مجتمع

إصلاح الإدارة العامة لضمان إستمراريتها وحقوق العاملين فيها

محمد قدوح

إنهيار القيمة الشرائية لرواتب وأجور العاملين في الإدارة العامة ليست المشكلة الوحيدة التي سببت عدم إنتظام عمل الإدارات العامة، وتردي الخدمات فيها، وإنما هي واحدة من المشكلات التي تضاف إلى مشاكل اخرى ناتجة عن أداء السلطة السياسية منذ ما بعد اتفاق الطائف، وذلك في سياق سعيها لتغيير مفهوم الوظيفة العامة، من نظام الوظيفة المغلق الى نظام الوظيفة المفتوح وإلغاء دور الاجهزة الرقابية.

وقد بدأ المسار التراجعي للإدارة العامة منذ العام 1998، عندما قررت الحكومة آنذاك وقف التوظيف في الإدارات العامة، رغم الشغور في ملاكاتها، بحجة تقليص النفقات. إستمر تراجع عدد الموظفين إلى أن بلغ العام الماضي 8175 موظفاً من أصل 28082 وظيفة ملحوظة في ملاكات الإدارات العامة، وذلك بحسب الإحصاء الذي اجراه مجلس الخدمة المدنية. وتوزع الشغور في الفئات الوظيفية كما يلي: 23% في الفئة الاولى، 64% في الفئة الثانية، 70% في الفئة الثالثة و91% في الفئة الرابعة.

وفي مقابل تراجع عدد الموظفين عملت السلطة على خطين متوازيين هما :

الأول: حشو الإدارات العام بأعداد كبيرة من المستخدمين بمسميات مختلفة (شراء خدمات، تعاقد بالساعة ونفقات خدمة)، وقد بلغ عدد المستخدمين خلافاً لقرار مجلس الوزراء المتعلق بوقف التوظيف حول 7355 مستخدماً ضمنهم حوالي 3000 متعاقد وأجير استخدموا بشكل نظامي. ويذكر في هذا الإطار أن عدد المستخدمين خلافاً للأنظمة المرعية الاجراء حوالي 37197 مستخدماً في الإدارات العامة والمؤسسات العامة والمصالح المستقلة، كما جرى تكليف متعاقدين بمهام رؤساء دوائر ومصالح، خلافاً للانظمة المرعية الإجراء التي تمنع التكليف بمهام هذه الوحدات الإدارية لمتعاقدين.

الثاني: يتمثل بمسار إتبعته السلطة لوضع اليد على الإدارة العامة وتغيير مفهوم الوظيفة العامة، وتمثل بإجراء تعديلين على قانون الموظفين، الاول: جرى في العام 2000عندما أجاز للحكومة تعيين أشخاص من خارج الملاك الاداري في وظائف الفئة الثانية، والتعديل الثاني: في العام 2021 والذي أجاز للحكومة تعيين ثلثي وظائف الفئة الاولى من خارج الملاك الإداري. ويذكر أن الحكومات المتعاقبة قد تجاوزت العدد المسموح به من خارج الملاك الإداري والمحدد بثلث عدد وظائف الفئة الاولى، علماً أن غالبية المعيّنين بهذه الوظائف لا يتمتعون بالكفاءة الإدارية والقانونية والقيادية، الامر الذي أثر سلباً على عمل الإدارات العامة.

إن مجمل هذه المشكلات أدت إلى عدم إنتظام عمل الإدارة العامة، وتراجع مستوى الخدمات فيها، والأخطر تنامي ظاهرة الفساد لتشمل معظم الإدارات العامة، بعد أن كانت محصورة في عدد منها. ومن المتوقع أن تتفاقم هذه المشكلات في ظل استمرار التراجع في عدد الموظفين بسبب التقاعد والهجرة، وهو الامر الذي يسهّل على السلطة السياسية فرض تغيير مفهوم الوظيفة العامة بحكم الامر الواقع، والعودة إلى ما كان عليه الوضع قبل مأسسة الإدارة العامة في العام 1959، حيث كان كل زعيم مذهبي ـ طائفي يعيِّن أزلامه في المواقع التي تخدم مبدأ الزبائنية المعتمد.

شرط حماية حقوق الموظفين

رغم الوضع المتردي للإدارة العامة والعاملين فيها، تعجز الهيئة الإدارية لرابطة الموظفين عن التحرك بسبب الإنقسامات داخلها وإنتهاء ولايتها المحددة اصلاً، لذلك على الموظفين مطالبة الهيئة الإدارية للرابطة بإجراء إنتخابات لإختيار هيئة إدارية جديدة قادرة على قيادة التحرك يهدف اولاً: إلى إصلاح الإدارة العامة، وإعادة هيكلة الإدارات ، وإلغاء التعديلات التي طرأت على قانون الموظفين لجهة التعيين من خارج الملاك في وظائف الفئتين الاولى والثانية، وملء الشواغر في جميع الوظائف وتفعيل عمل أجهزة الرقابة. وإجراء هذه الاصلاحات شرط أساسي للحفاظ على الحقوق المكتسبة للموظفين وتأمين استمرارية عملهم.

إن التقاعس في الدفاع عن الإدارة العامة، سيسهّل مهمة السلطة السياسية في تغيير مفهوم الوظيفة العامة، وبالتالي إلغاء المعاش التقاعدي والمؤسسات الضامنة، وتحويل ما تبقى من الموظفين من الملاك إلى عاملين بالقطعة أو بالساعة وما شابه من تسميات لا تحفظ حقوق العاملين في الدوائر الرسمية العامة. إن المطالبة بتصحيح الرواتب أمر مشروع، لكنه لا يكفي لتحصين هذه الرواتب والحقوق المكتسبة، فهي جزء من الإصلاح المطلوب لكن لا تختصره بأي حال من الاحوال.

Leave a Comment