سياسة

الحريري وجمهوره وسياسة الهروب الى الامام

كتب إبراهيم خليل

على مدى اكثر من شهرين ومنذ تأليف الرئيس نجيب ميقاتي لحكومته، تنشط الماكنة الاعلامية لتيار المستقبل في نشر اخبار متضاربة حول امكانية عزوف الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري إما عن ترشحه للانتخابات النيابية المقبلة، أو تؤشر إلى نيته في ترك العمل السياسي أصلاً.

وعلى الرغم من استمرار الحريري في إعلان مواقف سياسية، وآخرها كان اتصاله برئيس الجمهورية ميشال عون، والتباحث معه واعلانه عن رفض مشاركة دعوته للحوار، وتغريداته المستمرة التي تتناول الشؤون اللبنانية، أو التعزية بنواب سابقين مثل ما حدث لدى وفاة النائب السابق عثمان الدنا. استمرت هذه الماكنة بنشر اخبار عن الفراغ السياسي  الذي سيخلقه ابتعاد الحريري عن المشهد، وكيفية إدراة الفراغ، إما عبر رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة أو من خلال توزيع المهمات داخل تيار المستقبل.

نجحت الماكنة الاعلامية للمستقبل بتوجيه الخطاب السياسي حول مصير الحريري في الحياة السياسية اللبنانية. والهروب إلى الامام وتشتيت اي سؤال منطقي عن ماذا قدم او ما سيقدم الحريري في المرحلة المقبلة؟

يتجاهل المستقبليون ورئيسهم عن عمد المشكلات المتداخلة التي يعاني منها لبنان والتي يتحمل الحريري جزءً من مسوؤليتها، والتي أدت للانهيار الحاصل. فبدل أن يكون الحديث داخل هذا التيار أو عند جمهوره حول الخطة السياسية والاقتصادية التي سيعمل عليها الحريري لإنقاذ لبنان من وضعه الحالي اصبح الحديث عن مصيره ومستقبله السياسي.

ويتعامل الحريري بتكبر مع قاعدته الشعبية التي كرسته قيادياً داخل الطائفة السُنية. فهذه ليست المرة الأولى التي يخرج فيها من البلاد بعد تركه للسلطة. بدل أن يكرّس وقته للاستماع لمطالب مناصريه واستنهاض تياره الغارق بالمحسوبية والفساد.

والواقع أن الحريري يغيب عن طرح أي مشروع انقاذي عام ، كما أنه لا يتابع ويوجه عمل البلديات التي شارك وروّج لها خلال الانتخابات البلدية التي حصلت عام 2016. والمثال الابرز هو أداء بلدية بيروت الغائبة عن السمع، والتي لم تجد الحلول لأبسط المشاكل الحياتية التي يعانيها سكان العاصمة. فبعد مرور أكثر من 5 اعوام على انتخابها لم تجد البلدية أي حل لأزمة النفايات. ولم تقدم أي مشروع لإنارة الطرقات عبر الطاقة المتجددة. ولم تشرف وتراقب عمل أصحاب المولدات الكهربائية المتحكمين بحياة الناس على العكس من عدة بلديات. هذه المشاكل لا يتحمل مسؤوليتها فقط المجلس البلدي الحالي، بل تقع على عاتق الراعي السياسي والذي روّج لها وقاد حملتها الانتخابية، واستفاد أزلامه من المناقصات المليوينية التي نهبت اموال البيارته.

وفي شق آخر وفي العمق السياسي لا نجد أي خطاب أو موقف للحريري يعلن من خلاله نظرته لدور لبنان في المحيط العربي، وكيفية استعادة ثقة المواطنين بدولتهم. ويغيب عن جدول اعماله أي مشروع لإصلاح علاقات لبنان بالدول العربية. بل تقتصر مواقفه على تغريدات رد على خطابات أمين عام حزب الله حسن نصرالله. فالحريري الذي جال على بعض العواصم العربية خلال فترة تكليفه بتشكيل الحكومة لا يستطيع تقديم أي تصوّر حول الطريقة التي يمكن التعامل بها مع حزب الله داخلياً لتجنيب لبنان تبعات انخراط الحزب في الصراعات الإقليمية.

ولمدة أكثر من 9 أشهر روّج الحريري وفريق رؤساء الحكومات السابقين، ومن بينهم الرئيس الحالي نجيب ميقاتي نفسه، لموضوعة صلاحيات رئاسة الحكومة ونظرية قضم صلاحياتها من جانب رئيس الجمهورية وسواه. لكن المفارقة أنه بعد شهر واحد من تكليف ميقاتي نجح الأخير بتشكيل الحكومة، وصمتت الاصوات التي اتهمت عون بالتعدي على الصلاحيات. علماً أن حكومة ميقاتي لم تعقد أكثر من اجتماعين صدر بعدهما موقف الثنائي الشيعي بمقاطعة اجتماعاتها مما علّق أعمالها بانتظار ” قبع ” القاضي البيطار من موقعه كقاضي تحقيق في جريمة تفجير المرفأ. وهكذا عانت الحكومة الشلل رغم كثافة المسائل التي تتطلب انعقادها والسعي لإيجاد الحلول للمعضلات المتراكمة.

بالمحصلة هذا العرض للاحداث يهدف بشكل رئيسي لاطلاع جمهور المستقبل الذي ما زال يبايع الحريري ويترقب عودته وطريقة معاملته لهم. ما يتوجب على مكونات هذا الجمهور التفكير مليًا بمستقبل البلد ومستقبل ابنائه ومحاسبة كل من اوصل البلاد الى هذه المرحلة. المحاسبة تكون بالتفكير جدياً عن مشروع وطني يحترم حقوق البشر ويكرس منطق المواطنة والمساءلة لا التبعية العمياء لزعيم لا يفكر الا بمصالحه الشخصية وطريق استعادته ثروته.

 

 

Leave a Comment