سياسة

سوريا أرض الخراب السائبة

احد المعلقين في جريدة روسية قال: “لا احد من أطراف النزاع يريد أن ترمي اسرائيل بكل مواردها في حرب ضد ايران وسوريا وروسيا على الاراضي السورية لذلك فهم جميعا يغضون الطرف عن اسرائيل”.

لم تعد الارض السورية ارضا موحدة، ولم يعد المواطن السوري مواطنا فالصراعات العسكرية تخترق البلاد من جنوبها حتى الشمال. من درعا الى ادلب ومن دير الزور إلى الباب ومن عفرين إلى ريف حماه، زد إلى ذلك ظهور داعش مجدداً في الصحراء الشرقية. وليست “سوريا المفيدة” أفضل حالاً لا من حيث الإستقرار الأمني ولا من حيث الإطمئنان الغذائي. فالصراع بين أهل الحكم زاد من تدهور قيمة الليرة السورية وضاعف مرات أسعار السلع وأبد الفساد والخوف. تتصاعد الإغتيالات في ريف درعا ضد شخصيات مدنية موالية للنظام وقادة وعناصر في المعارضة.

ويستقدم النظام قوات إلى ريف درعا في الجنوب فيما اللجان المحلية تفاوض الجانب الروسي الذي رعى اتفاقاً ضامناً لوقف التصعيد وقد خرجت قرى وبلدات ريف ادلب الغربي لتعلن رفضها للخطاب التصعيدي الذي يرفعه النظام. وقد دعا الناشطون والفعاليات المدنية ابناء المحافظة للتظاهر في مساع للضغط على الضامن الروسي الذي اجرى التسوية قبل عامين، وتعهد بحمايتها وبحماية الفصائل المعارضة التى قبلت التفاوض حينها، كما تعهد للدول الإقليمية بأمن وبسلامة الجنوب وعدم عودة الأعمال العسكرية إليه.

في الشمال السوري حيث السيطرة التركية تستمر الخلافات بين تركيا وهيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) بسبب الإتفاقات والتفاهمات ما بين تركيا وروسيا الموقعة مع وقف لاطلاق النار في 5 آذار الماضي. واعتراض الهيئة، يطال الإتفاق والتفاهم عامة ويطال الدوريات المشتركة التركية الروسية على خط الطريق السريع ما بين حلب واللاذقية. مصادر تركية تؤكد أنها عازمة على تنفيذ الإتفاقات وهي مصرة كذلك على دفع الهيئة لحل نفسها والإندماج ضمن جيش موحد يضم الفصائل المختلفة الموالية لتركيا أو بتحييد نفسها عن الفصائل ” المعتدلة” التابعة لتركيا.

في ريف  حماة الشمالي الغربي اسفرت اشتباكات بين قوات النظام وفصائل ابرزها ” حراس الدين” عن وقوع 48 عنصرا من الجانبين في واحد من أكبر خروقات وقف إطلاق النار الموقع بين روسيا وتركيا في الخامس من آذار الماضي لمناطق خفض التصعيد في شمال غرب سوريا. ويرتبط فصيل “حراس الدين” بتنظيم القاعدة وفيه جنسيات غير سورية، ويقاتل الى جانب هيئة تحرير الشام أكبر الفصائل المسلحة في ادلب في شمال غرب سوريا. في الوقت نفسه تواصل تركيا إدخال المزيد من قواتها إلى منطقة خفض التصعيد في ادلب.

وعلى خلفية الانزعاج الروسي المتنامي من مماطلة النظام في تنفيذ كثير من الاستحقاقات بينها استحقاق اللجنة الدستورية فضلا على محاولته عرقلة تنفيذ الإتفاقات الروسية التركية. يتم توجيه رسائل من مؤيدي النظام رداً على الحملات القوية من جانب موسكو على الرئيس الاسد. وقد تزامن مع صدور هذه الرسائل ظهور ما يشير إلى أن كل التعليقات التي ظهرت في روسيا سببها قناعة لدى النخب الروسية بأنه لم يعد من خيار دون المضي في تنفيذ القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن والمتعلق بالتلازم ما بين الإنتقال السياسي والدستور والإنتخابات. ذلك أن التجربة العملية أظهرت أن تبني مسار الدستور وحده الذي اعتمدته موسكو لم ينجح وأن الخروج يتطلب لنجاحه الإنتقال السياسي الذي يقوم على ايجاد صيغة مشتركة بين النظام والمعارضة.

