ثقافة مجتمع

تجربتي مع تحديات النسوية في مجتمعنا

ليلى مروة

البقاع 7 أيلول 2023 ـ بيروت الحرية

كنتُ في منشورٍ سابق تحدثت فيه عن النسوية كمفهوم مترجم في سلوكياتي على مدى السنين الطوال التي أمضيتُها في العمل مع النساء. وجدتُني اليوم أريد المتابعة ولاحظْت أن تقدمي في الحياة والخبرات يزيد مفهوم النسوية تكشّفًا ووضوحًا لدي.. طبعا لن أفلسف المعنى، بل هدفي فقط أن أتمّم حديثي عن حصيلة ما جمعتُه في مخزوني المعرفي والانفعالي والسلوكي من عمل، أقلّ ما يقال فيه إنه قضية إنسانية عالمية وليست محليّة .

كنسوية لا استطيع إلا أن أتطاول بعقلي على كل ما يصادفني من ظواهر مجتمعية، سياسية، إنسانية (فردية أو جماعية)، أتطاول بعقلي على كل ما يخص الرجال والنساء. أفحص، امحّص، أحلّل، أنقد،  وتحديدا الظواهر التي نعيشها في لبنان .

طبعا لا شيء يعجبني، فأنا كأي مواطنة لم تعد تجد في هذا المجتمع إلا الإزدواجية السائدة في تفكير كل فرد فيه وذكورية متجذرة.

نحن نعيش اليوم في مجتمع  لا ينقصه من التقدم والتطور على المستويين الشكلي والسلوكي عند بعض الفئات شيء، بل لأكون أكثردقّة لدينا من الزيف وضرورات الديكور ما يكفي ليُظهر أننا مجتمع فيه وفرة – فيه رفاه- فيه ديمقراطية – وحرية (أقصد حريّات على انواعها وأشكالها التي صارت إشكالا للبعض ).  ولكنني وجدت مع هذه السنين أننا لم نستطع أن نلغي سطوة التقاليد – سطوة الاعراف- سطوة تفسير النصوص الدينية – والأبشع والأكثر رعبا: سطوة الخوف.

كنسوية لا بد لي من التحرر من خوفي والخروج من القمقم لأكون إنسانة أفضل.

أن أخرج من القمقم، يعني أن أتطلع إلى الانسانية بشكل أعمق، أن أراقب من حولي رجالا ونساء كيف يمارسون هذه الإنسانية. هل يمارسونها بالعدل؟ بالمساواة؟ بالمحبة؟ بالإحترام؟ بالتسامح؟ والأهم عندي هل يمارسونها بالإنفتاح؟؟

هذا الانفتاح هو بوابة الخروج من القمقم المجتمعي الذي نعيش فيه، كنسوية لا بد لي من الانفتاح على ذاتي، أن أستخرج من بواطني كل ما أملك من لغة ومعرفة وعاطفة وشجاعة وجرأة وغضب وحب وتعاطف وأنسج بهذا كله علاقة مع الآخر …من هو الآخر؟ النسوة والرجال فأشرح لهنّ ولهم أننا لا نتحرر إن كبحنا جوهرنا ولجمناه…عبِّروا بصدق عن كل ما تفكرون به هو حق لكم، عن كل ما تشعرون به، واجهوا بالتعبير… عن ذواتكم.

لأني نسوية أنا مؤمنة، ولا اقصد الايمان بالمعنى التقليدي القشري السطحي،  أنا أؤمن بـ “إنسانٍ أفضل” …انا كنسوية يعني أنا إنسانة أفضل، وفي هذا الإيمان خلاصٌ من كل ما يصبٍ فوق دماغي من مؤسسات دينية، ومن اوصياء على الجنة وأوصياء على الأديان السماويه.

أعرف أن ما أقوله صعب، أصلا هو عليّ كان صعباً في بيئة ملتزمة – لكن لكل منا طريقه الخاص للتخلص من التبعية والتخلف والوصاية الأبوية والدينية و، و، و.. .ويمتد العدّ !

لأني نسوية أنا أواجه نقاط ضعفي، ليس سهلا على فكرة!! كان لا بد من الوقوف ووضع السبابة في مصدر الوجع والضعف، كي لا أدفن قوتي وكي لا أتواطأ مع خوفي على ذاتي…فهذا كان سيشكل مشاكل نفسية وجسدية وصحية لي، ومشاكل على مستوى التلاقي مع الشريك، والمشاركة معه في المجالات كافة…فالسياسة ترفض امرأة ضعيفة، والقيادة في العمل ترفض امرأة لا تقدير ذات عالٍ لديها – والأسرة ترفض زوجة غير قادرة…واجهتُ خوفي، فواجهي خوفك وإلا فأنتِ أول من يضطهدُكِ … داخلك.

لأني نسوية أقول لكِ حيثُ أنتِ ليس بالضرورة أن تنخرطي في حزب أو منظمة أو جمعية أو جهة. يكفيك من مكانكِ أن تلتفتي على قضيتكِ ونفسكِ إن كنتِ تعانين قهرا أسريا أو مجتمعيا أو مهنيا – اعتنقي مبدأ أن لا تمايز بينك وبين الرجال، طالما أنك تؤمنين أنكما سويا مع الرجل ذات جوهر واحد هو “الإنسان”.

