مجتمع

إضراب المعلمين المتعاقدين يُسقط الصيغة والأداة النقابية التابعة

كتب نضال الفقيه

يشكل الإضراب المفتوح الذي أعلنه المعلمون المتعاقدون في التعليم الرسمي رداً على قرار وزير التربية، “الشعرة التي قصمت ظهر البعير” بعد التدهور في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للشريحة الأكبر من اللبنانيين، وأولهم المعلمون المتعاقدون في التعليم الرسمي. ويمثل بداية السقوط المدوي للمعادلة التي قامت عليها سياسة التعاقد أصلاً في إدارات الدولة اللبنانية. والتي تقوم على كسب ولاء شريحة اجتماعية كبيرة جداً من اللبنانيين، تحت وهم توظيفها في مؤسسات الدولة، وعلى رأسها القطاع التربوي الرسمي بكل مراحله. إذ إن ما يحصل عليه المعلمون المتعاقدون كبدل مالي لتعاقدهم، وإن كان يختلف نسبيا بين فئة وأخرى مجرد فتات لا يسمن ولا يغني من جوع. وذلك وفقاً لصيغة التعاقد المعتمدة التي تأخذ شكلاً شهرياً في بعض الإدارات مصحوبة بالضمانات الصحية وبدل النقل، أو عدد ساعات محدد وفقا لعقد يتجدد سنوياً مقابل أجر للساعة التي تنجز فقط، ودون أي ضمانات كالتقاعد والصحة أو بدل للنقل. وهي القاعدة المعتمدة في قطاعات التعليم الرسمي  المتعددة والمختلفة، حيث ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، لم يعد للبدل المالي الذي يوفره التعاقد للمعلم، سواء في التعليم الأساسي أو الثانوي أية قدرة شرائية فعلية، ناهيك عن التأخير في صرفه لأشهر وأحيانا يمتد من عام إلى آخر وحتى أكثر، مما يجعل المعلم المتعاقد في أسوأ وضع معيشي يمكن تصوره يعتمد على تأمين حاجاته من خلال الديون ريثما يتم الدفع له.  

وتكفي الإشارة إلى أرقام المتعاقدين في القطاع التعليمي بمختلف مراحله للدلالة على حجم الأزمة الاجتماعية والمعيشية التي تشكلها قضية التعاقد، حيث يقدر العدد بعشرات الآلاف، ومعظمهم أرباب عائلات، يشكل التعاقد مصدر دخلهم الوحيد. وإذا كانت هذه القضية، ومن خلال الإضراب المفتوح للمعلمين المتعاقدين، تعبر عن فقدان هذه الصيغة التوظيفية، دورها في تأمين الحد الأدنى من شروط العيش للمعلم المتعاقد في اي قطاع أومرحلة ينتمي لها، فإن ذلك يشكل في الوقت نفسه سقوطاً للطابع الزبائني الذي شكلته هذه الصيغة بين أرباب السلطة السياسية من جهة، وشريحة اجتماعية كبيرة من اللبنانيين، وجدت نفسها في أسوأ الأوضاع المعيشية التي تصل بها إلى حد العجز عن تأمين رغيف الخبز وعلبة الدواء من جهة أخرى.

ويؤكد هذا الإضراب على عجز وهشاشة الأدوات النقابية الرسمية، وتبعيتها الكاملة للسلطة السياسية، حيث كان على هذه الأدوات النقابية، تمثيل تلك الشريحة الاجتماعية الكبيرة. لكن الهيئات النقابية القائمة وكما هو معروف باتت مجرد هياكل فارغة بيد السلطة السياسية. وقد انكشف دورها بشكل فاضح من خلال محاولتها تطويق وخنق من كان حري بها تمثيلهم، ورفع صوتهم، والدفاع عن لقمة عيشهم، وهو ما بدا جلياً في الدور الذي قامت به رابطة التعليم الاساسي، عندما اتخذت خطوة مسرحية بالإضراب لمدة يومين تضامناً مع المتعاقدين، سرعان ما تراجعت عنها، ليتبين بأنها مجرد إبرة مخدر لتمرير قرار وزارة التربية، بإعادة بعض الساعات التي قلصها قرار أول لوزير التربية، ليتبعه بعد أيام قرارا آخر بإعادة الساعات التي تم شطبها من عقودهم، انطلاقا من وهم بأن  قضية المتعاقدين يمكن حلها بقرار، يعيد لهم بعض ساعات لا يقدم بدلها المالي ما يسد رمقهم، وأقل ما يمكن وصفه بها انه لا يوفر الحد الأدنى من ضرورات ومتطلبات الأوضاع الحياتية القاسية التي يعيشها المعلمون المتعاقدون من جهة، والأهالي والتلامذة من جهة أخرى بفعل انتشار فيروس كورونا، والقصور والعجز عن فهم قضية التعاقد باعتبارها قضية الآف العائلات التي فقدت كل مصادر العيش الكريم بحدوده الدنيا، والتي حولتها قرارات وزير التربية الى مجرد عملية مناقصة ومزايدة بائسة ومكشوفة وفاشلة في آن.

ان قضية التعاقد في إدارات ومؤسسات الدولة اللبنانية هي في الأساس قضية اجتماعية واقتصادية وحياتية، تطاول آلاف المواطنين الذين حاولت الطبقة السياسية في لبنان، تيسير شؤون الدولة بواسطتهم، وبأقل كلفة ممكنة، كي يتسنى لهذه الطبقة الحاكمة، تمرير جزء كبير من صفقات النهب التي قام بها أهل تلك السلطة السياسية ورموزها  وملاحقها من جهة، ومن أجل شراء ولاء شريحة اجتماعية كبيرة تحت وهم توظيفها في مؤسسات الدولة من جهة أخرى لضمان تبعيتها تحت ذريعة تأمين العمل لها ، على أن يجري لاحقاً نثبيتها في هذه المؤسسات بصرف النظر عن الكثير من المقومات المطلوبة للقيام بدور تربوي فاعل ومستجيب على النحو المطلوب لحاجات المدرسة الرسمية سواء أكانت أكاديمية أو مهنية.

Leave a Comment