سياسة

الانتخابات الفلسطينية هل تفتح الطريق لتجديد وتجذير المشروع الوطني ؟

كتب عماد زهير

بناءً على المراسيم التي أصدرها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 15 كانون الثاني، من المقرر أن تجري الانتخابات الفلسطينية المقبلة على ثلاثة مراحل. التشريعية  في22 أيار، والرئاسية في 31 تموز، على أن يتم انتخاب أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني في 31 آب 2021. وهو ما كرسه التوافق الذي أمكن الوصول إليه في اجتماعات القاهرة في 8 و9 شباط الماضي بين جميع الفصائل الفلسطينية. وكان ثمرة توافق دولي – اقليمي عمل على ترتيب البيت الفلسطيني، استعداداً للمرحلة المقبلة حين عودة القضية الفلسطينية الى ميدان التفاوض كما تَعِد الإدارة الاميركية الجديدة. وهو منحى تتشارك فيه  مع كل من الاتحاد الاوروبي وروسيا، ناهيك بالأطراف الاقليمية، وهي هنا مصر وتركيا والمملكة العربية السعودية وايران وقطر وسوريا. ولأن هذا التوافق بمستوياته المتعددة قد تحقق وصدر الاتفاق الإجرائي لتنفيذه، أمكن تجاوز التعقيدات التي طالما أحاطت بالموضوع الفلسطيني، نتيجة تضارب سياسات ومصالح المتدخلين، وهم كثر من الخارج والداخل على حد سواء. ما ضاعف من حال الانقسام التي طالما تركت بصماتها على القضية ومساراتها وعلى العلاقات والطروحات الفصائلية والمجتمع الفلسطيني برمته.  وانطلاقاً من ذلك يمكن القول إن تفاهم القاهرة هو حصيلة تقاطع سياسات دولية اقليمية ومكونات فصائلية ونخب مستقلة، وكتل أهلية ومجتمعية واسعة.

ومن المعروف أن الانتخابات الفلسطينية تختلف عن أي انتخابات أخرى في العالم بالنظر إلى ما يحيط بالشعب الفلسطيني من تعقيدات متشابكة متداخلة، متقاربة ومتباعدة في الوقت نفسه. فهناك واقع الاحتلال الصهيوني من جهة، وحال الانقسام والحصار من جهة ثانية، ويضاف إليهما الشتات في الدول العربية المضيفة وخارجها. فالضفة الغربية بما فيها المناطق التي تخضع نظرياً للسلطة الفلسطينية تعيش عملياً تحت نير الاجرءات الاحتلالية الاستيطانية وسياساتها القمعية التي مزقتها، وجعلت منها أقرب إلى جزر معزولة. أما قطاع غزة المحرر من الاحتلال الاسرائيلي فهو يخضع بدوره لحصاره البري والبحري والجوي ، بل ويتعرض إلى  عملية خنق ممنهج، عدا التدمير المتكرر بواسطة آلة حرب الاحتلال.

وبالانتقال إلى الوجود الفلسطيني في دول الشتات، لا بد من القول أن التهجير الذي شرع فيه الكيان الصهيوني عام 1948 وتضاعفت وتيرته في أعقاب حرب حزيران عام 1967، إضافة إلى منوعات القمع والتنكيل، قاد إلى تهجير أكثر من نصف أبناء هذا الشعب البالغ تعداده العام حوالي 13.7 مليون نسمة. أي أن هناك أكثر من 6 ملايين نسمة يتوزعون بين الدول العربية المضيفة ( الاردن وسوريا ولبنان ) والعالم. من هنا يمكن القول إن إجراء انتخابات في مثل هذه الظروف عملية بالغة التعقيد من الناحيتين السياسية والإجرائية. إذ إن الاحتلال يهمه بقاء الشعب الفلسطيني دون أي صيغ سياسية تمثيلية منتخبة، تكشف زيف ما درج على ترويجه من أنه “الديموقراطية” الوحيدة على مستوى المنطقة. وهو بالتأكيد يعارض تمتع الشعب الفلسطيني بحرية اختيار ممثليه، وخصوصاً في القدس التي باتت بالنسبة له عاصمة كيانه الغاصب. على أن الأمر لا يقتصر على مسعى سلطات الاحتلال إجهاض المحاولة، إذ تعاني المؤسسات الفلسطينية من تقادم عهدها التمثيلي ما يسهل الطعن بقوتها التمثيلية، وهي التي جرى إنشاؤها في مراحل تاريخية معروفة، ولم يتم منذ ذلك التاريخ العمل على تجديدها، وتحديد أدوارها بالعلاقة مع حال الصراع المفتوح الذي يخوضه الشعب الفلسطيني. ما يعني أن هذه الشرعية التي لم يتم استنهاض حيويتها عبر صناديق الاقتراع، وباتت عملياً خارج التوكيل الشعبي من خلال اختيارها من جانب الناخبين. لذلك كانت اسرائيل تطعن بها أمام الرأي العام والدول الأخرى منكرة أصلاً  وجود ممثلين للشعب الفلسطيني كي تتفاوض معه.

