سياسة

التصويت لاعلاء راية المعارضة ومواجهة قوى المحاصصة والفساد السياسي

زكـي طـه

مع اقتراع المغتربين اللبنانيين في الخارج دخل استحقاق الانتخابات النيابية حيز النفاذ على نحو شبه مؤكد. وعلى وقع الانهيار ومفاعيله من ألأزمات الخانقة على كل المستويات السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية كان التحضير للانتخابات النيابية. لقد شاهد اللبنانييون والعالم فصولاً من المزايدات بين أطراف السلطة التي تنافست على وضع العراقيل ونصب الأفخاج  للحؤول دون حصولها. كان واضحاً أن الغالبية منهم مساقون إليها قسراً بقوة الضغوط والتهديدات واشتراطات الدعم الخارجية.

ثلاثون عاماً من الفرص أعطاها اللبنانييون لمنظومة نظام المحاصصة الطائفية التي تمثل ذروة الفساد السياسي والمالي. ثلاثون عاماً كانت أكثر من كافيه لاختبار سياساتها وممارساتها في شتى ميادين السياسة والاقتصاد وإدارة شؤون البلاد. كانت حصيلتها الواقع الكارثي الذي يأسرهم بأزماته الخانقة في شتى ميادين الحياة، وسط فصول لا نهاية من الوعود، وصراعات مدمرة أبقت مصير وطنهم مرتهناً للخارج على رافعة تجديد الانقسامات والنزاعات الأهلية والطائفية. ثلاثون عاماً من أوهام الازدهار والانتصارات، أما الحصاد فهو مستويات قياسية من الفقر والبطالة والمرض والهجرة. ودولة فاشلة بكل المقاييس ومؤسسات حكم مشلولة واقتصاد عاجز، وطبقة سياسية – مصرفية تشكل نموذجاً فريداً لا مثيل له عالمياً في ميادين الفساد والفجور السياسي والمالي.

ثلاثون عاماً وأطراف السلطة تمعن في تقاسم المواقع والمغانم وممارسة كل انواع الهدر والنهب والقهر . وفي استحضار ملفات مشاركاتها في السلطة والنزعات الأهلية وولاءاتها الخارجية. لم تكل في إدعاء البراءة من المسؤولية عن الانهيار والفساد والهدر والتفريط بمصالح البلد ، والاستهانة بحقوق اللبنانيين واستسهال اذلالهم وابتزازهم في معيشتهم ومرضهم وفقرهم.  كما لم تتردد يوما في استخدام اسلحة التحشيد والتعبئة والتحريض الطائفي والمذهبي والتخوين، واجترار التذكير بما خاضته من معارك، أو التلويح باستخدام السلاح الأهلي، واستعراضه وإباحة استعماله لردع الخصوم، تأكيداً لجديتها في الدفاع عن مواقعها. ثلاثون عاماً من الشراكة مع  المرجعيات الدينية للمؤسسات الطائفية والمجالس المذهبية، التي تحولت منابرها منصات للسجالات وإعلاء رايات الخلاف والنزاع حول هوية البلد وسيادته ومصالحه، والمساهمة في تزخيم الانقسام الأهلي وتبرير الاستقواء بالخارج دون رادع ديني أو وطني.

ثلاثون عاماً والمعارك الانتخابية لم تشكل نهاية مطاف بين أهل النظام وقواه، لأن أحداً ليس باستطاعته إلغاء الآخر، ما يعني أن نظام الحكم القائم على المحاصصة الطائفية والفئوية بأمان رغم قصوره. ولذلك فإن الانتخابات كما الأزمات هي روافع لتجديد بنى تلك القوى. والمشاركة فيها تأكيد لوجودها وفعالية أدوارها، ومحطات لتحصين مواقعها أو زيادة أوزانها في مؤسسات السلطة. أما النتائج فلا يترتب عليها سوى تكريس اختلال التوازنات الداخلية بالارتباط مع الاوضاع الاقليمية – والدولية.

