ثقافة مجتمع

“الشباب ثروة وثورة”: رسالة إلى طلاب لبنان وطالباته

كمال اللقيس

البقاع 7 أيلول 2023 ـ بيروت الحرية

سمحت لنفسي، ان اسطو على عنوان مقال “الشباب ثروة وثورة”، الذي  نشره المبدع الرائع ميخائيل نعيمة، في العام ١٩٥٤، في العدد الثامن من مجلة “الآداب” البيروتية العريقة، لإنّ الشباب – في اعتقادي -، يشكّلون الرافعة الموضوعية، إنْ في الإصطفافات الطوائفية المُقزِّزة، او في ضخهم دمًا جديدًا، في شرايين المجتمع اللبناني، وتجشّمهم مشقة مسيرة التغيير الديمقراطي.

يعيش شباب اليوم، شباب القرن الحادي والعشرين، ازمة خانقة على المستويات كافة، أزمة علم وعمل، أزمة دور وموقع،وأزمة هوية ومستقبل.

إنّ زحف وانفلاش الهجمة النيوليبرالية المتوحشة، التي تعمل على ابتلاع الناس لتتقيأهم سلعًا ومسوخًا، يقفان سدًا منيعًا، في مسيرة “انسنة” العولمة، كحركة موضوعية تقدمية لا رادّ لها.

هذه الهجمة، هدّدت وتهدّد الشباب في قوتهم اليومي، وتنقضّ على كلّ المكتسبات التي حقّقها اسلافهم، فتجعل من أغلبيتهم الساحقة، فئات مهمّشة، في مجتمعات تتسع فيها، قاعدة الهرم الاجتماعي، فتندثر فيها الطبقات الوسطى- كصمّام امن وامان -، إلى ما دون خطّ الفقر، في وقت تجتمع فيه الثروة في أيدي قلّة قليلة.

امّا في لبنان، فألأزمة التي عصفت بالشباب (إناثًا وذكورًا)، منذ انتهاء الحرب الأهلية العبثية، تحولت إلى كرة نار تقذف حُمَمًا، بعد انتفاضة ١٧ تشرين الاول من العام 2019، فاجتاحت الأمية اكثر من ١٠ بالمئة ممن هم دون الخامسة عشرة، وغدا نصف شباب لبنان، عاطلين عن الامل والعمل، فمنهم مَنْ هاجر، ومنهم مَنْ قضى في قوارب الموت، ومنهم من ينتظر.

إنّ الأزمة الاقتصادية في العالم عمومًا، وفي لبنان خصوصًا، تتجه نحو المزيد من الاحتدام والتعقيد، ذاك انّ الطابع الاحتكاري المعولَم للإقتصاد، قد اسّس لمزيد من الازمات، إنْ في الدول الرأسمالية الكبرى، أو في عالم الاطراف، الذي ينتمي اليه لبنان، تجلّت في مؤشرات: ازدياد معدل الركود الاقتصادي، تفلت اقتصاد السوق من كل القواعد والضوابط، ازدياد حجم البطالة لدى القوى المنتِجة (في فئة الشباب تحديدًا)، انتشار عمالة الاولاد، وانحدار مستوى الضمانات الاجتماعية…

امّا لبنان، فليس استثناء او بمنأًى عن الازمة الاقتصادية التي تعصف بالاقليم، بل هو في قلب الحدث، لأنّ الحكومات المتعاقبة منذ ما بعد “الطائف”، لم تعتمد “الحوكمة”، بل ضربت عُرضَ الحائط، بكلّ القطاعات المنتجة، واقرّت موازنات ضرائبية غير عادلة، ما فاقم التفاوت داخل المجتمع، وطالت تلك التدابير المجحفة قطاع الشباب، فأصابته في مقتل، ونتج عن ذلك:

– تقلص فرص العمل، ارتفاع منسوب البطالة إلى اكثر من ٥٠ بالمئة (عند الشابات اكثر)، في وقت لا تُقَرّ فيه سياسة للإستخدام، ولا تعمد الفعاليات الاقتصادية، إلى وضع مسألة إيجاد فرص عمل، في سلم اولوياتها لحلّ الأزمة.

– تفاقم الفقر بين الشباب وتهميشهم، ما زاد نسبة النزوح إلى المدن، والهجرة إلى الخارج لمن استطاع اليها سبيلًا، ما يؤدي إلى فقدان طاقات بشرية ماهرة، إلّا أنّ الحلول المتبعة اليوم، ستؤدي إلى مضاعفة عوامل تهميش الشباب، لأنّ  معظم  فرص العمل المتوافرة لهم،غير ثابتة وبعضها موسمية (مطاعم- فنادق- مسابح-جمعيات إن جي اوز…)

وتجدر الاشارة ههنا، الى أنَّ العامليْن الآنفَي الذكر، قد فرضا على المتخرجين الجدد من الشباب، شروط عمل، اقلّ ما يقال فيها، انها تفتقر إلى الحدّ الادنى من عدالة الأجور والضمانات الملائمة، في وقت يزيد فيه الاستغلال، والتمييز الجندري.

