اقتصاد

عقبات داخلية وخارجية أمام تشغيل خط النفط العراقي إلى طرابلس

كتب محمد قدوح

تزايد في الآونة الأخيرة اهتمام المستثمرين الأجانب بإعادة تشغيل مصفاتي طرابلس والزهراني وإعادة تفعيل خط أنابيب النفط العراقي اللبناني . ويبدو أن روسيا هي الأكثر حرصاً على هذا الاستثمار، حيث من المقرر أن يزور لبنان قريباً وفد من شركة النفط الروسية (روزنفت) للمرة الثانية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة ، وذلك لإعادة تقديم عرض الشركة المتعلق بهذا الاستثمار.

وقد سبق لهذه الشركة أن وقعت مع الحكومة اللبنانية اتفاقية لتشغيل منشأة التخزين في مصفاة طرابلس، لكن هذه الاتفاقية لن تكون ذات قيمة فعلية من دون وجود النفط الذي تتزود به عبر الأنابيب، لذلك تسعى الشركة لاستثمار منشأة التخزين من خلال إعادة تفعيل خط أنابيب كركوك – طرابلس المتوقف عن العمل منذ العام 1984 .

وتراهن الشركة في مسعاها على علاقات روسيا الجيدة مع كل من العراق ولبنان، وعلى وجودها السياسي والعسكري الفاعل في سوريا، وهو ما يمكنها من القيام بدور الوسيط مع الدول الثلاث. وبالتالي تسهيل التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن. ويعتقد الروس أن ايران التي تلعب دوراً مهما في هذه الدول يمكن أن تساهم في تهيئة البيئة المناسبة لنجاح المشروع. ويذكر في هذا الاطار أن جميع المناطق التي يمر فيها خط النفط في سوريا باتت تحت سيطرة قوات النظام.

غير ان تحقيق هذه الرغبة الروسية يبقى رهن موافقة الموقف الاميركي منها، حيث من المتوقع ألا تقف الولايات المتحدة موقف المتفرج، وستعمل للحصول على مقابل سواء على الصعيد السياسي العام، أو على صعيد تحقيق مكاسب استثمارية. وتجدر الإشارة إلى أن خط النفط العراقي – اللبناني أنشيء في العام 1935 ويبلغ قطره 12 بوصة، ويمكن أن يضخ حوالي 1400 برميل يومياً. وقد توقف أكثر من مرة خلال فترة تشغيله من قبل السلطات السورية التي توجت ذلك بإيقافه نهائياً في العام 1984 .

أهمية المشروع

من البديهي أن تؤدي عملية إعادة تشغيل خط النفط العراقي اللبناني إلى نتائج سياسية واقتصادية طويلة المدى بالنسبة للدول المعنية به. وتكمن أهمية التشغيل بالنسبة للعراق باعتباره خط طواريء لصادراته النفطية في حال تعرضت ناقلات النفط لحوادث أمنية في الخليج العربي وبحر عمان ومضيق هرمز، لا سيما في ظل النزاع الاميركي الايراني، وتوتر العلاقات بين الأخيرة والمملكة العربية السعودية. ولذلك يسعى العراق إلى مد خط نفطي آخر من كركوك إلى تركيا. أما بالنسبة لسوريا فإنها تستفيد من المشروع بتقاضي بدلات رسوم مرور وبدلات استئجار الأراضي في المناطق التي يمر فيها خط الأنابيب. أما أهمية المشروع بالنسبة للبنان فيمكن القول إنه يمكن إدراجه ضمن الاصلاحات الاقتصادية المطلوبة راهناً لعدة أسباب:

  • يساهم هذا المشروع في تغذية مالية الدولة من خلال الرسوم والبدلات التي تتقاضاها لقاء مرور أنابيب النفط، وتكرير النفط الخام في مصفاتي طرابلس والزهراني .
  • يمكن إقامة أنشطة إنتاجية موازية لعملية التكرير مثل صناعة المواد البتروكيميائية، ما يوفر مجالات عمل للشباب اللبناني الذي يعاني من غياب الفرص المعروضة.
  • حصول لبنان على النفط والمشتقات النفطية بسعر تفضيلي، وتأمين جميع أنواع المحروقات للسوق اللبناني بأقل من الكلفة التي يدفعها اليوم.
  • المساهمة في تحريك اقتصاد وتنمية المدينة والقضاء برمته، حيث ترتفع نسبة الفقر والبطالة والأزمة المعيشية. ومن المعروف عن طرابلس أنها الأكثر فقراً بين مدن الحوض المتوسطي. أما عكار والضنية والمنيا وغيرهما من المناطق الشمالية فمعاناتها مضاعفة عن العاصمة الثانية للبنان. ومن المعروف أن المصفاة كانت تستقطب ما بين 6 إلى 8 الآف عامل من مختلف المناطق اللبنانية وفي المقدمة الشمال. وهو رقم كبير بالنسبة إلى حجم المؤسسات التشغيلية في لبنان. وكان يتمتع هؤلاء بأجور مرتفعة وضمانات تجعل الحصول على عمل في شركة التكرير بمثابة امتياز لأصحابه من فنيين وعمال وموظفين.

يبقى السؤال هل تلاقي الحكومة اللبنانية المساعي الروسية ؟

لقد سبق وبحث المسؤولون اللبنانيون الذين زاروا بغداد في إعادة تشغيل خط نفط كركوك – طرابلس، الا أن موقف الحكومة منه مازال موضع شك ، لكونه يؤدي عملياً إلى إعادة قطاع النفط إلى كنف الدولة اللبنانية. وهو ما يقود إلى توقف الشركات المستوردة للمحروقات عن العمل، ولهؤلاء عدد من ممثليهم في مجلسي النواب والوزراء على حد سواء. الأمر الذي يدفع كارتيل النفط إلى تكثيف الضغوط من الداخل والخارج للحفاظ على موقعه الاحتكاري، وما يجنيه من نسب الأرباح التي يراكمها من عمليات الاستيراد والتوزيع والبيع في المحطات. ما يعني أن السير بهذا المشروع بأبعاده السياسية والاقتصادية سيكون موضع خلاف وصراع بين القوى السياسية المعارضة والمؤيدة له، غير ان العامل المرجح لتنفيذه من عدمه، يتوقف على نتيجة المقايضات الاستثمارية والسياسية المطروحة بين القوى الدولية والاقليمية المتنازعة. وهنا يدخل على الخط موضوع المفاوضات على الحدود البحرية بين لبنان والعدو الاسرائيلي، لا سيما بعد أن باتت عملية التنقيب في البلوكات القريبة من البلوك اللبناني رقم 9 اللبناني الذي جرى تلزيمه اسرائيلياً إلى شركة هالبرتون الاميركية.

 

Leave a Comment