ثقافة صحف وآراء

صورة ذات دلالة ودلالات

*عقل العويط

 (أ ف ب)

من كلّ مظاهر الاحتفاء بانتخاب #أمين معلوف أمينًا عامًّا دائمًا للأكاديميّة الفرنسيّة، استوقفتني صورةٌ ذات دلالة، ودلالات، تجمع الروائيّ الفرنسيّ، اللبنانيّ الأصل، بوزيرة الثقافة الفرنسيّة، اللبنانيّة الأصل، ريما عبد الملك.

الشخصيّتان لبنانيّتان، من جبل لبنان تعيينًا، على الرغم من كونهما عابرَي هوّيّات وانتماءات وثقافات وجغرافيات.

الشخصيّتان “انتخبتهما” فرنسا، وثقافتها، ولغتها، وفرنكوفونيّتها، وأوروبيّتها، وعالميّتها، وكونيّتها، ليكونا مرآتها، وناطقَين بها، وبما تبتغيه هي من اختيارهما، ومن “وظائف” هذا الاختيار.

المآخذ الجمّة على فرنسا الراهنة لا تُحصى، ولا سيّما في مجالات السياسة وأخلاقيّاتها، والاقتصاد والمال والصفقات والموارد الطبيعيّة والعلاقات الدوليّة. وهي مآخذ تنال من فرنسا الثورة الفرنسيّة، ومن فرنسا المعايير والقيم، ولا سيّما في مجال ثقافة الحرّيّة. وهي مآخذ كم تطعن أولئك الذين ينظرون إلى فرنسا باعتبارها أحد آخر المعاقل النادرة للكرامة الفرديّة، ولكرامة الانسان مطلقًا.

بصرف النظر عن هذا كلّه، أنظر إلى تلك الصورة التي تجمع ريما بأمين، باعتبارها لي شخصيًّا ذات دلالاتٍ كثيفة، معقّدة، مركّبة، متداخلة، غير مبسّطة، وغير ساذجة. أي أنّها ليست صورةً “لبنانويّة”، شعبويّة، انتمائيّة، ضيّقة، محدودة، و”جبل لبنانيّة”، لكي تتلاءم مع تقريظات المنطق الشوفينيّ الاستعلائيّ، في وقتٍ يعيش لبنان برمّته، فكرةً، ومثالًا، ودولةً، ومجتمعًا، وجماعاتٍ، ومكوّناتٍ، وأفرادًا، السقوط المدوّي، وفي أسفل سافلين، ويعاني أسوأ ما يمكن أنْ يُعاش على مستوى كرامة الدول وكرامة الشخص البشريّ، بل كرامة العقل والروح والقلب والحرّيّة والحياة مطلقًا.

إنّه لمن المأسويّ والمفجع حقًّا أنْ أنظر إلى تلك الصورة، صورة معلوف – عبد الملك، زاعمًا أنّها تُقابِل، على المستوى الافتراضيّ، المعنى المضادّ لصورة لبنان الراهنة وأحوال الحكم فيه، ولسياسته ومجتمعه وعيشه وناسه، التي يضرّجها اللّاعقل واللّاروح، ويستولي عليها الاقتتال والتنافر والتحاقد والضيق وانعدام الرحابة ورسوخ الذلّ والعار والمهانة والاستبداد والقهر والظلم والاستعلاء والعنف والفقر والجوع والانحطاط والمرض والأمّيّة والجهل والعنصريّة والتقوقع، وإلى آخره.

اسمحُ لنفسي أيضًا بأنْ أجعل الصورة تلك، صورة ريما عبد الملك – أمين معلوف، تُقابِل، على المستوى الافتراضيّ أيضًا، أحوال النبلاء من أهل الثقافة والأدب والفنّ والفكر والحرّيّة في لبنان، وأيّ هولٍ يعيشونه، وأيّ ازدراءٍ يعانونه، على يد الطبقة السياسيّة – الماليّة – الاقتصاديّة – الأمنيّة – العسكريتاريّة – الاستخباراتيّة – الميليشيويّة – الحربيّة، التي لا تتردّد، من أجل استمرار وجودها، في نحرِ أيّ موهوبٍ، أو خلّاقٍ، أو مثقّفٍ، أو حرّ. لقد أحزنتني تلك الصورة، أيّما حزن، وجعلتني في حالٍ فظيعة، لا من التشاوف، بل من الخزي، لِما نحن عليه “لبنانيًّا”، وعلى كلّ المستويات. من المأسويّ المفجع، على هامش دلالات صورة أمين معلوف – ريما عبد الملك، أن لا أطرح هذا السؤال المستحيل: لِمَ لا يُنتخَب أمثال أمين معلوف وريما عبد الملك (اللبنانيّين أصلًا) ليكونوا “وجه الصحّارة” في لبنان الحكم والسياسة والثقافة، وصورة لبنان عن نفسه لنفسه، وإلى العالم؟ ولماذا لا يكون بطل الصورة أو بطلاها، نموذجًا لثقافة الحكم في لبنان؟!

تحضرني – يا للمفارقة المخزية – معايير الدولة والحكم والسلطة والثقافة (الرسميّة) في لبنان، ومعها – “يا للاعتزاز” – معايير وزارة الثقافة اللبنانيّة، ومعايير وزيرها “الأشمّ”، فأجدني أقول لسرّاق لبنان ومهشِّلي كثرةٍ من عباقرته إلى الخارج، وقاتلي كثرتهم الباقية في لبنان: إذهبوا جميعًا إلى الجحيم، ما دمتم تريدون حكمًا وسلطةً ورؤساء ووزراء ونوّابًا و… ثقافةً ومثقّفين، ينضحون بنتاناتكم ونفاياتكم “الأبديّة”.

*نشرت في النهار بتاريخ 03-10-2023 |

Leave a Comment