 واذا كانت الانتخابات التشريعية الأخيرة قد تمت في العام 2005 وقادت إلى الانقسام السياسي بين فتح وحماس، وبلغت ذروة مضاعفاتها الخطيرة منذ العام 2007. وطوال أكثر من دزينة من الأعوام عانت الدعوة إلى تجديد التمثيل السياسي من سياسة الخنادق المتقابلة والمحاور، ما جعل حصولها أمراً مستحيلاً وليس متعذراً فقط. ولا تختلف الانتخابات الرئاسية بدورها عن سابقاتها، فهذه بدورها معلقة منذ أكثر من عشرة أعوام. وهي مثلها مثل المجلس التشريعي تواصل الاستمرار بحكم الأمر الواقع لا أكثر ولا أقل. ويبقى المجلس الوطني الفلسطيني وانتخابه يجري بين الداخل والخارج. أي أن الفلسطينيين في دول الشتات يشاركون في اختياره خلافاً للانتخابات التشريعية والرئاسية. وهذا المجلس ليس أحسن حالاً من سابقيْه. فالمجلس وفق النظام الأساسي لمنظمة التحرير، هو السلطة العليا للمنظمة، وبموجب المادة الخامسة منه “يُنتخب أعضاء المجلس الوطني عن طريق الاقتراع المباشر من قبل الشعب الفلسطيني”، بينما تنص المادة 6 على أنه إذا تعذر إجراء الانتخابات “يستمر المجلس الوطني قائمًا إلى أن تتهيأ ظروف الانتخابات”. لكنه ومنذ انتخابه الأول في العام 1964، ولغاية الدورة الثالثة والعشرين الأخيرة له، والتي انعقدت في رام الله عام 2018، ضاعت المادة الخامسة، وظل تطبيق المادة 6 ساري المفعول، وبات القاعدة المعتمدة في تشكيل عضويته.  مما جعل الأمور تسير تبعاً لمبدأ التوافق الفصائلي الذي كان قائماً وممكناً، وهو ما قاد في مراحل لاحقة إلى الاختلاط والطعن بين دور السلطة الفلسطينية وحركة فتح من جهة وباقي فصائل منظمة التحرير ولجنتها التنفيذية باعتبارها حصيلة التكوين الجبهوي للفصائل. أما حماس والجهاد فقد ظلا خارجه مطالبيْن بتصحيح وضعه. من هنا ينصب جانب من الصراع السياسي الذي تشهده الساحة الفلسطينية على هذه النقطة لجهة توسيع إطار التمثيل في المنظمة كي تشمل الفصائل كافة، واصلاح بنيتها للتمكن من تشكيل قيادة جبهوية فعلية للشعب وللعمل الفلسطيني الموحد. ولا شك أنه في غضون العقود الماضية كشفت التجربة والممارسات السياسية وعلى الأرض أيضاً قصور القوى الممثلة للشعب الفلسطيني عن قيادة قضيته في الأراضي الوعرة سواء في المحافل السياسية والدبلوماسية أو في مقارعة الاحتلال ميدانياً، ما انعكس إنكفاءً شعبياً وحال من اليأس والعجز عن تجسيد رؤيتها لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني. وكذلك عانت تراجعاً عن مواصلة رفع شعارات المواجهة المفتوحة مع الاحتلال بعد اكتشاف مدى الكلفة التي تفرضها آلة حربه على المواطنين تدميراً كاملاً لمقومات بقائهم. المقصود القول أن الموضوع المطروح فعلياً، يتعدى انتخابات للمؤسسات الشرعية الفلسطينية، غير عادية، تحت سطوة احتلال غير عادي سواء أكان مباشراً بواسطة قواته العسكرية، أو من خلال المدى الذي تصل إليه غاراته الجوية وقذائف مدافعه.

ويبقى المطلوب ليس فقط تجديد دماء المؤسسات التشريعية والتنفيذية، واستحضار نخب فلسطينية جديدة ومشاركتها في مجرى النضال، بل إعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني الذي يقطع مع حال التأزم الحاصلة، ويمهد السبل لخوض المواجهة على نحو فعلي في شتى ساحاتها، ولا ينتظر الغيث من إدارة بايدن أو سواها من اللاعبين والمتلاعبين بقضايا المنطقة وطموحات شعوبها.

Leave a Comment