سياسة منشورات

تحديات ذكرى إنطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية السجال حول المقاومة والتحرير والسلاح والوطن

مما يعني أن اليسار “الشيوعي” والمفترض أنه قوة مقاومة ومعارضة وطنية ديمقراطية، خسر موقع الشراكة الفعلية، ممّا سهّل تكريس فئوية إنجاز التحرير وراية المقاومة والسلاح العائد لها وجعلها شأناً طائفياً،

     لسنا بصدد استعادة تاريخ إنطلاقة جبهة المقاومة الوطنية في 16 أيلول 1982 ضد الاحتلال الاسرائيلي، والتذكير بمن أطلقها ومسيرتها ومسارها وإنجازاتها. فهذا موثق وأكثره معروف وتشهد عليه دماء الشهداء وتضحيات المقاومين ونضالاتهم. كما تؤكده الإنجازات المتمثلة بإجبار جيش العدو على الانسحاب مرغماً من العاصمة، بعد أيام قليلة على احتلالها وسط مقاومة بطولية. وكذلك اضطراره خلال أقل من ثلاث سنوات على الإنكفاء إلى منطقة جزين والشريط الحدودي والتحصن فيهما.

     ولسنا بصدد  محاصصة  المقاومة والتحرير، للحصول على حصر إرث حول دورنا مع شركائنا في الجبهة، وهو الدور الذي لا يقتصر على إطلاق النداء الأول، لأن مئات العمليات التي نُفذت في كافة المناطق التي شملها الاحتلال تشهد عليه، وهي موثقة وأكثرها اعترف بها العدو، ويتذكرها أهالي القرى والبلدات الذين كانوا تحت الاحتلال، وتؤكدها سجلات المعتقلين في معتقلات العدو وزنازين سلطات الأمر الواقع الميليشياوية.

     كما وأننا لسنا من يتجاهل مساهمة أيٌ من المقاومين للاحتلال بصرف النظر عن انتماءاتهم  السياسية والرايات التي استظلوها، وفي مقدمة هؤلاء المقاومة الاسلامية وحزب الله. الذين أمكن لهم الإنفراد في المقاومة على رافعة الدعم الاقليمي وتضحيات المقاومين والاحتضان الاهلي لهم والتصدي البطولي للعدوان الاسرائيلي عامي 1993 و1996، وصولاُ إلى أيار عام 2000، وإجبار جيش الاحتلال على الانسحاب من الاراضي اللبنانية دون قيد أو شرط، في انجاز غير مسبوق في مسار الصراع العربي الصهيوني، ولا يقلل من شأنه بقاء الاحتلال  في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا بسبب الإلتباس بشأن سيادة لبنان عليهما.

     ولأن مشروع المقاومة الوطنية التي أطلقها اليسار تحت راية  التحرير والتوحيد والديمقراطية، حاصرته الحروب والمعارك التي اجتاحت كل المناطق والساحات الطائفية، سواء كانت مدارة سورياً أو مدعومة اسرائيلياً، وأجبرت قواه على الإنكفاء قبل إنجاز التحرير.  فإن ذلك لا يغيّر من أهمية نجاح مقاومة حزب الله في استكماله وإعلاء رايته،  وهو يشكل صفحة مجيدة في تاريخ البلد.

  ولأن قوى اليسار تراجع وزنها وفعالية دورها وارتدت إلى الهامش، فإن مشاركتها في النقاش حول شؤون التحرير وما بعده، أصبحت عديمة التأثير وتقتصر على إبداء  الرأي  للموافقة أو الاعتراض على ما يقوم به القابضون على الإنجاز من الموقع الطائفي الذي ينتمون إليه وينسبون التحرير له. مما يعني أن اليسار “الشيوعي” والمفترض أنه قوة مقاومة ومعارضة وطنية ديمقراطية، خسر موقع الشراكة الفعلية، ممّا سهّل تكريس فئوية إنجاز التحرير وراية المقاومة والسلاح العائد لها وجعلها شأناً طائفياً، وبذلك تمت الإطاحة بإمكانية تحويلها قوة وطنية جامعة، ومدماكاً في ترقية الوطنية اللبنانية.

     على ذلك تمت إضافة قضية التحرير والمقاومة والسلاح، إلى مجمل قضايا الانقسام الأهلي المتداخلة والمشرّعة  دوماً على  تجدد الصراعات  الطائفية، بين أطراف الطبقة السياسية التي تتقاسم  الحكم وتتنازع مؤسسات الدولة ومرافقها، حيث السجال بشأنها هو في حالة احتدام متواصل، تتصاعد وتيرته وفق حاجة الأطراف المنقسمة والمتصارعة والمتشاركة، حول هوية الكيان وطبيعة النظام  ومواقع السلطة والعلاقة بالخارج، حيث التبسيط في مقاربة القضايا سيد الموقف، ومعه تجاهل ما كان من الوقائع وما هو راهن ومستمر.

     ونظراً إلى كثرة القضايا موضع الخلاف والانقسام بين اللبنانيين، وتشابكها واصطدامها بحائط  حقوق الطوائف المقدسة. فإن مصالح الوطن وحمايته من المخاطر ومسألة بناء الدولة والنهوض بمؤسساتها وتطويرها، تصبح مجرد شعارات للتوظيف والاستغلال خلافاً لطبيعتها، مما يسهل معها تبادل تهم التخوين والعمالة للخارج المتدخل، في ظل انعدام المقاييس التي تحدد العدو والصديق. والنتيجة تكريس البلد ساحة مرتهنة للخارج  يتواجه فيها حملة السلاح باسم المقاومة، والمطالبين بنزعه أو تسليمه للدولة.

      ولدى تقييم نتائج السجالات المفتوحة بين من يتقاسمون السلطة، فإننا لا نعثر على حاجتهم لوجود مؤسسات الدولة، إلا بالقدر الذي يفيد  دويلاتهم الطائفية، ويوفر لهم الموارد والخدمات بمن فيهم أهل السلاح المنادين بالدولة القوية، أو المطالبين بنزعه وتسليمه. كما وأن اللبنانيين لا يجدون أثراً لأي جهد لدى الحكام لاستكشاف المشترك والايجابي على محدوديته، لحمايته من التبديد والإفادة منه في مواجهة المخاطر المحدقة بالبلد من كل الاتجاهات، وفي مقدمها مخاطر العدوان الاسرائيلي واستسهال ابقاء لبنان ساحة مرتهنة للخارج، وهذا ما تؤكده مواقف وممارسات كافة الأطراف تعقيباً على العدوان الإسرائيلي الأخير على ضاحية بيروت الجنوبية أواخر الشهر الماضي، وما استتبعه من رد عليه. 

    ولأننا لسنا من أهل الرهان على أحزاب الطوائف وأهل الحكم لإنقاذ البلد من المخاطر، فإننا نجدد القول بمسؤولية قوى اليسار والتغيير عن حماية التحرير، من خلال تجديد مشروع التوحيد والديمقراطية وبناء الدولة، دولة الوطن والمواطنيين بديلاً عن ساحة الطوائف ورعاياها المرتهنين.

[author title=”كتب المحرر السياسي” image=”http://”]المحرر السياسي[/author]