سياسة

الممانعون والسياديون وجهان لعملة واحدة

جورج الهاشم

الممانعون قرارهم خارجي.  السياديون قرارهم خارجي أيضاً. والفريقان يضحكان على جماعتيهما، فيتهم كل طرف الطرف الآخر بالعمالة. ولو صح الأمر فالعمالة سيدة الموقف لو كان هناك تعريف علمي لها. ولكن من أبسط البديهيات أن من يقبض من الخارج فهو عميل. وعلى هذا الأساس فالكل يقبضون. الممانعون طائفيون والسياديون كذلك. السياديون فاسدون والممانعون كذلك. السياديون، عندما كان القرار لهم، لم يبنوا وطناً. والممانعون، عندما أصبحوا أسياد القرار، لم يبنوا وطناً أيضاً. السياديون “ناضلوا” ضد “الفلسطيني” و”السوري” وغضّوا الطرف عن الاسرائيلي وبعضهم تعامل معه. الممانعون “ناضلوا” ضد الاسرائيلي ولم يغضّوا الطرف عن النظامين السوري والايراني فحسب بل اندمجوا معهما في حروب أشعلت أجزاء كثيرة من العالم العربي ولا تزال، وكلها ضد مصلحة لبنان وشعبه وشعوب المنطقة العربية. الممانعون وقفوا ضد الشعب اللبناني وأبسط حقوقه ونكّلوا به وقمعوه واغتالوه، ومنعوا عنه الماء والمدرسة والسكن والدواء، وتركوه ذليلاً يمدّ اليد لأي محسن كريم. والسياديون، فعلوا ذلك وأكثر، ولو أعطوا المواطن حقوقه لما وصل اللبنانيون الى ما وصلوا اليه.

السياديون والممانعون اشتركوا في حكومات “الوحدة الوطنية” التي شرّعت الفساد وتقاسمت موارد الدولة وأفقرت الشعب. الممانعون والسياديون تشاركوا في مجلس نواب أكثرية كتله ميليشياوية. ولذلك لم يقم بدوره الأساسي من تشريع ومراقبة ومحاسبة، لا بل مرَّر كل السياسات التي أوصلت اللبنانيين إلى الفقر والاذلال. السياديون استقلوا بمجالس وادارات خارجة عن أية رقابة أو محاسبة، و”دحشوا” فيها ما استطاعوا من أزلام ومحاسيب لتصبح من أهم أوكار الفساد في الدولة. والممانعون لم يقصّروا أبداً، لا بل ان بعضهم تفوّق على كل من سبقه في هذا المجال. والاثنان تقاسما بقية بقرة مرافق الدولة ولم يبقوا في ضرعها نقطة حليب واحدة. الممانعون والسياديون احتكروا وباعوا وهرّبوا وتاجروا حتى بأشلاء وطن على أبواب كل سفارة مستعدة للدفع.

الممانعون والسياديون قتلوا ثمّ هجّروا من لم يقتلوا من اللبنانيين في كل اتجاه ولا زالوا. لم يكتفوا بذلك بل لاحقونا الى كل المغتربات ليقنعوا البسطاء منّا انهم سيبنون وطناً هذه المرة.

ودائع المواطنين، مقيمين ومغتربين، سرقوها وقسّموها على بعضهم البعض بالعدل والتساوي. موارد الدولة، حتى التي لم تُستثمر بعد، احتجزوها لأنفسهم ولذريتهم الملعونة من بعدهم.

الممانعون يتمتعون بحناجر قوية تدّعي انهم مع المقاومة (التي أصبحت مذهبية) ومع محاربة الفساد ومع سيادة لبنان واستقلاله ولكن ضمن مفهومهم. والسياديون يتمتعون بأوتار صوتية قوية أيضاً وحناجر تتغنى بالسيادة والحياد وبالاستقلال ولكن حسب مفهومهم. كلهم ضد فصل السلطات وضد منطق العدالة وضد قضاء مستقل.

لكل زعيم من الطرفين، ولكل زويعم، حصة في رياض سلامة والمصارف، حصة في القضاء والأمن، حصة في ادارات الدولة، حصة في نهب المشاريع العامة، حصة في الهدر والفساد، حصة في قهر الناس واذلالهم، حصة في لقمة عيشهم وتعب عمرهم، حصة في افشال الدولة وبناء الدويلة والمزرعة أو الزاروب المستقل.

قيادات الممانعين والسياديين يتنعمون بما نهبوا، والشعب يرتجف من البرد والجوع، ومن نسبة ذل غير مسبوقة في التاريخ الحديث. السياديون والممانعون يعيشون في قصور اسطورية أو قلاع محروسة من جماعاتهم التي تفتديهم بالارواح والدماء، وهي المحرومة من أبسط الحقوق، والتي تُشهر أسلحتها “لتذبح” كل من يقترب من حصونهم التي يسمونها  “حقوق الطوائف”. الممانعون والسياديون يعيشون في نعيم وأتباعهم، وباقي اللبنانيين، يعيشون في جهنم.

الممانعون والسياديون فشلوا في بناء وطن، ولا مشروع لهم أصلاَ لبناء وطن، ولا يستحقون فرصة اخرى. وللذين يقولون ما البديل أقول: أي مواطن من عامة الشعب أحسن وأشرف وأنفع من أي زعيم من الطرفين، مع أبنائه وأقاربه والأحفاد، مهما بنى حوله من أسوار منيعة محمية بسواعد المنهوبين.

الممانعون والسياديون خانوا الوطن والمواطن. وإذا أعطى “الشعب” الأكثرية النيابية لهذا الفريق أو ذاك، في الانتخابات المقبلة اذا حصلت، فليهنأ بأربع سنوات اخرى في جهنم ونعم المقام.

Leave a Comment