سياسة

ترامب يصعِّد أداءه اقليمياً لضبط إيقاع سياسة بايدن

كتب محرر الشؤون الدولية

 يصر الرئيس الاميركي ترامب على متابعة ادائه المتفرّد كرئيس مطلق الصلاحيات حتى اليوم الأخير من ولايته في 20 كانون الثاني القادم، متجاهلاً نتائج الانتخابات الرئاسية ووجود رئيس جديد منتخب. ويستمر في عدم التسليم بالواقع الجديد والاتصال بخصمه لتهنئته، كما في عرقلة التحضيرات والترتيبات امام فريقه التي تمهد لعملية انتقال السلطة حسب مقتضيات الدستور والتقاليد المتبعة. يغطي ترامب سلوكه بقوة عدد الأصوات التي نالها، والتي تؤهله للترشح إلى الانتخابات الرئاسية بعد اربعة سنوات، ومعها التشكيك بالنتائج واتهام خصومه بالتزوير وتقديم الاعتراضات والطعون بمجريات الانتخابات وعمليات فرز الأصوات والمطالبة باعادتها.  

    لا يقتصر أداء الرئيس الاميركي على اطلاق المواقف السجالية مع ما يعلنه خصمه من توجهات سياسية بشأن قضايا الوضع الاميركي الداخلي، وكأنه في أوج المعركة الانتخابية، خاصة  في الجانب الاقتصادي وسبل مواجهة الأزمات الناجمة عن مواجهة وباء الكورونا، وسياسات الدعم والاغلاق بما فيها ادعاآته في تسريع انتاج اللقاح. وهو يرفض أيضاً إبداء أي مرونة أو مراعاة حتى في الشكل لما يعلنه بايدن حول العودة لسياسة الانفتاح والتواصل في العلاقات الدولية بشأن الملفات والقضايا والاتفاقات المشتركة. ولذلك يتابع ترامب أداءه المتفرد في سبيل تكريس السيطرة والهيمنة الأميركية على مختلف الصعد وفي شتى الساحات، والتي لا يتجاوز الخلاف بشانها  بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري سوى شكل الأداء أو بعض تفاصيله.

    وفي هذا السياق تتابع ادارة ترامب أوسع عملية ابتزاز واستغلال لسياسات النظام الايراني الداخلية وفي الإقليم، بهدف إجباره على  تغييرها والتخلي عن طموحاته الاستراتيجية بما فيها الأنشطة النووية، وانتاج الصواريخ الاستراتيجية، ووقف دعم الميليشيات التابعة له تمهيداً لتدجينها، وذلك من خلال تصعيد الحصار السياسي وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية والمالية ضده. والاستثمار في هذا الوضع لا يستهدف تكريس الهيمنة والسيطرة  الاميركية الاقتصادية والأمنية، على دول منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي تحديداً. بل يشمل أيضا تثبيت اسرائيل ذراعاً أميركية وشريكاً في اوسع عملية نهب منظم لأقتصادات المنطقة بذريعة حمايتها من المخاطر الايرانية والتركية الزاحفة، وانتزاع الاعتراف بها طرفاً فاعلاً متدخلاً ومقبولاً في المنطقة، عبر توقيع المزيد من اتفاقات التطبيع معها، واستكمال محاصرة السلطة الفلسطينية لاجبارها على  الخضوع والتسليم بالأمر الواقع، والقبول بصفقة القرن والتخلي عن حل الدولتين.

    وبما أن الرئيس المنتخب محكوم بالبناء على ما حققه وأرساه سلفه من وقائع في شأن أزمات المنطقة وملفاتها، بصرف النظر عن تباين التوجهات حيالها من حيث الشكل أو اختلاف الأداء، فإن الأخير يسعى وخلال الاسابيع المتبقية من ولايته الرئاسية، إلى فرض المزيد من الوقائع السياسية والميدانية، التي تقيد خلفه، بالنظر لاستحالة التفريط بها، بل تضع توجهاته ومواقفه التي اعلن التزامه بها أثناء حملته الانتخابية أو بعدها على المحك.

