ثقافة

خالد غزال الآتي من المستقبل / أحمد الزغبي

  عن  خالد غزال، إبن حسين غزال، المزارع الضيق الحال، المكافح الصلب لتأمين لقمة العيش يدرأ بها الحاجة عن أولاده الـ13، تسانده الزوجة “خياطة البلدة” الحكيمة، الادارية، والعين الساهرة بعد أن سلم لها الزوج الطيب موقع المنتج والموجه حتى في شؤونه الزراعية القاسية.

منذ عهد خالد الأول مسحته يد التفوق، والرقة، والطاعة للأبوين ودائماً ما كانا يتلفظان إسمه مقروناً بلازمة “الله يرضى عليه”.

طراوة عوده لم تحل دون تحمله مسؤولية المساعدة في العمل الزراعي.  وفي الوعر عاش مع الطبيعة وتفيأ أشجارها وألفها في زقزقة العصافير وسقسقة نبع بلدته  قب إلياس.

صار الفتى شاباً وتلميذاً متفوقاً ذاع صيته في مجتمعه ملتهماً للعلم والمعرفة حتى أصبح مفخرة لأبويه وعائلته ومحط أنظار مجتمعه القريب والبعيد.

الشاب المتفوق كانت محطة حياته الأولى مهنة التعليم، ثم الادارة حيث لم يطل به المقام، فاستقال من مركزه كرئيس دائرة وتفرغ للنضال السياسي والاجتماعي مكتسباً تأييد الوالد وحماسه وتقاسما الأدوار: الابن مناضلاً سياسياً ووالده قائداً لكافة التظاهرات المطلبية والوطنية في قب إلياس والجوار.

حمل خالد راية التغيير والحداثة من أجل  الوطن والانسان وأصبحت الكلمة الحرة الشجاعة غايته،  فاندمج مع رفاقه وتعاضدوا وطنياً لا طائفياً ولا مذهبياً، ينبذون العصبية في الوطن وينادون بالتعصب له.

تسلح في حياته الخاصة والعامة بالصدق والحرية حيث آمن أن الفرد المحور، وتنزه عن كل رياء، ومكر، ونفاق، وقرن الرأي بشجاعة موصوفة وعناد وانحياز إلى العقل الذي نصبه إماماً أوحداً. في حياته الخاصة والعامة إعتبر أن الفقر والجهل والعادات والتعصب عبوديات تتنافى مع الحرية والحداثة.

في سلوكه الشخصي كان رقيقاً متواضعاً حتى أن في ذروة عطائه الفكري النقدي كان يزودنا “محمد حيدر وأنا” بمسودة مؤلفاته ويحولها إلى محور مناقشة واستماع في كل ليلة سبت التي إلتزمنا إحيائها لسنوات بناء لرغبته.

كان خالد غزال محباً لبلدته حتى الثمالة. وليس أدل على ذلك من تزويد مكتبتها العامة بمئات الكتب، كما أنه ألزم نفسه بإعادة الحياة لمجلة قب إلياس حتى أن العدد الأخير صدر بعد وفاته وهو يحمل كل بصماته والحرص على استمرارها.

يا رفيقي خالد، يا صديقي ورفيق روحي، عايشتك على مدى خمسين عاماً، وما شبعت من مكارم أخلاقك وما ارتويت من عصارة فكرك النهضوي. خسارتي بك ليست شخصية ولا إجتماعية فقط، بل الخسارة الكبرى أن رحيلك قد حدث وأنت في قمة عطائك الفكري الخصب المميز والعابر للأجيال. يا صديقي ورفيقي أشتاق إليك وأراك في كتاباتك.

[author title=”  أحمد الزغبي” image=”http://”]كاتب لبناني[/author]