…ولأنّ الطلاب هم من الشباب بمنزلة القلب من الجسد، فإنّهم يرقصون على صفيح ساخن، ويسكنون عين العاصفة.

لدى دخولك حرم أي من كلّيات الجامعة اللبنانية، ليس من الصعب عليك، أن تلحظ نشاط المجموعات الطلابية، التي تشكل كل منها، نسيجًا من لون سياسي مُحدّد.

إزاء هذا الواقع، ترتسم تساؤلات عديدة: كيف يُسيَس الشباب الجامعي ولماذا؟ ومَن المستفيد من هذه الحركة السياسية ومَن المتضرر؟ وهل يشكل انخراط الطلاب  في السياسة شرطًا حاسمًا في تصويب البوصلة؟ أم أنه سيكون استنساخًا لمجتمع وُلدت فيه الطائفية وترعرعت وكبرت وهرمت ولم تمت بعد؟!

ما من شكّ، بأنّ الشباب- والطلاب تحديدًا-،هم العصب الحيّ، الذي تحرص كل الاحزاب-والطائفية منها بخاصة-، على ألّا يضعف أو يموت، ولكنْ كيف يتجدد هذا العصب؟ أهي الأفكار والمبادئ، التي تجذب الشباب إليها دائمًا؟ أم  هي العصبية-في الحالة اللبنانية-، التي اسهب ابن خلدون في شرحها؟

بناءً على ما تقدم ذكره، أتوجه برسالة مفتوحة إلى كلّ طلاب لبنان:

لا اتوخى في هذه الرسالة، ممارسة فعل الوعظ والارشاد، وادّعاء حصرية امتلاك الحقيقة، التي طالما امطرتنا بوابلها، على صفحات الدوريات، وشاشات المرئيات، وشبكات التواصل الاجتماعي، بل أتوجه إلى قلب لبنان، إلى مستقبل لبنان، إلى الجسم الطلابي، فأطلب منه واطالبه، بأن يعي ما يُحاك في كواليس السياسة اليومية، من محاولات حثيثة، لشطب دور القطاع الطلابي الحاسم، في انتاج معادلة اجتماعية قابلة للحياة، عبر انجاز عملية ارساء الدولة المدنية، وتحديث وعصرنة النظام السياسي المهترئ، فيقطع الطريق-اي القطاع الطلابي-، على تمادي التقليد السياسي، في استدراج الطلاب، إلى منطق الاصطفافات، لإعادة إنتاج الخطاب الطائفي المقيت.

لذا، اجدني لا اجافي الحقيقة في شيء، إذا ما اعتبرت بأنَّ الشباب- والطلاب منهم خاصة، ثروة وثورة في آن، فعلى عاتقهم تقع مسؤولية، اختصار فترة الحمل، وتلطيف آلام الولادة، ولادة الجديد المُعافى، من رحم القديم المتهالك، في صيرورة عملية التغيير الاجتماعي، فمن معينهم الذي لا ينضب، تقدم الأوطان قرابين سيادتها وعزتها، وهم المُتضررون مباشرة، من الفجوة في العلاقة، بين المواطن والمؤسسات.

من هنا، اناشد كلّ الطلاب الأعزاء،اعلان حالة طوارئ طلابية، واطالب بعقد المؤتمر الطلابي العام والدائم، لأنّ السيل قد بلغ الزُبى، وضاق عقلنا وصدرنا بفساد ومفاسد النظام الطوائفي، فتنادوا إلى عقد هذا المؤتمر، وسخّروا جهدكم، في استخدام كافة وسائل التعبير الديمقراطي، من النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الى إقامة الحلقات الدراسية، و تنفيذ الاعتصامات والمسيرات السلمية، وفي هذا السياق، اتقدم ببعض الاقتراحات، لتكون بنودًا على جدول اعمال هذا المؤتمر، منها ما هو جامع، ومنها ما يخص الجامعة اللبنانية، وهي اقتراحات مطروحة للنقاش والإغناء.

البنود الجامعة:

١-الدعم اللامحدود واللامشروط، للحملة الوطنية لخفض سن الاقتراع من 21  إلى 18 عاماً، لما يوفره هذا الاجراء، من ضخّ دم  جديد، وإشاعة مُناخ سياسي صحي، ورفد المجلس التشريعي المَنوط به، اتخاذ القرارات الوطنية الحاسمة، بكوادر بشرية شابة، ترجح كفة الخيار الديمقراطي الحر، وتنبذ العصبيات والتبعية ايًا يكون مصدرها.

لكنَّ هذا التعديل الدستوري(خفض سن الاقتراع من ٢١ إلى١٨) ، إذا ما أُقرّ، سيضعنا مباشرة، في مواجهة استعصاء لبناني قديم متجدد، اي الخلل في التوازن الطائفي، لأنّ لائحة الشطب ستضم ٢٨٠ الف مقترع جديد، ٦٧ بالمئة منهم مسلمون، و٣٣ بالمئة منهم مسيحيون، فما العمل؟ واين الحلّ؟

الحلّ يكون في إقرار قانون عصريّ للاحزاب، يلتزم اولًا واساسًا، عدم الترخيص للاحزاب الدينية والطائفية، ومن ثمّ الذهاب، إلى قانون انتخاب نيابي (خارج القيد الطائفي)، يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة، على قاعدة التمثيل النسبي.

