سياسة

سعد الحريري واحتمال تركه خشبة المسرح السياسي

كتب إبراهيم خليل

يكثر الحديث في الوسط السياسي اللبناني حول الاخبار المتداولة عن نية رئيس الحكومة السابق وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري عدم الترشح وخوض الانتخابات النيابية المقبلة. تتناقل عدة وسائل اعلامية أخباراً مفادها عن نية سعد الحريري عدم الترشح  للانتخابات. وتتضارب هذه الاخبار لتصل إلى حد رغبته في الانسحاب من المشهد السياسي اللبناني بشكل كامل، وبين اخبار أخرى تفيد عن نيته توريث مقعده النيابي لعمته بهية، بينما سيترشح كل من امين عام تيار المستقبل احمد، في صيدا وشقيقه بهاء في طرابلس. والفعلي أنه تغيب المعلومة الدقيقة حول ما يريده سعد. فمنذ تشكيل الحكومة وهو غائب عن الساحة اللبنانية، ويقتصر نشاطه على عدد من التغريدات المعدودة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ليست هي المرة الأولى التي يعزل سعد الحريري نفسه عن الساحة السياسية. فللمصادفة حصلت المرة الأولى عام 2011 عقب تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، والآن للمرة الثانية ايضاً هي في عهد حكومة ميقاتي نفسه. لكن هذه المرة تختلف عن سابقاتها. فسعد لا يعلن أي موقف، بينما يبث فريقه المقرب اخباراً متضاربة حول نيته عدم خوض الانتخابات، أي بالنتيجة عزوفه عن متابعة الخوض في الحياة السياسية اللبنانية. يتعامل سعد الحريري مع قاعدته الشعبية على قاعدة “الزعل”. فهذه القاعدة التي كرست الحريري زعيماً عليها ومنحته أكبر كتلة نيابية في دورتي 2005 و2009 لم يبادرها الحريري بأي مشروع سياسي. بل على العكس خاض الحريري انتخابات 2018 بوعد توفير 900 ألف وظيفة وإنشاء تلفريك في منطقة الضنية. وانتهى الوعد بإفلاس لبنان عام 2019 وراهناً. من دون شك شكل التناكف السياسي أبرز معوّق لمشاريع الحريري. اضافةً للفساد الذي لف حلقته المقربة والتي طالتها العقوبات الامريكية مؤخراً. وقد أبعد الحريري كل من نافسه داخل تياره من اشرف ريفي الى نهاد المشنوق، وصولًا الى ابن عمته نادر. ووثق بعدد من المستشارين السياسيين الموصوفين “بالفاسدين”. لا يقيم الحريري أي اعتبار لكلمة نضال ومشروع سياسي، فالرجل الذي اشتهر “بالسلفي” يتعامل مع قاعدته وجمهوره بمنطق “التابع” الذي يستطيع إرضائهم في جميع الظروف، والذين سيبايعونه في مطلق الاحوال. لم يتعلم سعد مثله مثل جميع الطبقة السياسية من تجربتي الانتخابات البلدية عام 2016 والنيابية عام 2018، اضافةً للهبة الشعبية عام 2019 وما نتج عنها. لم يعلن الحريري عن أي مشروع اقتصادي للبلد بالعام، ولا لجمهوره بالخاص لكي يعلن لهم أنه هو المنقذ. فالحريري وفريقه  ومنذ عهد والده رفيق، وصّفوا انفسهم بأنهم المخلصين للبلد، وانهم يجيّرون علاقاتهم الخارجية لصالح لبنان من خلال مشاريع سياسية واقتصادية. لم يستطع سعد اعادة اطلاق هذا العنوان وهذا الوعد للناس. بل كل ما يقوم به قبل اشهر من الانتخابات النيابية إن حصلت هو بث اخبار عن نيته الاعتكاف وعدم خوض الانتخابات.  وهي الاخبار التي كشف عدم صحتها ما صدر عن قياديين من الحزب التقدمي الاشتراكي، بشأن عودته بعد اللقاء به  في الامارات العربية المتحدة مقر إقامته الحالي، وتأكيد التحالف بينهما في الانتخابات القادمة.

تختلف اهداف الحريري من وراء بث هذه الاخبار. فإما نيته  ايجاد حالة من التعاطف من قبل جمهوره الذي سيشعر أن زعيمه متروك وحيداً ويجب الوقوف الى جانبه، وهذه ليست المرة الاولى التي يلجأ فيها لمثل هذا الاسلوب. فقد استعمله بين عامي 2016 و2017 عندما اطلق شعار “حلو الوفا” بوجه عدد من مناصريه الذين تململوا من ادائه حينها. ومن الممكن ان يكون هدف الحريري الإيحاء أن غيابه عن الساحة السياسية عامةً والسنية خاصةً سيفتح الباب امام المتطرفين وهو لطالما وصف نفسه بالمعتدل.

ليس معروفاً لغاية اليوم  لماذا يريد الحريري اعتزال العمل السياسي وما أسبابه، وإن كان صادقاً فعندها تتعدد الاسئلة. هل لأن السعودية لم تعد تثق به؟ فالتجربة علمتنا أن الدول لا تتعاطى الا مع القوي. وسعد ما زال يمثل الغالبية الساحقة للسنُة وشئنا أم ابينا فالدول تتعاطى مع مصالحها. وسيأتي يوم وتعود العلاقات بين سعد والسعودية إلى سابق عهدها. هل يريد سعد الانسحاب من المشهد السياسي لأسباب مالية؟ لا يمكن تصديق هذا الخبر لان ثروة الحريري وأملاكه ما زالت كبيرة وكثيرة، إضافةً إلى مقدرات الحاشية المقربة منه التي استفادت لعقود من الصفقات. ويمكن للحريري ان يستفيد من رجال الاعمال المقربين منه لتمويل حملته الانتخاببية والصرف على تياره. هل تحكّم حزب الله بالمشهد السياسي اللبناني هو السبب؟ ليس خافياً على احد أن أكثر من تمسك بسعد لتولي رئاسة الحكومة هو حزب الله. ولطالما انتشرت اخبار عن مسعى ” الخليلين” لتسهيل عملية تأليف الحكومة خلال فترة تسمية سعد. وفي حسابات حزب الله الغطاء الذي يقدمه سعد للحزب خلال توليه فترة رئاسة الحكومة لن يقدمها أي رئيس حكومة آخر.

بالمحصلة، يتعامل سعد الحريري بمراهقة سياسية ولا يوجد أي سبب مقنع لاعتزاله السياسة. بل على العكس، يجب على سعد اعتزال السياسة لأنه فشل في بناء مشروع وطني يوحد اللبنانيين. ولأنه  جزء من الطبقة السياسية التي أوصلت لبنان إلى ما نحن عليه. ويجب على جميع القادة السياسيين ترك المشهد السياسي لتحملهم جميعاً مسؤولية جهنم التي يعيشها اللبنانيون. لكن للأسف ليس كل ما يتمناه اللبنانيون يدركونه. فالاستقالة السياسية هي خارج قاموس هذه الطبقة السياسية التي أذلت اللبنانيين وجعلتهم يسعون للهروب من لبنان عبر زوارق للصيد كما حصل في طرابلس منذ أيام قليلة فقط.

 

Leave a Comment