ثقافة

باقة ورد فرج الله صالح لم تصل 

حسين صلح

طل الصباح، وباقة ورد فرج الله صالح ديب ابو خلدون لم تصل كالمعتاد، شعرت ان في الامر حدث جلل، وبسرعة البرق انتشر خبر وفاته، وصوره على وسائل التواصل الاجتماعي. أيقنت ان أبا خلدون غادرنا، وان باقة وروده لم تصل ولن نشم عطرها لاحقاً.

ابو خلدون صديق وأخ ورفيق تعرفت إليه في مجلة “بيروت المساء” مع كوكبة من الإعلاميين المناضلين، وعززت هذه الصداقة حتى أيامه الأخيرة، حيث كنا نتواصل عبر وسائل التواصل وكأننا نعيش معا في مكان واحد.

ابو خلدون المناضل والمفكر والمؤلف والباحث والإعلامي نشر أبحاثه وكتبه ومقالاته في الصحف اللبنانية وبشكل خاص في مجلتي الحرية و بيروت المساء. جسد تطلعاته الوطنية والفكرية والثقافية خلال عقود من الزمن ، لم يصبه الوهن او اليأس او التعب. ولكل مناضل او مفكر بداية ونهاية، لكن ما يبقى هو الأثر الطيب والأفكار النيرة والأرث الثقافي والفكري والإنساني.

ابو خلدون رحيلك مؤلم وصعب وخسارة كبيرة، وأشهد لقد أصابني الذهول عندما قرأت منشور نعيك من قبل الأصدقاء، لإن رحيلك فجيعة كبيرة وحزينة، شعرت بلوعة الحزن عليك، ولست قادراً على وصف هذا اللون من الحزن على وجه الدقة، لانه أحيانا نادر الحدوث في القلب، فهو غريب، ولانه عميق في النفس فهو غامض. إنه ذهول يتخلله وعي، وأسف تخالطه حسرة، وحرقة يغالبها دمع، وذكرى يقابلها قنوط، وسخط يكفكفه ايمان بعدالة القضية التي مَنحتها سنوات حياتك.

ابو خلدون لقد سقط خبر وفاتك كالصاعقة على اصدقائك ومحبيك ورفاقك وزملائك من أسرة تحرير مجلة “بيروت المساء”، وأنت ما تزال في قلب المعركة صامداً صابراً امام ما يشهده لبنان من تحولات في بُناه وقواه السياسية، تناضل لنصرة الحق والعدالة وقيام الدولة الوطنية، وعند انتشار الخبر تمثل لعيني ذلك الخطب الجلل على أبشع صوره وأفظع معانيه، تمثل في فقدان ذاك الرجل الكبير والقلب الرقيق وصوت المقهورين في لبنان، فجزعت جزع الانسان الذي يرى حجم الخسارة التي لا تعوض، وتمثل لي في احوال اللبنانيين الذين يأنون من وجع الأزمة الإقتصادية ونتائجها المدمرة لمعظم فئات الشعب اللبناني وأثرها البليغ على متطلبات الحياة الكريمة.

ابو خلدون كنتم وأمثالكم الصوت المدوي الدائم الحضور في الدفاع عن مصالح اللبنانيين وحقهم في العيش الكريم، وكنتم في طليعة الأصوات التي تدعو لإنهاء الهيمنة على لبنان من قبل محور الجوع والممانعين.

ابو خلدون غيابك هو غياب الرجل المقدام والرمز القوي في التصدي لتزوير التاريخ، لاسيما ما يتعلق بتاريخ اليهود والحركة الصهيونية والإدعاءات الفكرية بحق اليهود في فلسطين، كما كنت شجاعا ومقداماً في منشوراتك في الصحف والكتب التي أصدرتها والأبحاث السياسية والثقافية والفكرية. وكنت تجول من الجنوب الى البقاع والشمال والجبل وبيروت، محاضراً في السياسة والتاريخ، وفي القضايا الوطنية اللبنانية والقضايا العربية، وبشكل خاص القضية الفلسطينية .

ابو خلدون لأجل ما قمت به خلال العقود السابقة الى يوم فراقك حزنت لغيابك حزن الصديق المواطن، الذي يرى ثروة من المواقف والسلوكيات العظيمة تفقد ولا تعوض، وجزعت للانسانية، لأنني وجدت بشخصك طرازاً آخر برهن بالفعل والممارسة أقواله بأفعاله.

ابو خلدون نودعك وداع الأحبة، ونحن نستمع إليك وانت تنادينا من كفرشوبا يا أصدقائي ويا رفاقي وصيتي لكم أن أحيا في ذاكرتكم، وستجدونني في كل مكان تتواجدون فيه، وفي كل فعل تشهدونه وفي ضميركم عند كل رفيق تودعونه.

ابو خلدون لكم الرحمة ولأسرتكم ومحبيكم الصبر والعزاء .

Leave a Comment