زد أن بعض التعليقات الروسية أشارت إلى تعطيل الدفاعات الروسية اوقات الإغارات الاسرائلية في تفهم روسي لضرورات كبح جماح الإنتشار الإيراني في سوريا. وهذا يعني في ما يعنيه إعادة النظر في مراجعة التجربة السابقة دون أن يعني التخلي عن الاسد. احد المعلقين في جريدة روسية قال: “لا احد من أطراف النزاع يريد أن ترمي اسرائيل بكل مواردها في حرب ضد ايران وسوريا وروسيا على الاراضي السورية لذلك فهم جميعا يغضون الطرف عن اسرائيل”.

يتفاقم الإنهيار الاقتصادي في سورية وقد كانت آخر تجلياته خروج الخلاف بين رامي المخلوف والنظام الى العلن حيث بدت حاجة الاخير الماسة للمال، كما اظهر ذلك عمق الانهيار الاقتصادي وعجز الحكومة عن ايجاد حلول. فمخلوف كان أبرز الأعمدة الاقتصادية للنظام، لكن رفضه مد السلطة بمبالغ مالية أثر مباشرة على سعر صرف الليرة السورية نسبة إلى الدولار فخسرت 35% من قيمتها. الحديث عن الأزمة بين مخلوف والحكومة قائم وبصمت منذ حوالي العام، لكنه انفجر إلى العلن مؤخراً وانفضحت حاجة الحكومة الماسة إلى الدولار بعد تراجع احتياطي مصرف سوريا المركزي المترافق مع دمار الجزء الأكبر من القطاعات الاقتصادية. ويشتبه كثيرون بان مخلوف أخرج كميات كبيرة من الدولار إلى خارج البلاد. السوريون الذين يعيشون في مناطق سيطرة الحكومة يقدر البنك الدولي ان نسبة 87% منهم يعيشون تحت خط الفقر ويعانون من غلاء المعيشة. وقد جاء انفجار الخلاف ليتسبب بموجة غلاء جديدة أعلى من التى سبقت نتيجة تدهور سعر العملة غير المسبوق. وليس بعيداً عن أجواء الغلاء وتفاقم الحاجة توقفت وزارة النفط عن تزويد المواطنيين بالكميات المطلوبة وبالأسعار المدعومة حيث بقي من انتاج البلاد 24 ألف برميل يومياً بينما الحاجة هي إلى 146 ألف برميل، إذ لا تزال غالبية حقول النفط والغاز تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

اسماء الاسد تعلن عن إمساك القصر الرئاسي بملف جرحى القوات وبتصحيح البرنامج الاقتصادي الخاص بهم، وهذا فيه سحب لورقة فقراء وجرحى النظام من يد رجل الأعمال ابن خال الرئيس رامي مخلوف، إذ أن ملف الجرحى بات تحت الإشراف المباشر من قبل القصر الرئاسي: “حرصاً على ابقاء البوصلة الحقيقية لاي جهود تبذل في هذا الإطار في اتجاهها الصحيح”. وقد تعهدت اسماء الاسد بتقديم ” منحة طارئة” لكل جرحى النظام رداً على مطالبات مخلوف في رسالتيه المسجلتين حيث أعلن أنه لن يتأخر في تسديد المبلغ المطلوب منه إذا كان سيذهب إلى الفقراء. وتتواصل الحملة ضد منشآت ومؤسسات مخلوف تحت تهمة الفساد في حين لم يكن الأمر كذلك حين اضطلع مخلوف سابقاً بدور كبير في تمويل المجهود الحربي للنظام من عائدات امبراطورية الاعمال التى يمتلكها، والتى تطال مجالات الاتصالات والعقارات والمقاولات وتجارة النفط. لا لن يفيد سوريا موقف روسيا، ولا التدخل التركي ولا معارك الفصائل المسلحة، ولا صراعات اهل النظام ولا اعتداءات اسرائيل، ولا اطماع اميركا، ولا هيمنة ايران يفيدها فقط قيام نظام ديمقراطي يعترف بكل مكونات الشعب السوري وبكل تنوعاته.

[author title=”محمد حسن” image=”http://”]كاتب لبناني[/author]