سياسة

الهجمات المتلاحقة على ناقلات النفط وسط الاتهامات المتبادلة الألغام الموقوتة تضع منطقة الخليج تحت رحمة زناد المواجهة

كتب محرر الشؤون العربية

لم تحصل اسرائيل على ضوء أخضر اميركي للهجوم على مواقع ايرانية بعد الضربة التي تعرضت لها ناقلة النفط  التابعة لها “ميرسر ستريت”، وأدت إلى سقوط قتيلين من طاقمها، أحدهما موظف بريطاني والآخر روماني. واتهمت إسرائيل وبريطانيا ورومانيا والولايات المتحدة وغيرهم إيران بالوقوف وراء الهجوم. وهي اتهامات نفتها طهران. وناقلة النفط التي تعرضت للهجوم مطلع آب الجاري تشغّلها شركة “زودياك ماريتايم” المملوكة للملياردير الإسرائيلي إيال عوفر. لكن عدم الحصول على الضوء الأخضر، لا يعني أن الامور عادت إلى سيرتها الأولى لجهة الهجمات والهجمات البحرية المتبادلة والمحدودة بين ايران واسرائيل، فقد  تبين مما شهده الجنوب اللبناني أنها قد تكون مرشحة للمزيد من التصاعد في ساحات عدة تتجاوز مياه الخليج. علماً أنها شملت في مرحلة سابقة كل من البحر المتوسط ، واليمن والعراق نتيجة تعرض مواقع عسكرية يشغلها جنود ومستشارون اميركيون لهجمات صاروخية عن طريق الحشد الشعبي، المعروف بارتباطاته الوثيقة بالقرار السياسي للمرشد وحرسه الثوري الايراني.  

وبدا لأيام أن الحرب واقعة، خصوصاً بعد أن لوَّح وزير الخارجية الاميركي  أنتوني بلينكن أن الرد على الهجوم الايراني على الناقلة سيكون جماعياً. أي تشارك فيه بلاده مع اسرائيل والمملكة المتحدة، باعتباره نقلة نوعية في تهديد الملاحة والتجارة الدولية في منطقة بالغة الأهمية على الصعيدين الاستراتيجي والاقتصادي.

لكن التوجه نحو الحرب الجماعية الذي سرعان ما تراجع صوته، لم يمنع المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي من القول إن “لإسرائيل حرية اتخاذ القرارات التي تراها مناسبة بشأن إيران”. جاء ذلك بعد أن ناقش مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان مع نظيره الإسرائيلي إيال هولاتا في واشنطن التهديد الذي تشكله إيران.

 الخارجية الإيرانية التي نفت مسؤوليتها عن الحادث مؤكدة براءتها من تدبيره، اتهمت طرفاً ثالثاً يسعى لزعزعة الأمن في المنطقة، داعية باقي الدول ( بريطانيا ورومانيا وأميركا) أن تكون حذرة حيال مثل هذه المؤامرات. بينما كان سقيرها  في لندن يوضح هوية الطرف الثالث يما هو “لاعب معتدٍ في منطقتنا هو الكيان الإسرائيلي، مستعد للعدوان ضد دول أخرى في أي لحظة”. مشيراً إلى “تعرض 11 سفينة إيرانية خلال العام الماضي للهجوم في البحر وحتى في مياه الخليج””.

على أن التوتر لم يقتصر على الهجوم على ناقلة النفط الاسرائيلية، فقد شهدت منطقة الخليج بعد ثلاثة أيام من استهداف الناقلة الأولى حادثاً مختلفاً، عندما بثت أربع سفن على الأقل قبالة سواحل الإمارات تحذيرات مفادها أنها فقدت السيطرة على القيادة في ظل ظروف غامضة وأبلغت السلطات عن “الواقعة” في المنطقة.

وأفادت السفن وهي: ناقلة النفط غولدن بريليانت، والناقلة كامدهينو، وجاغ بوجا، وإيبيس، في الوقت ذاته تقريباً عبر أجهزة تتبع نظام التعرف التلقائي الخاصة بها أنها “ليست تحت القيادة”، وفقًا لموقع “مارين ترافيك”، وهذا يعني عادةً أن السفينة فقدت الطاقة ولم يعد بالإمكان قيادتها.

وبحسب موقع “مارين ترافيك” فإن ناقلة المواد الكيميائية “غولدن بريليانت” التي تبحر منذ 2010 تحت علم الصين ثم علم سنغافورة، كانت قد أبحرت من ميناء كلاغ الماليزي، وأن آخر ظهور لها كان في خليج عُمان، قبل أن تصبح “فاقدة للسيطرة”.

أما قناة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني فقد أعلنت بدورها أن ناقلة نفط تابعة لشركة سنغافورية ارتطمت بلغم بحري قرب سواحل الفجيرة. وبالتوازي، أعلن أن ناقلة النفط “إيبيسس”، التي ترفع علم فيتنام وتعمل منذ 23 عاماً، تعرضت أيضا إلى خلل فني في خليج عمان.

