ثقافة صحف وآراء

نحن ملائكة الشرق وشياطينه!

موسكو ـ  سعيد طانيوس

نحن اللبنانيّين ملائكة هذا الشرقِ وشروقُه وشياطينه، نحن حضارتُه وحرفه ورذائله وفساده، نحن عقلُه وقلبُه وأطرافه وسيقانه العارية وأفخاذه البضّة المشتهاة. زَرعنا في هذا الشرقِ محبّةَ الآخَر وتقاتلنا فيما بيننا عشرات السنين حتى أدمينا بعضنا البعض دفاعا عن أكذوبة العيش الآخوي المشترك، والشعار المخادع: الدين لله والوطن للجميع.

حاضرنا ببلاغة لا تقل عن بلاغة العاهرة حين تحاضر في العفة والشرف، وعن تلازمَ الأمنِ والحرية، ففقدنا أمننا على يد عصابات السلطة وأهلها وأزلامها، وأضعنا حريتنا وكرامتنا ونحن نمتهن التسول من هنا وهناك، والاستجداء على أعتاب هذا الأميsmith and soul alberto guardiani florida state jerseys alpinestars tech 7 borse y not scontate florida state football jersey 24 bottle blundstone outlet emme marella outlet online 24 bottles dr air martens narrow fit harmont & blaine deuce vaughn jersey deuce vaughn jersey ر وأدراج قصور ذاك الملك والسلطان.

نحن اللبنانيين اعتصمنا بحبل الصبر وتفرقنا شيعا ومذاهب وطوائف في هذا الوطن الصغير، ومع ذلك، أنْبتنا فيه روحَ الصمود والمقاومة والعنفوان. ما خَشِينا مملكةً ولا اجتياحًا ولا سلطنة. ما رَهِبنا مُدجَّجًا ولا مُدرَّعًا ولا مُكفِّرًا.

عندما تضيق بنا السبل، وتنهال علينا الكوارث والمآسي، نبكي كالنساء وطنا مضاعا، ثم نهرع زرافات ووحدانا لنجدد العهد والبيعة لزعمائنا الذي يتناكحون ليلدوا لنا من نسلهم زعماء جددا. عندما نجوع ونعطش ونعرى لا نرى بدا من فتح دفاترنا القديمة لنتسقط لماذا وصل لبنان الى حالته المأسوية الحالية، ولماذا يشهد لبنان في شكل دوري حروبا كبيرة وصغيرة، واهتزازات امنية بين الطوائف والمذاهب، وتنبت دويلات على هامش الدولة المركزية، ونترك الغرباء والعفاريت والعرب والعجم يتدخلون في شؤوننا الذاتية…وفي سراويلنا الداخلية.

مرات ومرات اخرى نعود الى تاريخنا الكاذب مثلنا، لنستنجد بفخر الدين وبالمير بشير وبداوود باشا وكل رجال المتصرفية ورجالات الاستقلال، فنكتشف بؤس هذه الزعامات الهشّة، وتهافت أفكارها وضحالتها، ونزعتها الماثلة دوما نحو مصالحها الفردية ومصالح ذريتها من بعدها، فلا ذكر لوطن في قاموسها وأقوالها وخطبها، بل موطن لأهوائها ورغباتها وتعطشها للسلطة والحكم.

لو أمعنا النظر في تاريخنا فسنكشف ما غاب عنا في وسط هذه الحياة المقرفة التي نعيشها نحن اللبنانيين تحت خيمة التعايش المسيحي الإسلامي الكذوب، والتسامح والرحمة والإلفة وما إلى ذلك من تعابير أبعد ما تكون عن واقع حالنا وما يدور في خلدنا وبالنا.

وقعت بالأمس صدفة على كلام قاله واحد من أوائل رؤساء هذه الجمهورية “السعيدة” إميل إده، خطاب نطق به منذ ثمانية عقود ونيف وصف فيه حقيقة لبنان وشعبه، وتنبأ بما سوف يحصل أذا نحن لم نر واقعنا على حقيقته…

قال الرئيس إده الذي عزّ عليه أن يتخلى لبنان عن أمه الحنون فرنسا:”نحن لسنا شعبا واحدا، نحن مجموعة طوائف، وكل طائفة لها دولة مرشدة… منا من يرى لبنان موطن أرز الرب، ومنا من يراه قببا ومأذن.

لنترك الفرنسيين عندنا، يعلموننا كيف نكون شعبا يستطيع بناء دولة، وإلا نحن ذاهبون للاقتتال كل عشرين سنة، فنصنع من لبنان ميدان حروب الغير على ارضه”. وينهي اده كلامه بالقول  “أنا قد قلت كلمتي واتمنى أن أكون مخطئا”.