ولأننا في زمن التكنولوجيا، وفي زمن السرعة وما أسرع التواصل والوصول، اقتحمي من مطبخك أو مكتبك أو صفك – أو مصرفك – أي موقع يدعمكِ

افخري بنسويتك فأنت لست متهمّة بالنسوية – لا تتنكري لها – هي فعلا فخر، لو كنت تمارسينها بسلوك سويّ ينمّ عن عقل يقظ – مارسي حياتك بمهنية وعلمية وعملية عالية، وعواطف متزنة.

لا أذكر أنني فرّغْتُ نسويتي من معناها الكبير، وهاجمْتُ بطيش الجنس الآخر يوما…أعرف أنه يتوق لنا، هو الشريك..

ولأنني نسوية أقول لمن تعرّف نفسها أنها من مثيلاتي، وازني باهتمامك بين ما هو عامّ وخاصّ (أي بين ما يهم النساء جميعا وبين مايهمك وحدك) فلكل ّ امرأة فينا وجع خاصّ، حكاية خاصة، تجربة، فرصة، حظّ ..

لأنني نسوية أقول تجرئي على طرح آرائك في كل الشؤون اللبنانية التي تتخذ طابعا جدليا في مجتمعنا (على سبيل المثال لا الحصر: زواج مدني، مساكنة، زواج مبكر، وغيرها….وغيرها) لا تسكتي صوتك فأنت لست متفرجة  خرساء في هذا العالم. أشدد هنا على رأيي بخصوصية المجتمع الشرقي والتزاماته…

لأنني نسوية ادرك وأشجع الباقيات على طرق باب الدعم،  وعلى الانخراط في دورات التوعية – لا يمكن أن نحدث تغييرا ايجابيا إن لم نتلق دعما وتوعية، ادرسي المصطلحات الكثيرة – فرقي بينها – اخرجي من كل خطأ شائع، لا تقصري بحق ثقافتك “النسوية”، تعمقي بمفاهيم العدل والحرية والتحرر والانسانية والجندر والند والشريك وتكافؤ الفرص وغيرها الكثير ..ولا بد لك من الإستزادة فيها.

لأنني نسوية أطالب بالتمكين، التمكين يخلص من القمع على أنواعه، تمكّني وارفضي الهيمنة وقفي على أرض صلبة من خلال مالِكِ وعملك.

لأنني نسوية  أنا تربوية، أنا أمّ، أنا أصدق أن التربية وحدها تصنع منا نساء أفضل، والأخلاق وحدها من يثبتنّ على الإرادة وتحصيل الحقوق، أخلاقي فرضت عليّ أن أتثقف أكثر، وجعلتني متعالية عن التفاهة والسطحية…اخلاقي جعلتني مسؤولة عن رعاية بنتين وولد ورعاية ذاتي.

ما رأيت يوما فردًا خلوقًا يقبل الخضوع والإذعان، لا أظن أن رجلا عاقلا يقبل لامرأة الخضوع لسيطرة مغرورة مريضة، فالخضوع لا يطوّر الإنسان.

متطرفة أنا، وأكتب ببساطة قناعاتي، وأنا كغيري كانت نسويتي يوما في ريعانها غير ناضجة، ولكنني واجهت تحديات كثيرة، على مستوى شخصي مع أسرتي في بيتي أولا ، مع ابنتيّ اللتين طالما واجهتاني بأنني امرأة لستُ بارزة عاطفيا وأنني أميل إلى ابني أكثر، وأنني شديدة الرجم وشديدة النقد معهما، أعترف نعم لقد جربت مرارا أن أكون موضوعية في تربيتي لابنتيّ وقد أكون انتقدْت نقدَا غير عقلاني لسلوكياتهما على امتداد السنوات هذه – ولكنني أدركتُ مع النضج أنه لا بد  لي كأمٍّ نسوية بشيء من التحفظ واحترام الخصوصية ولجم الغضب معهما…ابنتيّ وللأمانة عند مطالبتي بالتدخّل تفهمتا غضبي وعاطفتي التي لم تكن يوما مبالغ فيها إلا معهما.

طبعا واجهت تحديات مع مجتمعي وفي عملي كأي امرأة أخرى، قد يكون منسوبها معي، لأنني منخرطة في كل ما يخص النساء، ولأنني كما ذكرْت بداية أن مجتمعنا يتخبط بين التقليدية والحداثة – بين الحفاظ على الأصيل في مجتمعنا واللحاق بركب العولمة، هذا كله مسّ خياراتي ببعض الأحيان ودفعني للحذر بالانتقاء حتى وصلت إلى اعتناق مبادئ لا أحيد عنها اليوم.

لا بد من الإشارة إلى أن مجتمعنا فقد المعنى الانساني حين قام على التمايز والتحيز الجنسي للذكور- فبات الكثير من الناس لا يؤمنون أن لكل امرأة فينا قيمة، لكل امرأة فينا رأي ووجهة نظر، لكل امرأة فينا طريقة فهم للعالم خاصة بها، وهذا ما دفعني للتسليم بأن النسوية لا بد أن تتحلى بالصبر والنَفَس الطويل… وللحديث تتمة

Leave a Comment