ووفقاً لما نقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن بيانات موقع “فلايت رادار 24”.أن منظمة التجارة البحرية البريطانية نصحت السفن المتواجدة في منطقة الخليج بـ “توخي الحذر”.

وسائل إعلام إسرائيلية تحدثت عن أن إيران نشرت منظومة صواريخ “إس – 300” الروسية بالقرب من مفاعل “بوشهر” النووي، في محاولة لـ “صد أي ضربات جوية محتملة ضد مواقع حساسة”.وقال موقع “إسرائيل رادار” في تغريدة، إن إيران تتوقع ضربة إسرائيلية على المفاعل.

ومع تراجع الولايات المتحدة عن قرار توجيه ضربة جماعية قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إن إسرائيل قادرة على التحرك بمفردها ضد إيران. وأضاف خلال تفقده مقر قيادة المنطقة العسكرية الشمالية، “إننا نعمل على حشد العالم معنا ضد إيران، لكن في الوقت نفسه نعرف كيف نتحرك بمفردنا”. وتابع: “انتهى زمن الجلوس بكل راحة في طهران وإشعال الشرق الأوسط بأسره من هناك”.

وأوضح بينيت أنه “فور الهجوم الإيراني على السفينة، شاركنا معلوماتنا الاستخبارية مع أصدقائنا في الولايات المتحدة وبريطانيا وفي دول أخرى”، مضيفاً أنه “لا يساور أحد الشك في هوية الطرف الذي يقف وراء هذا الحدث، ولكننا قدمنا أدلة قاطعة لتأكيد ذلك”.

من جهته، دان الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي الهجوم على ناقلة النفط الذي نسبته واشنطن لإيران، ولكن بروكسل دعت إلى “تفادي أي تحرك قد يضر بالسلام والاستقرار في المنطقة”.

وقالت الناطقة باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون السياسية والأمنية نبيلة مصرالي في بيان: “ندين هذا الهجوم.. نأخذ في الاعتبار تقييمات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل وندعو إلى تجنب أي عمل يضر بالسلام والاستقرار في المنطقة”.

وسط مناخات بالغة التوتر وتنذر بما هو أسوأ من مجرد التهديدات الكلامية قام المرشد الإيراني علي خامنئي  بتنصيب إبراهيم رئيسي رئيساً جديداً لإيران بعد فوزه في الانتخابات التي جرت في 18 حزيران/ يونيو الماضي، ووصفه مكتبه بأنه رجل حكيم. وأدى رئيسي لاحقاً اليمين الدستورية أمام البرلمان، في خطوة يتبعهاعادة  تقديم أسماء مرشحيه للمناصب الوزارية.

وفي كلمة له بعد تنصيبه أكد أن إدارته ستتابع موضوع رفع العقوبات، “لكنها لن تربط حياة الإيرانيين بإرادة الأجانب”. وبرز في كلمتي خامنئي ورئيسي خلال حفل التنصيب تشديدهما على مواضيع داخلية من نوع تشكيل الحكومة وحل المشاكل الاقتصادية ومكافحة الفساد والتهرب الضريبي وعجز الموازنة والتضخم وتفشي كورونا، إضافة إلى متابعة سياستها الخارجية في المنطقة والعالم. والمعروف أن رئيسي جاء ممثلاً للجناح الأكثر تطرفاً، وفي غمرة استعداد ايراني لمزيد من التصعيد، خصوصاً وأن مفاوضات فيينا متوقفة منذ عدة أسابيع بفعل تناقض طروحات الطرفين الاميركي والايراني من جهة، واستغراق الأخيرة في تأكيد موقفها بالعودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات كاملة قبل أي بحث آخر. أما الولايات المتحدة فترى موضوع المفاوضات أوسع من عودة لاتفاق جرى توقيعه العام 2015 ، إذ لا بد وأن تشمل المفاوضات مسألة البرنامج الصاروخي البالستي والتدخلات الاقليمية في المنطقة. الواضح أن رئيسي وضمن المنحى الإجمالي للمرحلة يعتزم تشكيل فريق تفاوضي أكثر تشدداً من فريق الرئيس حسن روحاني. علماً أنه يواجه تحديات داخلية خارجية متبادلة. ولعل التظاهرات التي شهدتها منطقة الأهواز وامتدت إلى مدن في شرق ووسط ايران احتجاجاً على نقص المياه وتردي الخدمات، إضافة إلى وضع الاقتصاد الايراني وارتفاع منسوب البطالة والتضخم… إن جملة هذه العناوين لن تجد علاجاً ايرانياً لها الا من خلال الغرق في مغامرات دفاعية عن نظامها كالذي تقوم به أذرعها الخارجية المنتشرة على مسارح المنطقة. 

Leave a Comment