مجتمع

في الذكرى الرابعة لرحيل القائد خالد غزال: ماذا أقول عن بهاء الحضور وبلاغة الغياب؟

حاتم الخشن

عن خالد غزال فتى قب الياس الذي بنى عمارته من رحاب وكرم سهل البقاع الوارف والمعطاء، ابن اسرة فلاحية عديدها اربعة عشر نفرا “تأكل شعر الراس” كما يقولون. خرجت منها ثلة من المناضلين والمناضلات، سقط منهم شهيد على طريق العدالة والحرية ومن اجل فلسطين. رحل والده باكراً فتحملت أمه القديرة والجديرة عبء المسؤولية الجسيمة.

من هذه البيئة خرج خالد غزال معجوناً ومصقولاً يواجه صعوبة الحياة، فتمايز عن أسرته بتحصيله العلمي وبوظيفة في الدولة كانت السند لإعالة أسرته، وانخرط في ساحات النضال مدافعا عن فقراء وطنه.

عن خالد غزال الرفيق الذي تعرفت عليه في النصف الثاني من الستينات رفيقا في حركة القوميين العرب ومنظمة الاشتراكيين اللبنانيين، ومن ثم عضواً مؤسساً لمنظمة العمل الشيوعي في السنة الاولى من السبعينيات، ومعه في اللجنة المركزية وفي قيادة المنظمة حتى يوم خسارته.

نصف قرن وعاماً. دهر من الزمن بحلوه ومره، كان الانسان والمناضل والقائد والرفيق والصديق والاخ الناصح والمرشد .كان الاجتماعي الذي لا تفوته فائتة، والعين الساهرة التي ترعى شؤون رفاقه وحمل همومهم بالنصح والمساهمة في علاجها .

هو الذي سعد بكونه رب أسرة نجح بتميزها مع شريكته المميزة.

خالد غزال: هو واصف القائد الفذ الملتزم بحزبه التزاماً صارماً متفانياً ومصراً على حمل الأمانة حتى النفس الاخير.

هو المناضل المثابر والمستديم الذي لا يمل ولا يتعب.

هو الخلوق والمترفع والانيق دائماً شكلاً وخلقاً.

هو المتواضع الذي يصغي إليك باهتمام شديد.

في النصف الثاني من التسعينيات أكمل مهمة الأمانة الصعبة التي حملها، والمتمثلة بتصفية الإرث الذي حملته ظروف الحرب الاهلية البشعة بما يمليه عليه الواجب.

لم يرتح واصف الذي يكره الفراغ والذي تمرس على تحمل المسؤولية، ذهب إلى إعادة بناء الذات التي اصابها صدأ الحرب الأهلية فجدد كفاءته بالتمكن من لغة اجنبية ثانية، وانكب على القراءة والكتابة والتحصيل، فبات الكاتب في جريدتي النهار والحياة وبيروت المساء. المتفرد بوضوح المعنى وسهولة التعبير والنجاح بإيصال الفكرة بأقصر الطرق.

وهو الباحث في شؤون العالم العربي فكتب عن انظمته الاستبدادية وانشدادها الى ماضوية دينية اصولية قائلا فيها: “تلك اللعنة الفكرية المشؤومة على مر الزمن” تطال جميع الأديان وخاصة الاسلاموية منها وصعوبة ركوب الخيارات الديمقراطية والحداثوية.

كتب بشجاعة وسعة أفق ورأي حاسم لا يخشى الوضوح والحوار والجدل وتجرأ على تناول معضلات المجتمع والعصر، وخاصة في مؤلفاته عن “الأسلمة والأزمنة الدينية” و”النص سيف السلطة” و”الاصلاح الديني” من دون التنكر للدين ولقناعته ان الحل بالاصلاح من الداخل.

يا رفيقي ابا سليمان: لقد كانت ارضك خصبة وحصادك وافراً أغنى تجربتنا الحزبية وفتحت على ما هو خارج التداول.

لن انسى عرق جبينك ونحالة جسدك المرهق في مؤتمرنا الرابع واصرارك على رسم خطى المستقبل لمنظمتنا المتجددة، وقبل ان تسرع خطى الرحيل رسمت البوصلة وودعتنا برسالة: اوصيتنا فيها بالاعتدال والتسامح والانفتاح وإعمال العقل، وأن يكون همنا الانسان حراً في دولة مدنية علمانية عادلة.

خسرناك يا رفيقي خالد قلماً نصيراً لفلسطين وشعبها المناضل، كاتباً يسارياً عروبياً متنوراً. قائداً ريادياً لمنظمتنا شكَّل دوماً ضمانة حصينة ثابتة وراسخة.

خسرناك يا واصف، واستكمل الزلزال فعله فخطف قائدنا الاول أبا خالد واكمل طريقه الى أبي حسن مروة.

ثلاثة أعمدة هزت البنيان، لكنه صمد يا خالد وتجاوز المحن. هو على خير ما يرام لأننا ننهل من صمودك وتاريخك وارادتك، ونقتدي بك يا من علمتنا إتقان التجديف في يوم العواصف واجتزنا المحيط المضطرب بالأمواج العاتية في الداخل والمحيط.

ليت الأول من نيسان 2019 كان كذبة

خالد أبداً يا رفيقي في ثنايا عقلي وقلبي

كم كنت المثال لي وستبقى

لنضالك المثابر وعطائك اللامحدود ألف وردة حمراء.

البقاع ـ 31 آذار 2023

Leave a Comment