مجتمع

الجوع يدق الابواب والموازنة الشهرية تتطلب دخلاً خيالياً مفقوداً

كتب محمد قدوح

ليس سهلاً إعداد موازنة للأسرة اللبنانية في ظل الانهيار المالي والاقتصادي، وانفلات معظم أسعار مختلف المواد والسلع الحياتية في ظل غياب الرقابة الرسمية. وألأهم من ذلك غياب أي نوع من أنواع الاصلاحات المطلوبة التي تلجم التسارع اللامسبوق نحو المزيد من التدهور الذي بات حتمياً.

إذ إن إعداد موازنة لأسرة يتطلب أولاً حداً أدنى من الموازنة بين الدخل والإنفاق، وهو أمر بات متعذراً، بل مستحيلاً بسبب التراجع في القيمة الشرائية للرواتب والأجور وفقدان الليرة ما نسبته 95% من قيمتها الشرائية، وارتفاع الأسعار إلى ما يتجاوز الـ 1350% . ثم إن إعداد الموازنة يفترض ثباتاً في الأسعار، وهو أمر متعذر بسبب التسارع التصاعدي لسعر صرف الدولار، مقابل التراجع اليومي لسعر صرف الليرة. ورغم ذلك سنحاول وضع موازنة لأسرة تراعي الواقع المأساوي الذي يعيشه اللبنانيون الذين يكافحون لتأمين الحد الأدنى المطلوب للبقاء مع أسرهم على قيد الحياة. ومراعاة لهذا الواقع سيتم تجاوز بعض البنود التي ترد في سلة الاستهلاك المعروفة مثل الثياب والخدمة المنزلية والمناسبات الاجتماعية والترفيه. كما سيتم اعتماد سلة غذائية متنوعة ولكن متواضعة، ما يعني الابتعاد قدر الإمكان عن المواد الغذائية ذات الكلفة المرتفعة. وعليه فإن وجبة الغذاء الرئيسية المعتمدة هي: أرز مع يخنة منوعة ( فاصوليا ، لوبياء، بطاطا و..) أما وجبتا الفطور والعشاء فقد اقتصرتا على اللبنة والزعتر والزيت، وما تبقى من وجبة الغداء. وقد شمل التقشف سائر البنود الأخرى.

وفيما يلي تقدير كلفة الموازنة الشهرية لأسرة مكونة من 5 أفراد:

البند               الكلفة                       ملاحظات وتفاصيل

التغذية:        6.550 مليون وخمسماية وخمسون ألفاً

النقل :        1.600.000  جرى احتساب نقل لرب الأسرة من المنزل للعمل وبالعكس بمعدل 40 ألف ليرة يومياً. ومثلة لباقي أفراد الأسرة .

بدل اشتراك مولد وفاتورتي كهرباء ومياه:   2.450 مليون ل.ل،  فاتورة المولد 1.500.000  و200 ألف مياهاً للشرب، وللاستعمال بحدود 750 ألف ل.

هاتف وانترنت350.000 ألف ل. فاتورة الهاتف الثابت، إضافة إلى 5 بطاقات تشريج شهرباً وانترنت 150 ألف ل.

مواد تنظيف500.000 ل. مساحيق للجلي وشامبو وصابون، وقد تم اختيار أنواعاً رخيصة.

الصحة   : 1.500.000 . وتقتصر على بعض أدوية للأمراض المزمنة والطبابة الطارئة. أما الاستشفاء فقد اصبح خارج متناول معظم اللبنانيين.

التعليم : 2.000.000  يشكل هذا المبلغ الحد الأدنى في ظل ارتفاع أقساط المدارس والقرطاسية والكتب، ودون احتساب بدل النقل اليومي من وإلى المدرسة.

بدل إيجار منزل: 1.500.000  يتضمن المبلغ مصاريف الصيانة وبدل الخدمات.

نفقات طارئة : 1.000.000 رسوم بلدية وما شابه من مدفوعات ضرائبية.

المجموع : 17.450 مليون ليرة واربعماية وخمسون ألفاً. 

 

ملاحظات حول الواقع المعاش للأسرة اللبنانية:

تؤكد كلفة هذه الموازنة أن غالبية اللبنانيين أو 82% من مجموع ذوي الدخل المحدود ومهما بلغت رواتبهم لم تعد تكفي لثلث كلفة موازنة أسرهم، وهو ما يترتب عليه آثار خطيرة على حياة أسرهم ومستقبلها. وهو ما أكدت عليه نتائج دراسة أجرتها مؤخراً منظمة اليونيسيف والتي أظهرت ما يلي:

  • ارتفاع عدد الأطفال الذين يعانون الجوع، بالمقارنة مع نتائج دراسة سبق أجرتها المنظمة نفسها في شهر نيسان الماضي. حيث أشارت إلى أن أكثر من نصف الأسر اللبنانية حصل أكثر من طفل لديها على وجبة واحدة يومياً على الأقل.
  • أن نسبة 33% من هذه الأسر باعت من أثاثها وأدواتها المنزلية لتأمين الغذاء.
  • أن نسبة 34% تعيش حالة فقر مدقع.
  • خفض نفقات التعليم دفع بالاولاد إلى سوق العمل، وحرمهم من التعليم لتأمين الغذاء.
  • إن نسبة 34 % لم يحصلوا على الرعاية الصحية اللازمة .