ثلاثون عاماً من ثقافة الانحطاط السياسي تجددها أحزاب الطوائف وتياراتها المتنافسة والمتصارعة لتحشيد جماعاتها، وسط الضجيج الاعلامي المرافق. أما صرف الاموال المطعون بأصولها ومصادرها المحلية والخارجية، فهو  تأكيد لخواء سياساتها وطبيعة رهاناتها وارتباطاتها الخارجية بعيداً عن المصلحة الوطنية. وهذا ما تفضحه تحضيراتها لما بعد الانتخابات، التي لن تحدث تعديلاً في التوازنات الداخلية التي تحكم البلد وتتحكم  بإدارة شؤونه، باستثناء تهميش من اختار طوعاً الخروج من صفوف منظومة السلطة، والانعكاسات السلبية على تمثيل طائفته.

ثلاثون عاماً واللبنانييون ينتظرون خلاصاً لن تأت به قوى ينهي سلطتها ونظامها، أو إصلاحاً يفرضه الخارج الباحث عن مصالحه. وما يؤكد ذلك، أن ورقة المبادىء الاصلاحية التي وقعتها الحكومة مع صندوق النقد الدولي لم تعمِّر أكثر من بضعة أيام. لأن تعهدات  الرؤساء الثلاث الالتزام بتشريع وقوننة ما ورد فيها، لم ولن تشكل ضمانات يُعتد بها. أما تأجيل النظر بها إلى ما بعد الانتخابات فهو دليل على أنها أحيلت إلى مستودع  الوعود والشعارات غير القابلة للصرف. وفي السياق ذاته لم يختلف الحال مع البنك الدولي، الذي قرر وقف تمويل استجرار الغاز والكهرباء من مصر والاردن، لأن الحكومة ووزير الطاقة لم يفيا بتعهداتهما لاصلاح القطاعات المعنية، ولذلك اصبح تحسُن الكهرباء في خبر كان.

ثلاثون عاما ومستقبل اللبنانيين وابنائهم ومصير وطنهم، مجرد أسئلة لا يملكون أجوبة عنها، وهم في حال انتظار. وكي لا يتحول الانتظار والأحالة على الخارج إلى هروب متمادٍ من تحمل المسؤولية والبحث عن الاجوبة والحلول في غير مكانها. ولأن التحديات بعد الانتخابات هي أخطر مما قبلها. ورغم أننا لسنا من دُعاة استسهال التغيير، أو من أهل تبسيط سقوط النظام واسقاط المنظومة، ولا من هواة تشكيل البدائل الوهمية. ولأننا نعي جيداً أن تدبيج البيانات واطلاق الشعارات لا يشكل معارضة ديمقراطية فاعلة، وأن إعادة بناء الحركة الشعبية واستعادة الفئات المتضررة إلى ساحات النضال الاجتماعي والديمقراطي، لا يتم بمراسيم أو قرارات حزبية. كما وأن قوى التغيير لا يختزلها خبير برتبة وزير عائد من أحضان قوى السلطة، أو ناشطين باحثين عن مواقع وجاهة ومنافع بأي ثمن، ولا يمثلها المرتهنون لاحزاب السلطة، والمدافعون عنها من الذين يرفعون شعارات ثورية خاوية.

ولذلك، وبصرف النظر عن أحوال لوائح قوى الاعتراض واشكالياتها، ورغم ما يحتشد في صفوفها من أوهام. ولأن خياري الورقة البيضاء والمقاطعة يخدمان أحزاب السلطة، التي تضع الغالبية الساحقة من اللبنانيين في موقع المواجهة معها قسراً أو طوعاً دفاعا عن حقوقهم ومطالبهم وطموحاتهم ومستقبل ابنائهم ومصيرهم.  فإن الخيار الوحيد المتاح امامهم هو التخلي عن اليأس، والمشاركة في الانتخابات، والاقتراع للوائح المعارضة، وإعلاء راياتها. وهو الأمر الذي يجدد الأمل بقدرتها على الخوض في عملية الانقاذ، بما يفتح كوة في الجدار السميك، ويدفع خطوة إلى الأمام نحو ارتياد آفاق التغيير والتقدم.

Leave a Comment