سياسة صحف وآراء

إشكالات القرار الدولي ١٧٠١… ومصير الوطن

د. إبراهيم فرج

صور ـ 24 كانون الثاني 2024 ـ بيروت الحرية

في ١١ آب من العام  ٢٠٠٦ تبنّى مجلس الأمن بالإجماع القرار ١٧٠١ لوقف القتال الذي دام ٣٤ يوماً، والذي درَج الكيان الصهيوني على تسميتِهِ بـ”الحرب الثانية” على لبنان  بعد حربه الأولى عليه عام ١٩٨٢.

وقف القتال حينها لم يترافق معه إعلان وقف إطلاق النار، الذي دخلَ حيّز التنفيذ في ١٤ آب ٢٠٠٦. وقد استَمرّت العمليات العسكرية المحدودة حتى ٨ أيلول تاريخ رفع الكيان الصهيوني حصاره البحري المُحكَم عن شواطئ لبنان…

دخل الجيش اللبنانيّ في ١٧ آب  وتمرّكز في نقاطٍ أعلن عنها مسبقاً.  وفي الاول من تشرين الأول، لم يعد يتواجد أي جندي إسرائيلي على الأراضي اللبنانيّة بإستثناء الجزء المحتل من قرية الغجر والمنطقة المعروفة بتلال كفرشوبا ومزارع شبعا.

منذ اليوم الأول لإعلان القرار، أعلنت السلطة اللبنانية وكذلك قيادة اليونيفيل (كل من موقعِهِ) عن عدم تلّبية مطلب جعل منطقة جنوب الليطانيّ منطقة منزوعة السلاح (كما ينُصّ القرار)، وذلك لعدم قدرة ورغبة السلطة اللبنانيّة من جهة، ولِعدم تضمين القرار صلاحيات، تنطلق من البند السابع لليونيفيل،  مما تركه عرضة  للإبهام شأنه شأن قرارات دوليّة أخرى، ( الاراضي العربية أو أراض عربية كما في القرار رقم 242 بعد حرب العام 1967..)  وتركه قابلاً لتفسيراتٍ عدّة ومفتوحاً على محاولات الضغط مُجدداً لإعادة تعديله (استخدام القوّة وحق عدم التنسيق مع الجيش اللبناني دوماً ) كما جرى مؤخراً.

الجدير بالذكر أن اليونيفيل تقوم يومياً بحوالي أربعماية دورية في منطقة عملياتها، ولا قدرة فعليّا للجيش اللبناني على مواكبتها جميعها. وتجدر الإشارة أيضاً أن القرار الدوليّ لم يلحَظ خطاً برّياً لتبديل القوات أو لإنسحابها، وما يجري الآن عبر المطار   هو تدبير “إستثنائي”، ويتم بمرافقة الجيش  على طول الخط الساحلي رغم كل المخاطر والانكشاف الأمنيّ كما حدث في بدايات عام  ٢٠٠٨ مع قوة ماليزية على طريق الرميلة، وفي ايار ٢٠١١ جنوب صيدا ضد الكتيبة الإيطالية، وفي تموز من العام نفسه في سينيق – صيدا ضد الكتيبة الفرنسية.. ناهيك عن التفجير المؤلم، ضمن منطقة العمليات، ضد الكتيبة الإسبانية (ستة قتلى) في سهل الخيام ربيع عام  ٢٠٠٨، وتفجير آخر ضد  نقطة مراقبة على جسر القاسمية من العام نفسه..

في معرضِ ما يتعرض له البلد راهناً  من مخاطر الإنزلاق الى حربٍ واسعة  مُدمّرة  يجول في بالِ أي مُتابع للوضع  أن يسأل :

1ـ هل الضغط باتجاه إعادة الحديث لتنفيذ القرار ١٧٠١ (وربَما تعديله) هو بمثابة العودة الى نقطة الصفر في الصراع في ظل موازين قوى مختلّة لغير صالح لبنان- الكيان (وليس لبنان محور الممانعة)، الذي يعاني من الانهيار على الصُعد كافة من جهة ، وبفعل التغطية والدعم الدولي اللاّمحدودين واللاّ مسبوقين  للكيان الإسرائيلي من جهةٍ أخرى.