٢-العمل على تثبيت حق المغتربين في الاقتراع، كمادة دستورية، بعيدًا عن التسويات والمقايضات، وارجحية ميزان القوى داخل المجلس النيابي.

٣-ادراك الطالبات، لأهمية المشاركة في العمل الطلابي والنقابي والحزبي، أنّ الجميع معنيون، بإجتراح حياة سياسية صحيحة وصحية.

٤-إيلاء البيئة اهتمامًا استثنائيًا، والتعاون مع الجمعيات الاهلية، والقيام بحملات تشجير، على امتداد مساحة الوطن.

٥-حثّ الدولة على انشاء مكتبات عامة، مُزودة بالإضافة إلى الكتب والمراجع، بشبكات انترنت ذات تعرفة رمزية، وشاشات عملاقة، تعرض المنجزات العلمية (فيزياء الكون- الذكاء الاصطناعي-جديد الطب….)، كي يتسنى للطلاب تحصيل المعرفة.

٦-اصدار نشرة الكترونية دورية، للتوعية الوطنية والسياسية والعلمية والنفسية والجنسية.

٧-جعل حماية الحرية السياسية والفكرية، امرًا راهنًا دائمًا،فلا تُضلّل الديماغوجية المقيتة الرأي العام، ولا يغتال الخطاب الطائفي، لقمة جمهور المواطنين العريض.

البنود الخاصة بالجامعة اللبنانية:

١-المثابرة على المطالبة باللامركزية الادارية، ومنح صلاحيات أوسع للفروع، وتحصينها بسياسة إدارية رشيدة ومتماسكة، لا تحكمها مزاجية مدير الكلية واساتذتها تارة، وولاءاتهم السياسية والطائفية طورًا.

٢-النضال الدؤوب لإجتثاث هذا المرض العضال، مرض اخضاع فروع الجامعة اللبنانية، لنفوذ قوى الأمر الواقع الطائفية، فتغدو الاقلية الطائفية المختلفة، من اهل الذّمة.

٣-التصدي لمحاولات خصخصة الجامعة اللبنانية.

٤-تأليف لجان متابعة من الطلاب والاساتذة، لتشجيع التعليم الرسمي، وتأهيل كوادره الادارية والاكاديمية.

٥- فكّ الارتباط بين الكفاءة في نيل الاجازات، وبين الإذعان لقوى الأمر الواقع الطائفية، في فروع الجامعة اللبنانية.

-٦ الترحيب بالطلاب الاجانب-الطلاب العرب خصوصًا-على قاعدة اولوية استيعاب الطلاب اللبنانيين .

هذه الورشة الوطنية لا تنهض، ولا تؤتي ثمارها المشتهاة، الّا وفق مقولة جور دانتون: “الجرأة الجرأة ايضًا الجرأة دائمًا”.

خلاصة القول

نحن نحتاج اليوم، إلى نهوض حركة طلابية، تقرّب ذات البين، وتحوله إلى تنافس سياسي، مقرون بتعاون اكاديمي، يُحَسّن ظروف التعليم واوضاعه، وتزداد الحاجة إلى ذلك، في الجامعة اللبنانية، حيث تحولت فروعها المناطقية، إلى ساحات تنافر دائم، وإذا ما نظرنا إلى حال لبنان اليوم، وانهيار اقتصاده الكامل، ووقوف بنيه على حافة الصدام الاهلي، يتبدّى لنا، كم أنّ اثر غياب الاطر النقابية الفاعلة، طلابية ام عمالية ام مهنية، يكشف المجتمع امام التعبئة السياسية، التي لم تعد المؤسسات الدستورية تضبطها، بعد شغور موقع رئاسة الجمهورية، وتعطيل عمل الحكومة(مقتصر على تصريف الاعمال)، ومصادرة نبيه بري لمجلس النواب، الذي غدا رهين اجندة الثنائي الشيعي (حزب الله  وحركة امل).

بمعنًى آخر، لقد بات الانكشاف امام الأزمات، من دون مؤسسات، وتجمعات عابرة للطوائف، وللقوى السياسية الطائفية، سمة عامة للمجتمع والدولة، وفي هذا ما يزيد، من خطر الانزلاق إلى النزاعات الأهلية المفتوحة.

امّا في ما يخصّ الطلاب، فلا بدّ من الدعوة، إلى القيام بنشاط طلابي مختلف، لا يتنازل فيه احد عن قناعاته السياسية، ولكنْ يتفق من خلاله الجميع، على اجندة  ثانوية جامعية اصلاحية توحيدية.

أمّا الطلاب العلمانيون واليساريون، فهم مدعوون للمبادرة والمساهة في إنجاح هذا المسعى، عبر التواصل مع سائر الطلاب، حرصًا على السلم الاهلي، اقلّه في حرم ثانوياتهم وجامعاتهم.

Leave a Comment