ليست المرة الأولى التي تتواطأ فيها الحكومة مع الهيئات الاقتصادية على حساب العمال والموظفين، لكنها بتواطؤها الأخير اقترفت جريمتين بحق العمال من جهة، وبحق المضمونين من جهة ثانية. واتخذت قراراً خالفت فيه كل ما سبق أن تعهّدت به أمام ممثلي العمال خلال مرحلة التفاوض، حول تعديل الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص.
بعد رحلة مطولة من التفاوض بين أطراف العمل، وهم العمال ممثلون بالاتحاد العمالي العام، وأرباب العمل ممثلون بالهيئات الإقتصادية، والدولة ممثلة بوزير العمل، توصل جميع الأطراف إلى اتفاق لا يلبي الحد الأدنى من مطالب وتطلعات العمال وحاجاتهم المعيشية (المرسوم المرفق). لكن الاتحاد العمالي اعتبره أفضل الممكن حالياً، في ظل الظروف الأمنية القاسية التي يمر بها البلد، على أساس أن يتم تعديله من جديد عند انتهاء الحرب، واستعادة الاقتصاد جزءاً من نشاطه.
تعديل المرسوم والتواطؤ على العمال
المرسوم المرفق نتج عن الاتفاق، ووُضع على طاولة الحكومة. لكنه لم يخرج منها بالشكل نفسه إنما أدخلت عليه تعديلات باللحظة الأخيرة، نزولاً عند طلب الهيئات الاقتصادية. فقد تضمن المرسوم في مادته الأولى تحديد الحد الأدنى الرسمي للأجور بـ18 مليون ليرة، وفي مادته الثانية تضمن زيادة غلاء المعيشة وقدرها 9 ملايين ليرة، وفي المادة الثالثة الحد الأدنى الرسمي للأجر اليومي بقيمة 820 الف ليرة.
وبعد استحصال الحكومة على رأي مجلس شورى الدولة الموافق على صيغة المرسوم قامت في اللحظات الأخيرة بحذف المادة الثانية التي تفرض زيادة غلاء المعيشة. وذلك خلافاً لرأي مجلس الشورى ولما تم الاتفاق عليه في لجنة المؤشر.
وعليه بات المرسوم مجتزأ، فمن يقل راتبه عن 18 مليون ليرة سيتقاضى 18 مليوناً بعد صدور المرسوم رسمياً. أما باقي العاملين في القطاع الخاص الذين يتقاضون أكثر من 18 مليون ليرة، فلن ينالهم شيء بعد حذف غلاء المعيشة، التي كانت ستطال كافة العاملين بالقطاع الخاص وعددهم نحو 450 ألف موظف مسجلين بصندوق الضمان الاجتماعي.
وبحذف الحكومة بند غلاء المعيشة، فاتها أن مبدأ تعديل الحد الأدنى للأجور يساوي غلاء المعيشة مضافاً إلى الحد الأدنى السابق. كما أن تعديل الحد الأدنى للأجور من دون إقرار زيادة غلاء المعيشة، من شأنه أن يرتّب تكاليف إضافية على كافة الأجراء، لاسيما أولئك الذين لن تتغيّر مداخيلهم. ومن التكاليف الإضافية الاشتراكات التي سيسددها المضمونون للضمان الاجتماعي.
أمام الجريمة التي اقترفتها الحكومة بحق الأجراء، يسعى الاتحاد العمالي العام إلى دفعها للعودة عن قرارها، وإعادة المادة الثانية إلى المرسوم قبل نشره بالجريدة الرسمية، والتحرك بوجهها وفق القانون. إلا أن مصدراً قانونياً يرى أنه بإمكان الحكومة تعديل المرسوم قبل صدوره رسمياً حتى وإن كان بشكل مخالف لرأي مجلس شورى الدولة. فرأي الأخير غير مُلزم.
قرار الحكومة والتواطؤ على المضمونين
ولا تقتصر جريمة الحكومة على حذف غلاء المعيشة. فقد اتخذت قراراً مكمّلاً قضى بتعديل القرار رقم 11 الصادر بتاريخ 10/2/2024، ويتعلّق بتعديل مرسوم الحد الأقصى للكسب الخاضع للحسومات لفرع ضمان المرض والأمومة، المحدد بخمسة أضعاف الحد الأدنى للأجور وبدلاً من تحديده عند 90 مليون ليرة، أي 5 أضعاف 18 مليون ليرة، عمدت الحكومة إلى خفضه إلى 50 مليون ليرة كمبلغ مقطوع.
وبذلك تكون الحكومة قد قضت على أحد الإصلاحات التي تم تحقيقها منذ قرابة الشهرين لصالح الضمان الاجتماعي، والتي كان مقدّراً لها زيادة الموارد المالية لصالح الصندوق وتعزيز مستوى تقديماته الاجتماعية والصحية التي يقدّمها للمضمونين.
وحسب المعلومات فإن الاتحاد العمالي العام الذي يرفض رفضاً قاطعاً تعديل الحد الأقصى للكسب الخاضع للإشتراكات لفرع المرض والأمومة بشكل أحادي، بعيداً عن حوار الفرقاء المعنيين، وعلى رأسهم الاتحاد العمالي والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وبعيداً عما هو مطلوب من رفع لسقوف التقديمات من طبابة واستشفاء في فرع المرض والأمومة، يتّجه إلى مواجهة الحكومة بالقانون كمرحلة أولى، وعبر النزول إلى الشارع ما لم يلمس تجاوباً جدياً.
ويرى مصدر من الضمان الاجتماعي بأن ممارسات الحكومة فيما لو تم الربط فيما بينها، تخلص إلى تعمّدها تدمير قدرات الضمان الاجتماعي وتجريده من أي إيرادات مالية محتملة. ويقول إن قرار الحكومة تحديد الحد الأدنى للأجور بـ18 مليون ليرة جاء بعد إقرار الضمان الاجتماعي قراراً بعدم قبول التصاريح بأقل من 20 مليون ليرة. وهذا يعني أن إيرادات الضمان الاجتماعي من مرسوم الأجور ستكون معدومة، بدلاً من إيجاد الحلول لتقديمات الطبابة والاستشفاء التي يقدمها الضمان الاجتماعي للمضمونين وأفراد عائلاتهم.
*نشر على موقع المدن بتاريخ 9 نيسان 2024
Leave a Comment