٢- كيف لسلطةٍ “ناشطةٍ” ( دوماً لضمان مصالحها واستمراريتها ) والتي عَقدت اتفاقية  ترسيم حدود البلد البحرية، (أقلّ ما يقال فيها أنها فرّطت بالحقوق  والسيادة والثروات) ، وهي تتطلّع لترسيم الحدود  البرّية  التي يكثر الحديث عن التحضير لانجازها  ومحاولة تمريرها عبر صفقة إقليمية ـ دولية تقرر  بعيداً عن رقابة المؤسسات الدستورية والقانونيّة، قبل نشرها على الملأ لمناقشتها كونها مصيريّة، الأمر الذي يعيد البلد، الى مرحلة ما قبل التفاوض وما قبل التحرير، إلى وضعية “ساحة أو صندوق بريد” و”منصة إطلاق”، لا تُساهِم في تحصين البلد ولا في تدعيم مناعته، وهي بالطبع لا تُناصر عمليّاً ولا تُؤازر فعلياً غزّة والضفّة الغربية ولا القضية العادلة لشعب فلسطين؟

٣ـ وهل تجوز المخاطرة ببلدٍنا وزجهِ في أتون حربٍ مموّلة من تسونامي عالمي، بعد أن انهارت كل الأوطان، في أزماتها العصيّة، التي شُكّلت منها “المحاور الوهمية والساحات الورقيّة” وبقيْ فقط على عزمهم، ( ويا وحدهم)، أهلُ العزم والرباط في فلسطين الأبية…؟!

٤ـ وما هو الخطاب السياسي، المُعدّ سلفاً، وما هي الشروط لوقِف إطلاق النار وبالتالي تلافي الحرب؟ هل مطلب وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى هو وثيقة سياسيّة لإعلان نهايتها؟ وهل التعاطف، الإنسانيّ، الدولي الشعبيّ بفعل مجازر العدوّ الوحشيّة يُمكن إستثماره في السياسة؟ كيف لهذه التظاهرات الشعبيّة في العالم التي بدأت بعد المجازر الصهيونيّة الممنهجة لصالح قضية الشعب الفلسطيني أن تتبلّور في السياسة في بلادٍ أنتجت صناديق الإقتراع فيها حكومات يمينيّة تدعم مثيلتها في الكيان الصهيوني؟ ما هي خطة التحرك، وضمن أيّ ميزان قوى مُستَجدّ، ما بعد الميدان والحرب، للوصول الى الدولة وإنجاز الإستقلال (حلّ الدولتين!!) في ظلّ الإنقسام الفلسطيني الحاد وانفلات التوحّش الصهيونيّ.؟ هل هناك إمكانية للتعويل، أيضاً، على  حركة “السلام الآن” الإسرائيلية على غرار العام ١٩٨٢ داخليّا وخارجياً لوقف الحرب وطرح مشروع سلام؟  أمّ أن الأمرّ، لا يتعدى حدود حراك أهالي الرهائن لتحريرهم..؟

لبنانيّاً مازال البلد ومواطنوه يدفعون الثمن بين مطرقة العدو وسدّان المنظومة المستقيلة من واجباتها في ظلً تصدع كل القطاعات الحياتيّة للمواطنين. وقد يكون تنفيذ  الـ ١٧٠١  آخر متراس دوليّ  لحماية لبنان، المُنهك والمنهوب والمنهار، من  غطرسة الصهاينة ومن هذا الاصطفاف العالمي لصالحهم، وكذلك قد يكون فرصة  لتحييّده عن  نوايا  التدمير العسكري  الممنهج…  والإقرار بتطبيقه لن ينقذه من مآسٍ (في ظلّ غياب ميزان قوى داخلي فعليّ مواجه )، ليست بأقلّ ضرراً، في حال تمّت المقايضة مع منظومةٍ حاكمةٍ وفاسدة ومُستعدّة لدفعِ ثمن استمراريتها في الحكمِ من إقتصاد وأمن ومستقبل الوطن وأبنائه.

Leave a Comment