صحف وآراء مجتمع

المستشفى الحكومي بصيدا: حدِّث عن الفساد ولا حرج

وفيق الهواري*

استطاع النظام الطائفي اللبناني أن يجعل الفساد هو الناظم لإدارة السلطة القائمة على المحاصصة. وشكلت إدارة المستشفى الحكومي في صيدا نموذجاً في الفساد الذي أرساه هذا النظام، وحول هذا المرفق العام إلى دكاكين تحظى بحماية سياسية من أطراف السلطة.

وعندما نتحدث عن المستشفى الحكومي الحالي، فإننا نشير إلى المستشفى الذي بني ما بين عامي 2006-2007، وقد ورث المبنى القديم الذي ما زال على مقربة منه.

اتهامات المدعي العام
يدير المستشفى الحكومي مجلس إدارة يرأسه الدكتور أحمد الصمدي، ويضم في عضويته الدكتور رفيق كنعان، الدكتور أحمد موسى، المحامية سهى عنتر، ومنى ترياقي. وتم تشكيله أيام وزير الصحة السابق غسان حاصباني، وفق محاصصة كانت تعكس موازين قوى السلطة آنذاك.

واليوم صارت منى ترياقي رئيسة مجلس إدارة المستشفى التركي، الذي مضى على بناءه 12 عاماً، ولم يجر تشغيله حتى اللحظة. عند تشغيل المستشفى كان يحوي 163 سريراً، قسماً للأشعة، مختبراً، غرف عمليات وعناية مركزة للكبار والصغار وحديثي الولادة.

لن ندخل في تفاصيل عمليات الفساد المستشري، ويكفي الإشارة إلى أن المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم، وبعد تحقيقات عامة، أحال بتاريخ 9 كانون الأول 2019 ملف الادعاء على الدكتور الصمدي بجرم اختلاس أموال عامة وإساءة استعمال السلطة والإهمال الوظيفي، إلى قاضي التحقيق في الجنوب. وحتى اللحظة لم يتم إبلاغه والتحقيق معه على الرغم من اجتماعه إلى مسؤولين رسميين وسياسيين.

بيع معدات!
وخلال الأسابيع الماضية استدعى أحد الأجهزة الأمنية موظفَين من المستشفى بتهمة سرقة تيار كهربائي من المستشفى العام، وعادا إلى العمل بشكل طبيعي. وقبل ذلك أيضاً اعتقل أحد الأجهزة الأمنية موظفَين بتهمة تزوير إفادات طبية، واعترفا بذلك وأُخرجا من الاحتجاز بعد تحويلهما إلى القضاء، وعادا إلى العمل.

مؤخراً جرى الاشتباه بعدد من الموظفين باختلاس 35 مليون ليرة، جرى التحقيق والتدقيق الإداري معهم وأُقفل الملف ضد مجهول، كما حصل يوم اختفت عشرة علب “ترامال” من الصيدلية.

لقد نجحت إدارة المستشفى في إقامة نظام فساد عام، شارك فيه عدد من الموظفين وحوّله إلى خط دفاع عن الإدارة.

تقول إحدى الناشطات: “لقد تحول المستشفى إلى عيادات خاصة لعدد من الأطباء يستفيدون من الإمكانات البشرية والمادية المتوفرة في المستشفى”. لكن ناشطاً آخر يشير إلى أن الإدارة ترفض إعطاء صورة عن الواقع الموجود في المستشفى المذكور، وماذا يوجد لديهم، وخصوصاً أنه منذ أسبوعين جرى بيع معدات وأسرة وكراسٍ وأعمدة مصل، وغيرها بحجة أنها لم تعد صالحة للاستعمال، وأن بيعها تم بعد موافقة وزارة الصحة.

ولكن ماذا عن الواقع الفعلي؟

قسم المطبخ: هناك عشرة موظفين وأخصائية تغذية، وهناك موظف سابق مكلف بشراء الخضار والمواد الغذائية، ويجري التلاعب بالفواتير بالتنسيق مع المعني بالإدارة، وحسب الموازنة الشهرية المتفق عليها. كما تجري الاستفادة من الخبز الذي يتم إحضاره من أفران المصري يومياً.
وتجدر الإشارة إلى أن المياه لا تخضع لأي فحوص مخبرية.

قسم الغسيل: على الرغم من التقارير التي يعدها مسؤول القسم، ناصر الأتب، عن احتياجات القسم، فإن الإدارة لا تولي أي اهتمام بهذا القسم. معظم المعدات متوقفة عن العمل. يوجد غسالة واحدة وبحاجة إلى صيانة. وهناك عدم اهتمام بنوع أدوية التنظيف المطلوبة، لأن الأدوية المستخدمة لا تناسب الشراشف التي تحتاج إلى أنواع أخرى.

قسم الاشعة: يعمل في القسم عدد كاف من الموظفين، تم تأمين  آلة سكانر جديدة، في حين أن الآلة القديمة ما زالت مركونة في الطابق الأرضي منذ عام.

