صحف وآراء

لبنان من سويسرا الشرق إلى لورستان الإيرانية

كتبت ديمة صلح

لم تكن تسمية لبنان بـ “سويسرا الشرق” ناتجة فقط عن تشابه الطبيعة الجغرافية للبلدين، بل إن الدور الذي لعبه لبنان في فترتي الستينيات والسبعينيات سواء لكونه مركزا مالياً اقليمياً واشتهاره بازدهار قطاعه المصرفي،  وتميزه بقوانين السرية المصرفية كما سويسرا، أو التنوع الأيديولوجي المتشابه للبلدين وتنوع الأعراق والجنسيات والطوائ..

عاش لبنان عصرا ذهبيا في خمسينبات القرن الماضي لكن تتالي الصراعات الاهلية جعل اقتصاده يتهاوى شيئاً فشيئاً وصولاً للانهيار الكبير الذي بدأ مطلع عام 2019.

عانى لبنان على مدى سنوات من سوء الإدارة الحكومية والفساد الذي تسبب في أزمة مالية، مما ادى إلى تأخر البلد عن سداد سندات ديونه لأول مرة منذ استقلاله عن الانتداب الفرنسي عام ١٩٤٣.

ما يحدث في لبنان اليوم لم يحدث حتى اثناء الحرب الاهلية التي استمرت لسنوات طويلة. إضافة إلى ما ترتب من نتائج جراء استيعاب مئات الآلاف من النازحين السوريين وغيرهم، وكذلك نتائج الاعتداءات الاسرائيلية على البنى التحتية في لبنان وما أحدثته من دماء وخراب في مختلف المناطق اللبنانية، إضافة إلى استعار الخلافات الداخلية بين القوى الأساسية، والتي وصلت إلى حد الفوضى الأمنية والاغتيالات السياسية. وقد اشارت صحيفة وول ستريت الامريكية الى ان الاقتصاد اللبناني ربما لن يعود الى ما كان عليه من قبل، حيث عمقت كارثة انفجار المرفأ  وتفشي فيروس كورونا قبلها، الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ صيف 2019.

وبحسب تقرير الامم المتحده يعيش نحو 40% من اللبنانيين بطالة فاقمت من المعاناة الاجتماعية مع الانهيار الاقتصادي وتخطى معدل الفقر حدود نصف المجتمع اللبناني ويتجه صعوداً. فيما تضاعف مستوى الفقر الحاد ثلاث مرات إذ ارتفع من ثمانيه بالمئه عام 2019 الى 23% عام 2020.

في حين حذر البنك الدولي من أن الأزمة الاقتصادية اللبنانية تصنف من أسوأ وأشد ثلاث أزمات عالمية في القرن ال19. وأن آثار هذه الأزمة تنعكس في الداخل على نوعية الحياة اليومية للمواطنين، وتشتد وطأتها على حاجياتهم الرئيسية والاساسية وحقوقهم الطبيعيه بالحصول على حياة كريمة.

إن الحرب النفسية التي تنتهجها السلطه الحاكمة من خلال إحداث الفرقة بين صفوف المواطنين أو إضعاف المعنويات وبث الشك والقنوط في نفوس المواطنين بأنفسهم وبقدراتهم، واستغلال مشاعر الخوف والقلق، واستغلال الدوافع والحاجات الاساسية (الجوع والعطش)، أو الحاجات الثانوية كالتقدير الاجتماعي وتحصين الذات، قد حول تفكير المواطن اللبناني، وجعل شغله الشاغل رغيف الخبز والبحث عن الدواء والحليب للاطفال الرضع، وهذا مدخل حسَّاس ومهم للسيطرة على النفوس وإرادة الشعب.

إن التدهور المستمر في الاقتصاد اللبناني المتزامن مع الفوضى السياسية جلب معضلة كبرى حتى للحكومات المجاورة. إن المخاطر المحتملة إثر انهيار لبنان جراء السياسات التي اتبعتها السلطة الحاكمة والتي تمثلت فيها مختلف الأحزاب السياسية اللبنانية، وكانت شريكاً في ايصال لبنان إلى ما وصل إليه، ونهبها مقدرات البلاد واستخدام نفوذها وسلطتها عبر ممثليها في الحكومات المتعاقبة، واستيلاء حزب الله على السلطة، سيجعل من لبنان مرتعا  للنفوذ الايراني الذي يسعى جاهداً لجعل المسار اللبناني السوري العراقي متماسكاً لصالحها عبر السيطرة على هذه البلدان الثلاثة بكافة الطرق.

وما يدل عليه الحال اليوم في لبنان يشير إلى أن حزب الله اصبح قريباً من تحقيق هدفه. فهو المتحكم الاول والاخير بالقرار السياسي والاقتصادي بل والقضائي  واحتكاره قرار السلم والحرب. وما يشهده البلد اليوم بشأن التحقيق في انفجار المرفأ ومحاولات تنحية القاضي بيطار، أو في ما خص أزمة المحروقات و كيفية تعاطي حزب الله وايران معها، أو ما تسببت به تصريحات وزير الاعلام، من أزمة مع دول الخليج العربي، وموقف الحزب المتضامن بالكامل معه، أو بالنسبة لتداعيات حادثة الطيونه واستعراضات الحزب العسكرية المتتالية والممنهجة.

ناهيك عن أن بيروت كانت قد تحولت إلى مقر اعلامي وسياسي وعسكري لكل الفصائل التي تقودها وتمولها أجهزه النظام الايراني. بل تحول لبنان الرسمي في ظل حكومات عاجزة يتولى انتاجها الفريق الذي يقوده حزب الله إلى مدافع عن السياسات الايرانية في المحافل العربية والدولية ومنبر اعلامي وسياسي ضد من يواجه هذه السياسات. وفي الجانب الاسوأ إلى معبر مفتوح للمخدرات على انواعها إلى موانئ الجزيره العربية، مما يزيد من عزلة لبنان العربية لا سيما مع دول الخليج العربي.

لقد أصبح لبنان بفضل سياسات السلطة الحاكمة منذ التسعينيات حتى اليوم، حيث نخر الفساد عظم الدولة بكافة مؤسساتها وهياكلها، اضافةً الى سياسات حزب الله وتغطيتها من قبل الرئيس عون وتياره السياسي،  وكأنه مقاطعة شبيهة بـ “لورستان الايرانية” فاقداً لكل المقومات التي كانت تشكل رافعته التاريخية التي وُصف بسببها أنه “سويسرا الشرق”.

Leave a Comment