    وعلى هذا الصعيد تحتل المواجهة مع ايران الأولوية لدى ترامب وإدارته راهناً، ولذلك يتابع تصعيد سياسة العقوبات وتشديد الحصار، على مؤسسات ورموز النظام، إلى جانب دعم ومساعدة رئيس الحكومة العراقي في محاصرة واضعاف ميليشيات الحشد الشعبي التي يقودها الحرس الثوري الايراني، والتوجه لتصنيف الحوثيين في اليمن منظمة ارهابية، واتخاذ الجولان المحتل منصة لاطلاق الدعم لاسرائيل في تكثيف غاراتها على المواقع التابعة والحليفة للحرس الثوري في سوريا. أما في لبنان فإن ادارة ترامب تصعد الصراع حول لبنان وتتشدد في محاصرته بالمزيد من العقوبات على حزب الله وحلفائه في السلطة، ورفض مشاركتة في الحكومة الجديدة.

    ورغم أن سياسة الحصار والعقوبات لم تنجح في الزام النظام الايراني بالتخلي عن سياسة الهيمنة وفرض النفوذ على بلدان الجوار العربي والتدخل في شؤونها الداخلية، بكل مضاعفاتها ومخاطرها ونتائجها المدمرة، إلا أن التصعيد الراهن يستهدف انتاج المزيد من الوقائع الميدانية التي تجعل الرهان الايراني على توجه بايدن في العودة إلى الاتفاق عند استلامه السلطة أمراً غير ذي جدوى. ولذلك  فإن إدارة ترامب لم تكتفِ بدق طبول الحرب واطلاق التهديدات فقط، بل تشارك في تغطية وتبرير إغتيال المسؤول الاول عن البرنامج النووي فخري زاده، والسعي لحشد التأييد وتأمين الغطاء السياسي الدولي والاقليمي لإمكانية توجيه ضربة استراتيجية للمنشآت النووية الايرانية خاصة مفاعل نطنز. الامر الذي مهدت له جولة وزير الخارجية بومبيو إلى فرنسا واسرائيل ودول الخليج، وما أعقبها من مواقف تحذير وإدانة لما انجزته ايران في مجال التخصيب النووي وفق تقرير الهيئة الدولية لمراقبة الانشطة النووية، ومخالفة ايران بنود الاتفاق معها.

    وعلى ذلك ومع استنفار الآلة العسكرية  الاستراتيجية الأميركية، وفي ظل معرفة ادارة ترامب أن أداء القيادة الايرانية منذ اغتيال قاسم سليماني، يستهدف شراء الوقت، وأنها ليست بصدد المغامرة والدخول في مواجهات كبرى يمكن أن تنتهي بخسارة مواقع نفوذ اساسية لها في المنطقة، رغم رفضها تقديم اي تنازلات حالياً في بانتظار استلام الادارة الجديدة، لتسليفها اعلانات الاستعداد للانفتاح عليها والتفاوض معها. والأرجح ان اتهام اسرائيل بعملية الاغتيال والتهديدات بالرد عليها، يبقى برسم الداخل وأهل البيت، وهو يقع في اطار صراعات أجنحة النظام على الفوز بالسلطة في الانتخابات القادمة بعد اشهر.

   في كل الأحوال مع ترامب وحساباته الراهنة والمستقبلية في آن، يصعب التكهن، بأي خطوات أو قرارات مفاجئة يمكنه القيام بها حتى في اللحظات الاخيرة من ولايته. علماً أنه ومهما كانت طبيعة قرارته، فهي بالتأكيد لا تقع إلا في امتداد استراتيجية السيطرة والمصالح الأميركية، التي وبصرف النظر عن ارتهان البعض لها أو رهانه عليه،  يستحيل أن تجلب لبلدان المنطقة وشعوبها سوى المزيد من الخراب والدمار.

Leave a Comment