ساطع نور الدين*
ثبُت بما لا يدع مجالا للشك، أن ما يفصل بين تعقل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبين جنونه، شعرة واحدة، إذا ما إنقطعت، إثر شدها بالامس على هذا النحو الموجع، تهدد بإحراق كوكب الارض بمن عليه.
ومن الآن فصاعداً باتت تلك الشعرة التي لاحت في أفق الأزمة الاوكرانية العالمية، دليلاً جديداً على أن بوتين فقد رشده، وإن لم يفقد عقله بعد، وأصبح مصير البشرية معلقاً بقرار يتخذه في لحظة غضب أو توتر.. أو ربما في لحظة تأمل في أحوال الكوكب وسكانه الكثر.
بالطبع، هي ليست المرة الاولى التي يجري فيها تفعيل السلاح النووي المنتشر في العالم، منذ الحرب العالمية الثانية، والذي كانت أميركا سباقة الى استخدامه ضد اليابان، وكانت روسيا السوفياتية نفسها لاحقة في التهديد به، خلال أزمة الصواريخ الكوبية، في ستينيات القرن الماضي، مثلما كانت إسرائيل في حرب تشرين العام 1973 جدية في التلويح به، ثم في تحويله الى مادة للتسريب والترهيب، قبل أن تقف الهند وباكستان في نهاية القرن الماضي، على حافة أول حرب نووية..
يخطىء من يظن أن بوتين لن يتورع عن إستخدام سلاح يوم القيامة. هو نفسه لم يدع الفرصة لأحد كي يخطىء في الظن: كأنه كان يتلهى بلعبة Call of Duty الشهيرة لرواد ال”بلاي ستايشن”، أو كان يمارس هوايته الحربية في سوريا أو جورجيا أو كازاخستان، يحرك وحدات عسكرية جوية أو بحرية أو برية لتنفيذ مهام محددة بجغرافيا معروفة. لم يجد مبرراً لدعوة مجلس وزرائه إلى عقد اجتماع عاجل، ولا دعوة البرلمان بمجلسيه إلى عقد جلسة طارئة لمناقشة، أو على الاقل للمصادقة على قراره المفاجىء، الذي يؤثر على مستقبل نحو 135 مليون مواطن روسي، ومئات الملايين ، بل المليارات من سكان الكرة الارضية. إكتفى فقط بتوزيع فيديو ظهوره بوجه خال كالعادة من التعابير، سوى التجهم، وهو يورد الجمل القليلة التي أملاها على وزير دفاعه المطيع سيرغي شويغو وبعض قادة الجيش الروسي المطواعين، ويأمرهم بوضع سلاح الردع النووي في حالة تأهب قصوى.
لم يدم ذلك الفيديو سوى دقيقة واحدة، كانت كافية ليدخل العالم في منعطف حاسم، يعيد إلى الاذهان على الفور تلك الضربة الاميركية النووية المزدوجة التي أهلكت اليابان، ويترك الانطباع العفوي، المرعب، بأن العالم أصبح بالفعل على عتبة حرب نووية، ستكون الأولى من نوعها في التاريخ، والاخيرة طبعا..لأن أحدا لن يبقى بعدها لكي يواصل التدوين البشري.
لم تكترث الدول أو الشعوب البعيدة عن “الثقافة” الذرية، بأوامر بوتين المذهلة، ولم تأخذها على محمل الجد، ظناً منها أنها ستظل بمنأى عن ذلك الخطر الداهم، لكن الدول التي خاطبها الرئيس الروسي تخطت المفاجأة بسرعة، وشرعت على الفور في البحث المعمق عما يمكن أن يردع بوتين، عن اللجوء إلى الخيار النووي، وعما يمكن أن يحمي شعوبها من الضربات النووية المدمرة، وعما يمنع الصواريخ الروسية العابرة للقارات من دخول أجواء عواصمها ومدنها الكبرى.
المؤكد أن جميع الدول النووية، لا سيما الاعضاء في حلف شمال الاطلسي، أصدرت بالامس أوامر فورية مشابهة، وأبلغت حكوماتها وبرلماناتها ، ولاحقاً شعوبها، بأنه لا يمكن الاطمئنان إلى أن بوتين يناور أو يخادع، أو حتى يفاوض. المنطق يحكم، والتجربة تؤكد أن الاجراءات الوقائية ضرورية، لأن عنصر المفاجأة غير مستبعد في حالة الصراع مع روسيا، المصابة بهوس استعادة صفتها السابقة كدولة عظمى، لم تعد تملك من مقومات تلك العظمة سوى أسلحتها النووية الفتاكة، التي تلوح باستخدامها جدياً لكي تتفادى أن تحولها الحرب الاوكرانية الراهنة الى دولة من العالم الثالث.
لم يعد خيار الحرب النووية متوهماً، صار حقيقة يفترض التعايش معها، نمط الحياة الجديد في مختلف أنحاء الكرة الارضية..عدا ربما القطب الجنوبي وحده الذي قد يكون محطة السفر الاخيرة الى كوكب آخر .
*نشرت في المدن الالكترونية في 27/02/2022
Leave a Comment