من حق اللبنانيين، بل من واجبهم أن يسألوا بعضهم البعض، بعد ما وصلنا اليه اليوم من تعتير وانقسام طائفي ومذهبي ومناطقي، هل كان إده مخطئا؟!.

بعد حروب دامية اسقطت مئات ألوف القتلى والجرحى، ودمرت لبنان اكثر من مرة، هل كان إده مخطئا؟.

بعدما استباحت اكثر من دولة سيادتنا واستقلالنا، وبعدما تدخلت دول في شؤوننا الداخلية، وبعدما جهدت دول، وما تزال تجهد لضم لبنان اليها، هل كان إده مخطئا؟.

هل بعد أكثر من 100 سنة على اعلان لبنان الكبير، أصبح اللبنانيون شعبا واحدا، أو ما زالوا مجموعة طوائف وكل دويلة لها دولة الولي الفقيه وحاضرة من حواضر الفاتيكان ومرشدين في لندن وواشنطن والرياض والقاهرة والدوحة وأبو ظبي وعواصم القرار البعيدة والقريبة؟.

لقد حان الوقت لاعادة النظر في النظام المسخ القائم في لبنان، سواء ذاك الذي ورثناه عن “الأم” الحنون فرنسا، أو ذاك الذي استولده لنا العرّابون في الطائف، فكرسوا الطائفية في دستور الطائف المسخ وصنّموا المذهبية، وأعادوا تقسيم المصالح والمغانم.

لقد حان الوقت لإعادة النظر بعقلانية وروية وبقلوب منفتحة في النظام المسخ القائم في لبنان، هذا اذا كنّا حقا نريد لكل من يحمل الهوية اللبنانية أن يرى لبنان قد قام من بين الأموات، لأنه بخلاف ذلك لم يتبق غير نعي لبنان والعمل بالحديث الشريف القائل: إكرام الميت دفنه!.

اللبنانيون يحتفلون فولكلوريا كل عام بعيد استقلالهم الذي لم يدفعوا على مذبحه قطرة دم واحدة. وفي العيد التاسع والسبعين للاستقلال ناموا على الطوى وتلحفوا بالكرى وهم يتابعون الاتصالات الجارية بين عواصم القرار حول لبنان، مصيراً وحصاراً ورئيساً وحتى دستوراً، لا بدّ أن بعضهم يتباهى بعلاقته بهذه العاصمة أو تلك، ويستهلّ كل تصريحاته بالدعوة إلى التريث فيما ستصل إليه مداولات “الأمم” بشأن الأمّة اللبنانية “العريقة”.

وتزداد المفارقة اتساعاً حين يلاحظ اللبنانيون، ومن حولهم العالم كله، أن في لبنان مشهدان متناقضان إحداهما معيب يتمثل بهذا التدخل الفاضح في شؤون لبنان السياسية والاقتصادية والنقدية والغذائية، وثانيهما مدعاة للاعتزاز هو هذه المقاومة الباسلة التي لم تنجح في تحرير معظم الأرض اللبنانية وتحصين لبنان من العدوان الصهيوني فحسب، بل نجحت في انتزاع حق كان محرماً على اللبنانيين منذ الاستقلال، وهو حقهم في الدفاع عن أرضهم وحقولهم ومدنهم وبلداتهم وقراهم ومياههم وسمائهم وحقهم في استخراج ثروتهم النفطية والغازية.

قد يعطي بعض اللبنانيين تفسيرات عديدة لهذه الهشاشة في استقلال دولتهم التي سمحت على مدى عقود، بهذا الحجم من التدخلات الأجنبية في شؤونهم الداخلية، بعضهم يتصل بطبيعة النظام الطائفي الذي، كان ولا يزال، بوابة عبور هذه التدخلات إلى عمق الحياة اللبنانية، وبعضها يتصل بطبيعة النظام الاقتصادي الاحتكاري الريعي الذي، كان ولا يزال، المدخل إلى ارتهان لبنان اقتصادياً للخارج، فيرتبط غذاؤه وكهرباؤه وماؤه ودواؤه بهذه الإملاءات، لكن قلّة هم الذين يتوقفون أمام ضعف “الاستقلال الثقافي” في لبنان والمتمثّل تحديداً بضعف ثقافة الاستقلال بين اللبنانيين.