ومنذ فترة اكتشف د. زكريا عاصي عملية سرقة في القسم، وأوصى بوقف المتهم عن العمل، لكن غطاء سياسياً أمن الحماية للمتهم، وما زال يعمل ويتنقل من قسم إلى آخر.

قسم العمليات: آلة  فحص c.b.c  معطلة وتجري العمليات من دون إجراء الفحوص المخبرية. كما أن المكيفات وآلات شفط الهواء معطلة في غرفة العمليات.

قسم الصيانة: وهو القسم الذي يشكل مصدر السرقات وتهريب المعدات التي تباع كخردة. ومنه يتم تهريب غالونات المازوت، حيث تقف السيارات قرب البراد بالطابق الأرضي وتوضع الغالونات في صندوق السيارة.

موقف السيارات: تجري قسمة إيراداته بين الإدارة والموظفين، بحجة أن الموظفين لا يتقاضون رواتبهم بشكل منتظم. وهو تحول إلى موقف عام يجري توقيف سيارات لا علاقة لها بالمستشفى أو بزواره، ويدفع أصحاب السيارات بدل وقوف شهري.

قسم الكافتيريا: شبه متوقف.

قسم المشتريات: لا تجري أي مناقصة للمشتريات، ويجري التعامل مع الشركات التي ينصح بها مدير المستشفى.

قسم الاستشفاء: الطابق الأرضي يضم أربعة أسرة للعناية الفائقة، وفي الطابق الأول يُستقبل الأطفال والنساء ومرضى الجراحة والطبابة وقسم غسيل الكلى، الذي انتعش مؤخراً بعد اقفال مستشفى شعيب، ونقل مرضى غسيل الكلى إلى المستشفى الحكومي.

وفي الطابق الثاني، يستقبل مرضى العناية الفائقة وفيه ثمانية أسرة. وفيه المعدات والأسرة التي وصلت للمستشفى من أميركا، خلال أزمة كورونا، ولم تستخدم بسبب حاجتها إلى جهاز تحويل كهربائي.

أما قسم الطوارىء فإنه بحاجة إلى معدات طبية وأدوية، لكنه تحول إلى قسم طوارىء خاص بعدد من الأطباء المحظوظين، بالإضافة إلى تلامذة طب “يسترزقون” من المرضى.

ويجري أحد الأطباء عمليات جراحية بسيطة في عيادته، مستخدماً معدات ومستلزمات من المستشفى، في حين يحصل على مبالغ من المال لا يستفيد صندوق المستشفى منها بشيء.

أما قسم الدخول والمحاسبة فحدث ولا حرج، وخصوصاً ما يجري من تلاعب  بالحاسوب.

المازوت: بعد حصول المستشفى  على 124 لوح طاقة شمسية، وربطه بخط الخدمات، بات استهلاكه لمادة المازوت قليلاً جدا، ويجري وضع كميات من المازوت التي يحصل عليها من الجيش اللبناني ومن جهات دولية “أمانة” في إحدى المحطات، ولا يعلن عن مصيرها، ويتم استبدال كميات أخرى من المازوت مقابل أنابيب أوكسجين من دون رقابة أو تدقيق.

أجوبة الوزراء
متابعة التفاصيل لا تجدي، بسبب التغطية السياسية لمجلس الإدارة. وعند لفت نظر وزير الصحة السابق د.جميل جبق إلى الموضوع، أجاب أن الأمر “بحاجة إلى توافق سياسي”! وفي فترة الوزير  حمد حسن، لم تصل سوى الخطابات الرنانة. أما الوزير الحالي فراس الأبيض، فيشكر على لفت النظر من دون الإقدام على أي خطوة جدية.

يقول أحد الناشطين المتابعين لوضع المستشفى: “كل ما تريده إدارة المستشفى هو إنشاء صندوق دعم مالي. وعندما نطلب تفاصيل الوضع الداخلي، فإن جواب الإدارة: إنها معلومات خاصة لا نستطيع الحديث بها”. ويضيف: “حتى نستطيع المساعدة علينا أن نطلع على الواقع الفعلي، وما هو حجم نشاطه الحالي، ماذا يوجد لديهم، وما هي الصعوبات التي تواجه المستشفى، ما هي مشكلات الصيانة، تحديد الأدوية واللوازم الطبية المطلوبة. والسؤال المطروح، ما هي الأهداف التي تسعى المستشفى إلى تحقيقها في حال وجود الدعم، مع الشفافية الكاملة التي تسمح للجهات المانحة بالمراقبة والتدقيق بكل المعلومات المتعلقة بالمستفيدين من الخدمات”. ويستطرد بالقول: “من التجربة السابقة، يحق لنا السؤال: هل الجهات المعنية مستعدة لنقاش فعلي لأوضاع المستشفى الحكومي؟ أم أنها تشكل حاضنة للإدارة تستفيد من خدماتها في نظام المحاصصة؟”.

*نشر المقال على موقع المدن الالكتروني تاريخ 25 كانون الاول 2022

Leave a Comment