مجتمع

رغم تهافت الانتفاضة وتماسك السلطة يبقى التغيير ممكناً

كتب محسن زين الدين

في ١٧ تشرين الأول من العام 2019 لاح أمل في إمكانية إجراء تغييرعلى مستوى إدارة البلد. هذا الأمل الذي احتشد حوله الآف المواطنين رافعين عشرات الشعارات والمطالب التي  طالت كل نواحي حياة المواطن، من العيش الكريم إلى الضمانات الاجتماعية في العمل والسكن والتعليم والطبابة. إلى المطالبة  بحكومة اختصاصيين مستقلين عن أطراف السلطة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة. إلى محاسبة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة والمسروقة، انتهاءاً بالشعار الذي يرفع دوماً منذ الحراك الشعبي في العام 2015 ألا وهو إسقاط النظام.

استمرت حشود المواطنين بالتوافد إلى ساحات التجمع، لكن بدا منذ الأيام الأولى أن لا تماسك يجمعهم رغم آلامهم وواوجاعهم المشتركة. وظهر ذلك جلياً في تعدد الخيم والملتقيات الى حدود إشهار التباينات والاختلافات في النظر إلى القضايا المطروحة، و تباعد الرؤى في طرح الحلول لها. رغم ذلك فقد راهن بعض القوى على استمرار تدفق المواطنين، وحاول البعض ان يؤطر هذه المشاركة الشعبية بما يسمح له في ان يشكل قوة متماسكة، تستطيع ان تشكل حالة ضغط زائدة ودائمة على السلطة من اجل إحداث بعض التغيير في إدارة البلد وشؤون المواطنين، لكن ذلك لم يتحقق  وضعفت أعداد المشاركين وأتخذت شكل تجمعات متفاوتة الحجم في مناطق العاصمة بيروت، كذلك في طرابلس وصيدا وصور مروراً بكسروان والجبل والبقاع. ثم بات لكل تجمع شعاراته، وطغت أحياناً المطالب المناطقية، التي تلامس الاوضاع المعيشية منها تحت شعار الإنماء المتوازن.
وبعد مضي أشهر على على بدء الانتفاضة خبت قوة التدفق الشعبي وتضاءل وزن التجمعات المناطقية، وباتت التحركات مقتصرة على مجموعات صغيرة تتكرر في بعض المناطق، أكثرها في العاصمة بيروت امام بعض المقار الرسمية وخاصة المصرف المركزي. كما لم توفر بعض القطاعات الخاصة من التظاهر والتجمع أمامها وبشكل خاص قطاع المصارف الذي حُمِّل  مسؤولية الجزء الأكبر من التردي في الوضعين المالي والنقدي الذي وصلت إليه البلاد.
في المقابل كانت السلطة بأطرافها كافة تتعامل مع الانتفاضة بطرق مختلفة تؤدي جميعها إلى تحقيق هدف واحد هو الالتفاف عليها وإحباطها. استعمل بعض الأطراف صيغة تبنيها والمشاركة في تحركاتها في عدد من المناطق. واقامت أطراف أخرى خيم وملتقيات في ساحات الانتفاضة، و شاركت في مظاهرات مناطقية محدودة. اما البعض الآخر فقد حاول إجهاضها بالقوة، وذلك بدفع بعض التجمعات للتصدي لمتظاهري وتجمعات الانتفاضة، ووصل الأمر إلى حد التهديد والضرب والبلطجة.  كل هذه الأساليب المواجهة للانتفاضة كانت تهدف لواحد من أمرين: إما احتوائها او إجهاضها، وهو ما حصل فعلاً من خلال تراجع اعداد المشاركين واستبدال مطالب التغيير، إلى مطالب أقل ما يمكن ان يقال فيها أنها حيدت بعض مواقع وأطراف السلطة عن أن يطالهم شعار التغيير، ونسوق للدلالة على ذلك تراجع المطالبة بتغيير النظام الى المطالبة بتغيير حاكم مصرف لبنان، وتراجع المحاسبة للفاسدين من المتحكمين بالسلطة، الى محاسبة بعض الموظفين.كما لم يعد عالياً مطلب استعادة الأموال المنهوبة، وبات مطلب تأليف حكومة مستقلة هو المُلِّح لأطراف الانتفاضة. وعلى ما تقدم بدت أطراف السلطة في مأمن من شعار التغيير، وأعادت منطق المحاصصة فيما بينها، وأن تأليف “حكومة مستقلة ” لامكان له.
 ويبدو أن السلطة رغم كل أزمات الوطن والمواطنين لا تعير اهتماماً لكل مطالب الانتفاضة بالتغيير الجدي والفعلي، إن على صعيد إجراء  انتخابات نيابية مبكرة أو  محاكمة المرتكبين والفاسدين واستقلال القضاء، رغم ما يظهر الآن من حماس لدى بعض دوائر القضاء والسير في التحقيقات والإدعاءات على بعض الموظفين المرتكبين والمهملين خاصة بعد الإنفجار الكارثة في مرفأ بيروت، وما نتج عنه من ضحايا  قتلى وجرحى ومفقودين ، إلى جانب ما خلفه من دمار هائل في أغلب أبنية المناطق المجاورة والقريبة منه.  ورغم كل هذا لم يتم كشف أي من ملابسات هذا الانفجار ” الجريمة ” بعد مضي أربعة اشهر ونيف. ويبدو ان مسألة اعلان المسؤوليات والمحاسبة على أساسها قد يطول برغم تحويل القضية إلى المجلس العدلي وتعيين محقق عدلي لها.
على كل ما تقدم لا يبدو أن السلطة في وارد إجراء أي تغيير على صعيد إدارة البلد وشؤون المواطنين، لا بل لم يعد يقض مضجعها ما حملته الانتفاضة من مطالب وشعارات واقتراحات للتغيير، وذلك لأن السلطة كما يبدو من مشاهداتها لما يجري على أرض الانتفاضة من تفكك وتراجع في  القوى والتحركات والمطالب باتت معها على يقين من أنها في أمان.
رغم هذا تبدو السلطة في حالة ارتباك  أمام الخارج منذ أن طرحت المبادرة الفرنسية والتي تضاءلت مفاعيل تأثيرها حتى اللحظة، إلى العقوبات الاميركية التي طالت بعض رموز السلطة كبداية، والتي يمكن في لحظة ما أن تضع أغلب أطرافها على قائمة جدول العقوبات، لذلك نرى هذه الطبقة  تتحايل وترواغ  تهرباً من مطالب الخارج بينما تستقوي على مجموعات الانتفاضة في الداخل.
بناءاً عليه إن الممر الوحيد لإجراء التغيير لا بد وأن يكون من فعل قوى ديمقراطية شعبية مستقلة ومنظمة ووازنة تسلك سبيل المعارضة السياسية الديمقراطية السلمية للتغيير
ويبقى القول إنه رغم تهافت  مجموعات الانتفاضة يظل النهوض ثانية ممكن. ورغم تماسك السلطة يتأكد أن محاولة تفكيكها وإجراء تغيير فيها ممكن أيضاً. 

Leave a Comment