فثقافة الاستقلال تبدأ اولاّ من إسقاط تلك المقولة الرائجة الزائفة، أو المروّج لها، بين اللبنانيين بأن “قوة لبنان في ضعفه” وبأن “النأي بالنفس” يكفي المؤمنين شرّ القتال، وبأن إسرائيل لا تريد بنا شرّا إذا انضبطنا وكتمنا أنفاسنا وتعاملنا معها بتهذيب تلاميذ الراهبات وأنصاف الملائكة.

وثقافة الاستقلال هي ثقافة الدفاع عن هذا الاستقلال، فلا يكفي أن تحصل على استقلالك في غفلة من الزمن أو بين ليلة وضحاها، وتتركه لمصيره. فالإستقلال وردة يانعة يجب الاعتناء بها وريها بالماء والدماء كل حين من أجل الحفاظ على جمالها ورونقها ونضارتها وعطرها وأريجها.

ثقافة الاستقلال هي ثقافة الوحدة بين اللبنانيين في دولة مدنية لا مكان فيها للمذاهب والطوائف والعشائر والقبائل، لأن المحتل ما تسرّب يوماً، قديمه وجديده، المباشر منه وغير المباشر، إلى لبنان إلاّ من ثغرة الانقسام الطائفي والمذهبي، وما نجح اللبنانيون في التغلب على الاحتلال والاستعمار إلاّ حين توحدوا من وادي خالد إلى الناقورة، واتحدت كلمتهم، جماعات وأحزاباً ومناطق وبيئات، فالاستقلالي اللبناني هو الوحدوي اللبناني، قولاً وفعلاً، نهجاً وممارسة، ومن لم يكن وحدوياً لا يمكن أن يكون استقلالياً.

وثقافة الاستقلال في لبنان هي ثقافة التحرر من الارتهان للخارج، فمن كان قراره مرتهناً لهذه الدولة أو ذاك النظام، يصعب عليه أن يكون مستقلاً في قراره، بل يصعب عليه أن يعيّر الآخر في استقلاليته، فكل ارتهان للخارج هو طعنة للاستقلال، وكل استقلال حقيقي هو الذي يحرّر اللبنانيين من الارتهان.

وثقافة الاستقلال هي ثقافة المقاومة، لأن استقلال لبنان ليس مهدداً بجيوش تحتل أرضه أو قوات تتوغل في مدنه وجباله وسهوله فحسب، بل هو خطر مستمر يتهدّد كل جوانب الحياة اللبنانية، السياسي منها والاقتصادي والثقافي والتربوي والمعيشي، ناهيك عن تهديد أرضه وموارده الطبيعية على أنواعها. والاستقلال هنا لا يتحقق إلاّ إذا تحصّن بمقاومة شاملة لكل هذه الجوانب، تحمل السلاح حين يقتضي الأمر، تستخدم كافة أشكال المقاومة الأخرى لمواجهة أي انتهاك لاستقلال الوطن والشعب والإرادة.

وثقافة الاستقلال هي ثقافة التمسك برسالة لبنان في بيئته العربية وإقليمه الحضاري، وعالمه الإنساني، وهي ثقافة أجادها لبنانيون في علاقتهم بأشقائهم العرب، كما على المستوى الإقليمي والدولي، وكل محاولة لتعطيل هذا الدور اللبناني المتكامل مع إخوانه العرب، والمنفتح على دول الجوار الإقليمي، والمساهم في النهضة الإنسانية، إنما تسعى إلى ضرب الاستقلال اللبناني في رسالته ودوره.

وثقافة الاستقلال هي ثقافة الكرامة الوطنية والإنسانية التي ترفض الخنوع والخضوع للأجنبي، أيّاً كان شكل هذا الخنوع والخضوع، وهي ثقافة التعامل مع الأجنبي على قاعدة احترام النفس أولاً، واحترام المصالح المشتركة والسيادة الوطنية.

على مدى العقود الماضية حاول الاستقلاليون الحقيقيون أن يشيعوا ثقافة الاستقلال بكل جوانبها، مقدمين لها التضحيات الجسيمة، والأفكار الرائدة، وأطر العمل المتطورة، وكانت هذه الثقافة ودعاتها يواجهون بحرب متعدّدة الأشكال لأنها تدرك أن مصالح أصحاب هذه الحرب مرهونة ببقاء ما خلّفه الاستعمار في بلادنا من آليات..

وأخيرا، “لو شو ما صار” نحن اللبنانيين رح نبقى سوى ونبني سوى ونحلم سوى وهذه البداية لمشوار بناء طويل يتطلب نفسا ورؤية وحبا وعملا.

Leave a Comment