وودائع المواطنين في المصارف والإطاحة بقيمة النقد الوطني، والتخلي عن الدعم بعد أن رفضت ضبط قوافل التهريب واحتكارات التجار المحميين من قوى الأمر الواقع. يحدث ذلك وسط خراب مؤسسات القطاع العام وإفلاس القطاع الخاص، واستمرار تدهور الأوضاع المعيشية والاجتماعية لما يربو عن 70% من المواطنين اللبنانيين، والمقيمين على أرضه من لاجئين عرب وعاملين أجانب، وصولاً إلى عجز الموظفين والقوى الأمنية عن تأمين أبسط حاجاتهم المعيشية والوصول إلى مواقع أعمالهم. ناهيك بتعميم الفقر والبطالة والمرض والهجرة.
إن قوى السلطة لا تزال تستسهل الإمعان في سياساتها وممارساتها المافياوية، مستفيدة من من تلاشي زخم أنتفاضة اللبنانيين المجيدة، بعدما تمكنت من محاصرتها وخنقها على يد تنظيماتها الميليشياوية وأجهزتها الأمنية. وهي الأنتفاضة التي حشدت مئات الوف اللبنانيين الذين كسروا حواجز التبعية والخوف واليأس وعبروا عن وجعهم وغضبهم في مختلف الساحات و المدن، رغم ضراوة ما تعرضوا له من قمع رسمي وأهلي.
إن حشود المواطنين عبَّرت عن طموحها السلمي والديموقراطي ببناء وطن حقيقي وقيام دولة عدالة اجتماعية، ومؤسسات تصون مقدرات الشعب وترعى مصالحه، وتؤمن حقوقه المكرسة في المواثيق الأممية وشرعة حقوق الانسان في الحريات والغذاء والطبابة والسكن والتعليم والعمل وسائر الضمانات الاجتماعية.
إن منظمة العمل الشيوعي في لبنان، إذ تدين سياسات وأداء قوى السلطة الميليشياوية كافة وعلى شتى الصعد، تدميراً للدولة ومؤسساساتها، وتسعيراً لإنقسام االلبنانيين وتهديداً ما تبقى من سلمهم الأهلي وصولاً إلى وضع مصير الكيان أمام الخطر الوجودي، لا ترى في اضمحلال زخم الانتفاضة وبصرف النظر عن أوهام بعض الذين ساهموا فيه، أنه نهاية المطاف.
إن المنظمة وهي تتوجه بالتحية إلى مئات ألوف اللبنانيين المقهورين الذين كسروا حواجز الخوف تعبيراً عن غضبهم وحقهم في أن يكون لهم وطن، تدعوهم اليوم ومعهم كل المتضررين والخائفين على مقومات حياتهم ومستقبل أبنائهم، إلى مغادرة اليأس والأوهام وطوابيرالإنتظار والذل، للدفاع عن حقوقهم وكرامتهم المهدورة، والعمل لحماية وجودهم وإنقاذ وطنهم الذي يقف اليوم أمام شبح عودة الحرب الأهلية، بكل ما تنطوي عليه من مخاطر قتل وتهجير ودمار في موازاة المجاعة الزاحفة على عائلاتهم وبيوتهم.
إن منظمة العمل الشيوعي إذ تستشعر المخاطر المحدقة بالبلد على يد أهل النظام الذي يؤكد يومياً بمؤسساته السياسية التشريعية والتنفيذية كما بقواه الطائفية والفئوية الميليشياوية، أنه بالتكافل والتضامن مصدر كل الأزمات التي تعصف بالوطن. وعليه، فإنها تدعو القوى والهيئات والمجموعات الديمقراطية المستقلة، ومعها كل شابات وشباب لبنان الحريصين على بقائه ومعهم كل الفئات المتضررة، إلى التلاقي لمواجهة الخطر والتوافق على برنامج واقعي إنقاذاً للبد، بديلاً عن الرهانات الخاطئة وأوهام انتظار الحلول من الخارج التي لن تأتِ على يد من تسبب بها سواء من قوى الداخل أو الداعمين لها .
أخيراً، إن منظمة العمل الشيوعي ورغم مناخات اليأس والإحباط وكل التحديات والمصاعب، ستبقى مع الناس في موقع المواجهة الديمقراطية السلمية ضد قوى السلطة التي تضحي بمصير الوطن وحياة اللبنانيين ومستقبلهم في بلادهم.
بيروت 14 تشرين الاول 2021
المكتب التنفيذي لمنظمة العمل الشيوعي في لبنان
Leave a Comment