إلى جانب ما أظهرته الدراسة المذكورة يمكن تسجيل الملاحظات التالية:

  • إن معظم اللبنانيين يعتمدون في منازلهم على تجهيزات سبق وحصلوا عليها. وينطبق الوضع على السلع المعمرة كالبراد والغسالة والتلفزيون والمكواة والسيارة وما شابه. وفي حال تعطل إحداها هناك صعوبة بالغة في اصلاحه واستحالة في تغييره.
  • تخلي القسم الأكبر من اللبنانيين عن عادتهم في شراء الثياب تبعاً للمواسم ( شتوي – صيفي) ولدى المناسبات والأعياد. وما ينطبق على الثياب يسري على الأحذية. كما أن قسما لا يستهان به يقصد محال الثياب المستعملة، أو يتبادل الثياب مع أصدقاء. ويسري ذلك إلى حد ما على الأطفال داخل الأسر ومع محيطهم.
  • ما زالت نسبة مرتفعة من اللبنانيين تعتمد في إنفاقها على مخزون سابق ( صابون، زيت، زيتون، أنواع من الحبوب وما شابه) حصلت عليه مع بدء تدهور أوضاعها المعيشية، ولذلك عندما تستهلك مثل هذا المخزون ستجد نفسها في ظل أوضاع أكثر كارثية.
  • لجوء الكثير من اللبنانيين الذين فقدوا أعمالهم وبالتالي مقومات عيشهم إلى بيع ما يمتلكونه من عقارات وأصول ثابتة وصلت إليهم من ذويهم، أو سبق وحصلوا عليها ويحتاجونها في أعمالهم ( أراض زراعية وشقق ومحال. وينطبق الأمر على العدد الحرفية والآلات الزراعية والسيارات وما شابه من موجودات) بأسعار بخسة نتيجة اضطرارهم إلى تأمين حاجيات أساسية كالغذاء والطبابة والاستشفاء.
  • انتقال أعداد كبيرة من سكان الريف إلى المدن الساحلية بحثاً عن عمل شتوي ولتمضية فصل البرد فيها، بسبب عجزهم عن تحمل كلفة التدفئة بعد أن فاق سعر صفيحة المازوت ثمن صفيحة البنزين، ولحاجتهم شهريا إلى ما لايقل عن 15 صفيحة كحد أدنى ولمدفأة واحدة وعلى امتداد زمني لا يقل عن خمسة أشهر سنوياً. أو العودة إلى القرى لتلافي إيجارات المنازل ولحصر أكلاف الحياة اليومية.
  • اعتماد أهالي التلامذة على نقل أولادهم إلى المدراس بواسطة الدراجات النارية أو مشياً على الأقدام لتوفير أجرة الاوتوكار.
  • تزايد أعداد الجامعيين الذين يعجز ذووهم عن تأمين الأقساط الفصلية والسنوية لمتابعة دراساتهم ونيل شهاداتهم، وارتفاع أعداد الطلبة المتسربين من المدارس، لإعانة أسرهم على تأمين الغذاء والعلاج.
  • ارتفاع حدة المشكلات الاجتماعية الناجمة عن الفقر والعوز مثل الطلاق والدعارة وتعاطي المخدرات والسرقات والشحادة وما شابه.
  • ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية وحالات الاكتئاب والانتحار، نتيجة رفض هؤلاء تقبل تراجع مستوى حياتهم ولا سيما في أوساط الطبقة الوسطى.

الخلاصة التي يمكن استنتاجها مما سبق هو أن تدهور الأحوال المعيشية للبنانيين مرشح للتصاعد، وأن فرص البقاء على قيد الحياة أصبحت في الأغلب رهن مساعدة من الأقارب المغتربين، أو الهجرة إلى الخارج أو بيع أصول قديمة ( أراض وبيوت ومصوغات وما شابه). كل ذلك للهرب من أحكام جهنم المفروضة عليهم من جانب مافيات السياسة والاقتصاد والمال بالتكافل والتضامن. فهل يتيسر ذلك لكل الأسر مثل هذه الحلول؟

ومهما كان الجواب، يبقى الأمل بغد أفضل أو أقل كارثية على الأقل رهناً بقدرة اللبنانيين على مواجهة منظومة سلطة الفساد التي جعلت حياتهم في الدرك الأسفل من جهنم، وقذفتهم إلى الفقر والمهانة.

 

Leave a Comment